29-08-2005, 01:27 PM
|
رقم المشاركة : 1
|
( ود نشِـط )
|
$$ أحــــــــــــــــــــــــلام آنشتايــــــــــــــن $$
 |
|
 |
|
منذ أول لحظة تفطنّت فيها لغربتي .. صنعت من روحي ابناً .. ونصحته مخلصاً
( لا كنصائح الآباء .. الفجّة )
حين تعثر على ما يشبهك .. إياكَ .. أن يفلت منك .
" ثمة مكان يقف فيه الزمن ساكناً . قطرات المطر معلقة
في الهواء بلا حراك .تتدلى نواسات الساعات في المنتصف , كمسافر يتحرك
متباطئاً أكثر فأكثر ليدنو من هذا المكان من أية جهة كانت ".
إنه عام 1905 في مدينة بيرن السويسرية . كان موظف براءات اختراع شاب
يحلم أحلاماً مدهشة عن طبيعة الزمن . إنه ألبرت آينشتاين الذي أوشك على
الانتهاء من نظرية النسبية . كيف كانت أحلامه في تلك الأشهر القليلة الأخيرة
والمهمة جداً ؟
هنا , في هذا الكتاب الفائق للعادة , الذي حظي بإحتفاء كبير , وعلى مستوى
رفيع , والذي ألفه عالم الفيزياء آلن لايتمان , تستحضر ثلاثون حكاية
خرافية , عوالم نظرية عديدة حول الزمن , كانت مواضيع أحلام في ليال كثير .
الزمن دائري في أحد العوالم , مقدر على سكانه أن يكرروا النجاح والبلاء مرة
تلو أخرى ...و في عالم آخر يحاول الرجال و النساء التقاط الزمن الذي يبدو
كعندليب في إناء يشبه الجرس , وفي آخر لايوجد زمن , ثمة لحظات متجمدة فقط.
و هذه كلها رؤى تسبر جوهر الزمن , مغامرة الإبداع , عظمة الإحتمال
وجمال ....أحلام آينشتاين .
ولد آلن لايتمان في ممفيس ,تينيسي في 1948 و درس في جامعة برنستون
و معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا . كتب لصحف ومجلات مثل :
The new Yorker , Review of Books ,New York Harper’s , granta .
من كتبه السابقة : انتقال الزمن و غليون بابا جو , يانكي مودرن في محكمة
بكونيكتيكت , أصول , الضوء القديم , أفكار عظيمة في الفيزياء و زمن
النجوم . و أحلام آينشتاين هي روايته الأولى .
يدرس لايتمان الفيزياء و فن الكتابة في معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا |
|
 |
|
 |
|
|
|
29-08-2005, 01:30 PM
|
رقم المشاركة : 2
|
( ود نشِـط )
|
 |
|
 |
|
 |
|
 |
|
الروايـــــــــــــــــــة |
|
 |
|
 |
في رواق مقنطر ما تدق ساعة برج ست مرات وتتوقف .
يتهاوى الشاب على مكتبه . جاء إلى الدائرة
فجرا بعد إزعاج آخر . شعره غير ممشط و بنطاله فضفاض
يحمل بيده عشرين صفحة مجعدة تحوي
نظريته الجديدة في الزمن التي سيرسلها إلى مجلة الفيزياء الألمانية .
تدخل الغرفة أصوات خافتة قادمة من المدينة تطن زجاجة حليب على حجر .
تتقلقل ظلة حانوت في السوق ,
تتحرك عربة خضار ببطء في الشارع ,
يتحدث رجل وامرأة بنبرتين هامستين في شقة الجوار.
في الضوء الباهت الذي يتغلغل في الغرفة تبدو المقاعد
مظللة و ناعمة كحيوانات ضخمة نائمة .
وباستثناء كتب الشاب الذي تتبعثر عليه كتب نصف مفتوحة ,
تتغطى المكاتب الإثنا عشر بسجلات
تركت البارحة مرتبة بأناقة .
حين يصل الموظفون بعد ساعتين سيعرف كل منهم أين يبدأ بدقة .
لكن , في هذه اللحظة في هذا الضوء الباهت ,
ليست السجلات التي على المكاتب مرئية أكثر من الساعة الكبيرة
التي في الزاوية أو كرسي السكرتيرة قرب الباب كل مايمكن
أن يرى في هذه اللحظة هو الأشكال الداكنة
للمكاتب و الشكل المحدب للشاب .
إنها السادسة وعشر دقائق وفقاً لساعة الحائط اللامرئية .
لحظة بعد لحظة , تتخذ أشياء جديدة أشكالاً .
هنا تظهر سلة مهملات نحاسية هناك يبين تقويم على الحائط .
هنا صورة عائلة , علبة مشابك للأوراق , محبرة ,
قلم حبر . هناك آلة كاتبة , سترة مطوية موضوعة على كرسي .
مع مرور الزمن تبزغ رفوف الكتب التي لايخلو منها
مكان من ضباب الليل العالق على الجدران .
تحمل الرفوف دفاتر براءات اختراعات .
تتعلق إحدى البراءات بالآت حفر مسنناتها محنية
بطريقة تقلل الاحتكاك .
تقترح أخرى محولاً كهربائيا يحمل فولطاً متواصلاً
حين يتنوع تزويد الطاقة .
تصف براءة إختراع آلة كاتبة بلوح طباعة
منخفض السرعة يزيل الضجة . إنها غرفة مليئة بالأفكار العملية .
في الخارج تتوهج جبال الألب تحت الشمس .
الوقت أواخر حزيران . راكب في نهر آري يفك قاربه الصغير
و يندفع تاركاً التيار يحمله إلى الشارع غيربرن حيث سينقل
تفاحه الصيفي و ثمار العليق * .
يصل الخباز إلى مخبزه في السوق ,
يشعل فرنه الفحمي و يباشر خلط الطحين و الخميرة .
يتعانق عاشقان على جسر " نيديك" و يحدقان بتمعن إلى الأسفل .
يقف رجل على شرفة منزله في " شيفلاوبي"
و يدرس السماء القرنفلية . تسير امرأة استحوذ عليها الأرق
ببطء في شارع كرام , تحدق إلى جميع
الأورقة المقنطرة و تقرأ الملصقات في الضوء الخافت .
في المكتب الطويل الضيق الذي يقع في " شارع شبايشا "
في الغرفة المليئة بالأفكار العملية ما يزال
موظف براءات الإختراعات الشاب جالساً
على كرسيه و رأسه على المكتب : في الأشهر العديدة الماضية
و منذ منتصف نيسان حلم أحلاماً كثيرة عن الزمن .
هيمنت أحلامه على بحثه . أنهكته أحلامه ,
استتنفذته بحيث أنه لا يستطيع أحيانا أن يميز بين نومه و يقظته .
لكن عملية الحلم انتهت. و من بين
طبائع الزمن الكثيرة الممكنة المتخيلة في ليال كثيرة أيضا ,
تبدو إحداهن مغرية . لا يعني هذا أن الأخرى
مستحيلة . يمكن أن توجد الأخرى في عوالم أخرى .
يتحرك الشاب على كرسيه منتظراً مجئ ضاربة الآلة الكاتبة
و يدندن بصوت منخفض ألحاناً من سوناتا
ضوء القمر لبيتهوفن .
|
|
 |
|
 |
|
|
|
29-08-2005, 01:33 PM
|
رقم المشاركة : 3
|
( ود نشِـط )
|
 |
|
 |
|
 |
|
 |
|
14 نيســــــــــــــان 1905 |
|
 |
|
 |
افترض أن الزمن دائرة تكرر نفسها, عندئذ يكرر العالم نفسه بدقة وبلا نهاية .
لا يعرف البشر في معظم الحالات أنهم سيكررون حيواتهم .
لا يعرف التجار أنهم سيعقدون الصفقة نفسها مرة بعد أخرى .
يجهل السياسيون أنهم سيصيحون على نفس المنصة عددا
لانهائياً من المرات في دورات الزمن .
يسمع الوالدان ضحكة طفلهما بولع و كأنهما لن يسمعاها مرة ثانية .
كيف سيعرفون أن كل نظرة سرية , كل لمسة ,
سوف تتكرر ثانية و ثانية و ثانية كما حدث من قبل؟
و كذلك هو الأمر في السوق . كيف يعرف البقالون
أن كل كنزة يدوية الصنع , كل منديل مطرز , كل حبة شوكولاتة ,
كل ساعة يد و بوصلة معقدة ستعود إلى دكاكينهم ؟ ,
يعود البقالون إلى عائلاتهم بعد الغروب أو يشربون البيرة
في الحانات و ينادون بمرح الأصدقاء الذين في الأزقة المقنطرة ,
يداعبون كل لحظة و كأنها زمردة في إيداع مؤقت .
كيف يعرفون أن لاشئ مؤقتاً , أن كل شئ سيحدث مرة ثانية؟
لا شئ يعرف أنه سيعود إلى حيث بدأ
سوى نملةٍ تزحف على حافة ثريا كريستالية.
في المستشفى الذي في شارع غيربرن تودع امرأة زوجها
الذي يستلقي في الفراش و يحدقها بنظرة فارغة .
انتشر سرطانه في الشهرين الأخيرين من حنجرته
إلى كبده و بنكرياسه و دماغه . يجلس طفلاه اليافعان
على كرسي واحد في زاوية الغرفة خائفين من النظر إلى والدهما ,
إلى خديه الغائصين و الجلد الذاوي لرجل عجوز .
تقترب المرأة من الفراش و تقبل زوجها بنعومة على جبهته . ت
همس مودعة ثم تغادر بسرعة مع الولدين .
إنها متأكدة إنها القبلة الأخيرة . كيف تعرف أن الزمن
سيبدأ ثانية أنها ستولد ثانية و ستدرس مرة أخرى
في " الجيمانزيو " و تعرض لوحاتها في صالة " فرايبورغ"
و ستبحر معه ثانية في بحيرة " زن" في يوم من أيام تموز الدافئة
و أنها ستنجب ثانية و أن زوجها سيعمل ثماني سنوات في مجال الأدوية
و يرجع إلى المنزل في أحد المساءات بكتلة في حنجرته,
سيتقيأ ثانية و يهزل و ينتهي في هذا المستشفى , في هذه الغرفة ,
هذا الفراش , هذه اللحظة . كيف تعرف؟
في العالم الذي يكون فيه الزمن دائرة ستتكرر كل مصافحة ,
كل قبلة , كل ولادة وكل كلمة . و هكذا أيضاً كل لحظة
ينهي فيها صديقان صداقتهما , كل مرة تتفكك فيها أسرة
بسبب النقود , كل ملاحظة فاجرة في خصومة بين الزوجين ,
كل فرصة ضاعت بسبب غيرة رئيس , كل وعد لم يُنجز .
و تماما كما ستتكرر جميع الأشياء في المستقبل ,
فإن جميع الأشياء التي تحدث الآن حدثت مليون مرة من قبل.
قلة ما من البشر في كل بلدة , تدرك بغموض في أحلامها
أن كل شئ حصل في الماضي. أولئك هم البشر ذوو الحياة الشقية ,
يشعرون أن خطب محاكماتهم و أفعالهم الخاطئة و حظهم السيئ
كل هذا حدث في حلقة الزمن السابقة .
يصارع أولئك المواطنون الملعونون أغطية أسرتهم في منتصف الليل
غير قادرين على النوم مروعين من معرفة أنهم لايقدرون
على تغيير فعل واحد , إيماءة واحدة .
ستتكرر أخطاؤهم في هذه الحياة كما في الحياة التي سبقتها .
و هؤلاء , ذوو الحظ السيئ المضاعف ,
هم الذين يقدمون الإشارة الأولى على أن الزمن دائرة .
ذلك أنه في كل بلدة , في وقت متأخر من الليل, تمتلئ الشوارع
و الشرفات الخالية بأنينهم.
|
|
 |
|
 |
|
|
|
29-08-2005, 01:36 PM
|
رقم المشاركة : 4
|
( ود نشِـط )
|
 |
|
 |
|
في هذا العالم ..الزمن كمثل دفقة ماء , يزيحه أحياناً بعض الحطام ,
نسيم عابر. بين فينة و أخرى يسبب إزعاج كوني ما انحراف جدول
من الزمن عن التيار الرئيسي ليحدث اتصالاً مع التيار الخلفي.
حين يحدث هذا فإن الطيور و التربة و البشر العالقين في الرافد المتفرع
يجدون أنفسهم فجأة محمولين إلى الماضي.
من السهل تحديد البشر الذين نقلوا إلى الوراء في الزمن .
يرتدون ملابس سوداء غير قابلة للتمييز و يسيرون على أصابع
أقدامهم محاولين ألا يصدروا صوتاً واحداً ,ألا يحنوا عشبة واحدة .
ذلك لأنهم يخافون من أي تغير يحدثونه في الماضي يمكن أن ينتج
عواقب و خيمة جداً على المستقبل.
وعلى سبيل المثال , تتوارى مسافرة في ظلال الرواق المقنطر
في شارع كرام وهذا مكان غريب لمسافرة من المستقبل , لكنها هناك .
يعبر المشاة , يحدقون و يتابعون السير .
تنزوي في زاوية ثم تزحف بسرعة عبر الشارع و تأوي
إلى بقعة أخرى مظلمة . إنها مرعوبة من أنها ستثير الغبار ,
كما يشق شخص اسمه " بيتر كلوسن " طريقه إلى الصيدلية
في شارع شبيتال في بعد ظهر 16 نيسان من عام 1905 .
كلوسن شخص مسرف في الأناقة و يكره أن تتسخ ثيابه .
إذا لطخ الغبار ثيابه سيتوقف و ينفضها بهمة بغض النظر
عن المواعيد المنتظرة . إذا تأخر " كلوسن " يمكن ألا يشتري
المرهم لزوجته التي كانت تشكو من ألم ساقها طوال أسابيع .
في تلك الحالة يمكن أن تقرر زوجة كلوسن وهي في مزاج سيئ
الأ تنفذ الرحلة إلى بحيرة جنيف .
و إذا لم تذهب إلى بحيرة جنيف في 23 حزيران 1905
لن تلتقي بامرأة تدعى كاثرين دي إباني وهي تسير على جدار الشاطئ
الشرقي ولن تعرف المدموزيل دي إيباني على ولدها ريتشارد .
و بالتالي لن يتزوج ريتشارد و كاثرين في 17 كانون الأول 1908
ولن ينجبا فريدريك في 8 تموز 1912 .
ولن يصبح فريدريك كلوسن أباً لهانز كلوسن في 22 آب 1938
وبدون هانز كلوسن لن يحصل الإتحاد الأوروبي لعام 1979.
المرأة التي جاءت من المستقبل و رميت دون تحذير في هذا الزمان
وهذا المكان و تحاول الآن أن تختفي عن الأنظار في بقعتها المظلمة
في شارع كرام تعرف قصة كلوسن و ألف قصة أخرى تنتظر الكشف ,
معتمدة على ولادات الأطفال , حركة البشر في الشوارع ,
غناء الطيور في لحظات معينة ,الموقع الدقيق للكراسي , الريح .
تلطأ في الظلال و لاتستجيب لتحديقات البشر .
تلطأ و تنتظر جدول الزمن ليحملها و يعيدها إلى زمنها الخاص.
وحين يجب أن يتحدث مسافر من المستقبل , فإنه لا يتحدث بل يوهوه .
يهمس أصواتاً معذبة , يتألم لأنه إذا أحدث أدنى تبديل في أي شيء
من المحتمل أن يدمر المستقبل. في الوقت نفسه ,
يكون مجبراً على أن يشهد أحداثاً دون أن يكون جزءاً منها,
دون أن يغيرها .يحسد البشر الذين يعيشون في زمنهم الخاص ,
الذين يستطيعون أن يتصرفوا وفق مشيئتهم غافلين عن المستقبل ..
جاهلين تأثيرات أعمالهم . لكنه لا يستطيع أن يفعل شيئا .
إنه غاز هامد , شبح , ورقة بلا روح . إنه منفي الزمن .
يمكن أن يعثر على هؤلاء البشر البؤساء القادمين من المستقبل
في كل قرية و كل بلدة مختبئين تحت أفاريز الأبنية ,
في الأقبية ,تحت الجسور , في الحقول المهجورة .
ولا يسألون عن الحوادث القادمة و الزيجات المستقبلية و الولادات
و التمويلات و الاختراعات و الفوائد التي ستجنى .
و بدلاً من ذلك يتركون وحيدين و يثيرون الشفقة .
يتبع >>>>>>>
|
|
 |
|
 |
|
|
|
29-08-2005, 01:39 PM
|
رقم المشاركة : 5
|
( ود نشِـط )
|
 |
|
 |
|
إنه صباح بارد من صباحات تشرين الثاني . سقطت الثلوج الأولى .
يقف رجل يرتدي معطفاً جلدياً على شرفة طابقه الرابع
في شارع كرام المطلة على نافورة " تسيرغنا" وعلى الشارع الأبيض
في الأسفل . يستطيع المرء أن يرى في جهة الشرق الأبيض في الأسفل .
يستطيع المرء أن يرى في جهة الشرق الصومعة الهشة
لكاتدرائية القديس فنسنت , و في جهة الغرب سقف برج " تسوتغلوكاتورم"
لكن الرجل لا ينظر شرقاً أو غرباً , بل يحدق نحو الأسفل
إلى قبعة حمراء صغيرة متروكة في الثلج و يفكر: أعليه أن يذهب إلى منزل
المرأة في " فرايبورغ" ؟ تمسك يداه الدرابزون المعدني
وتفلتانه ثم تمسكانه ثانية ؟ هل يجب أن يزورها ؟ أيجب أن يزورها؟
يقرر ألا يشاهدها مرة أخرى . إنها لعوب و ظنون و بوسعها
أن تجعل حياته بائسة . ربما لن تكون مهتمة به على أية حال .
و هكذا يقرر ألا يراها ثانية و ينصرف إلى مصادقة الرجال .
يعمل بجد في مجال الأدوية حيث نادرا ما يلاحظ وجود مساعدة المدير.
يذهب إلى صالة احتساء البيرة في شارع خوكر في أوقات المساء
مع أصدقائه و يشرب البيرة , يتعلم صنع الفونديو*,
ثم يلتقي بعد ثلاثة سنوات بامرأة أخرى في محل لبيع الألبسة في نيوشاتل .
إنها ظريفة . تمارس معه الحب ببطء شديد طوال شهور.
بعد عام تأتي لتعيش معه في " بيرن". يعيشان حياة هادئة ,
يتنزهان على طول نهر " آري " يصادقان بعضهما , يشيخان راضيين .
في العالم الثاني يقرر الرجل الذي يرتدي معطفاً جلدياً أنه يجب
أن يشاهد امرأة " فرايبورغ" مرة أخرى . لايكاد يعرفها ,
يمكن أن تكون لعوب و متقلبة . لكن تلك الطريقة التي يصبح
فيها وجهها ناعماً حين تبتسم , تلك الضحكة ,ذلك الاستخدام الذكي للكلمات ,
نعم , يجب أن يشاهدها مرة ثانية .يذهب إلى منزلها في فرايبورغ ,
يجلس معها على الأريكة ,يشعر بعد لحظات أن قلبه يخفق ,
يضعف من مشهد بياض ذراعيها. يمارسان الحب بصخب و شوق .
تقنعه بالانتقال إلى فرايبورغ . يترك علمه في " بيرن"
و يوظف في مكتب فرايبورغ البريدي. يشتعل حباً بها .
يجيئ إلى المنزل ظهراٌ كل يوم .يأكلان , يمارسان الحب, يتجادلان ,
تشكو أنها تريد مزيداً من النقود , يتوسل إليها , تقذفه بالآنية ,
يمارسان الجنس مرة أخرى ,يعود إلى مكتب البريد .
تهدد بأنها ستتركه لكنها لاتفعل ذلك . يعيش من أجلها و هو سعيد بكمده.
في العالم الثالث يقرر أيضاً أنه يجب أن يشاهدها مرة أخرى .
لايكاد يعرفها , يمكن أن تكون لعوب و متقلبة . لكن تلك الابتسامة ,
تلك الضحكة , ذلك الذكاء في في استخدام الكلمات . نعم ,
يجب أن يشاهدها مرة ثانية . يذهب إلى منزلها في " فرايبورغ" ,
يلتقي بها عند الباب , يتناول معها الشاي حول طاولة المطبخ .
يتحدثان عن عملها في المكتبة و عن عمله في مجال الأدوية .
تقول بعد ساعة إنها يجب أن تغادر لتساعد صديقا , تودعه , يتصافحان .
يسافر قاطعاً مسافة الثلاثين كليومتراً إلى بيرن, يشعر بالفراغ
أثناء ركوب القطار إلى منزله , يصعد إلى شقته في الطابق الرابع
ويحدق نحو الأسفل , إلى القبعة الحمراء المتروكة في الثلج.
إن سلاسل الأحداث الثلاثة هذه تحدث بالفعل متزامنة .
ذلك أن الزمن يمتلك ثلاثة أبعاد في هذا العالم مثل المكان .
تماماً كما يمكن أن يتحرك شيء في ثلاث جهات عمودية تتواشج
مع الأفقي و العمودي و الطولي و هكذا يمكن أن يشارك الشيء
في ثلاثة مستقبلات عمودية . يتحرك كل مستقبل في جهة مختلفة من الزمن ,
و كل من هذه المستقبلات حقيقي . و حين يصل الرجل إلى حافة
أي قرار لزيارة المرأة التي في فرايبورغ أو لشراء معطف جديد ,
ينقسم العالم إلى ثلاثة عوالم كل منها يحتوي البشر نفسهم
و لكن بأقدار مختلفة لأولئك البشر .
مع مرور الزمن ثمة عدد لانهائي من العوالم.
يستخف البعض بالقرارات مجادلين أن جميع القرارات الممكنة ستُتخذ .
في عالم كهذا , كيف يستطيع المرء أن يكون مسؤولاً عن أفعاله ؟
يعتقد آخرون أن كل قرار يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار
و يُلتزم به و أنه بدون التزام يحل العماء .
إن بشراً كهؤلاء يرضون أن يعيشوا في عوالم متناقضة
طالما أنهم يعرفون سبب كل منها .
__________________________
* الفونديو fondue :لون من الطعام السويسري يصنع من الجبن الذائب
في النبيذ الأبيض و ينقع فيه فتات الخبز - المغني الأكبر |
|
 |
|
 |
|
|
|
29-08-2005, 01:43 PM
|
رقم المشاركة : 6
|
( ود نشِـط )
|
 |
|
 |
|
ثمة زمنان في هذا العالم : الزمن الآلي و الزمن الجسدي .
الأول صلب و معدني كبندول حديدي ضخم يتحرك جيئة وذهاباً .
الثاني يتقلب و يتعرج كسمكة في خليج . الأول لا يلين , محدد سابقاً .
الثاني يتخذ قراره وهو يمضي.
يقتنع كثيرون أن الزمن الآلي غير موجود .
حين يمرون قرب الساعة العملاقة في شارع كرام لا يشاهدونها
و لايسمعون دقاتها وهم يرسلون الطرود في شارع بوست
أو يطوفون بين الأزهار في " روزنكارتن".
يلبسون ساعات حول أرساغهم كزينة أو كتجمل لأولئك
الذين يقدمون الساعات اليدوية كهدايا .
لا يضعون ساعات جدارية في منازلهم . بدلاً من ذلك ,
يصغون لدقات قلوبهم , يشعرون بإيقاعات أمزجتهم و رغباتهم .
يأكل بشر كهؤلاء حين يجوعون, يذهبون إلى أعمالهم في المتجر
أو الصيدلية حين يستيقظون من نومهم , يمارسون الحب
طوال ساعات النهار . يسخر بشر كهؤلاء من فكرة الزمن الآلي.
يعرفون أن الزمن يتحرك في نوبات و قفزات ,
يعرفون أن الزمن يصارع نحو الأمام حاملاً ثقلاً على ظهره
حين ينقلون طفلاً مصاباً إلى المستشفى أو يتحملون
تحديقة جار أسيئ إليه . يعرفون أيضاً أن الزمن يندفع
مسرعاً عبر حقول الرؤية حين يستمتعون بتناول مع الأصدقاء
أو يتلقون المديح أو يكذبون بين ذراعي عشيقة سرية.
ثم هناك أولئك الذين يعتقدون أن أجسادهم لا توجد ,
يعيشون وفق الزمن الآلي , ينهضون في السابعة صباحاً,
يتناولون غذاءهم ظهراً و عشاءهم في السادسة.يصلون إلى مواعيدهم
في الوقت المحدد وبدقة الساعة .يمارسون الجنس بين الثامنة و العاشرة ليلاً,
يعملون أربعين ساعة في الأسبوع , يقرأون صحيفة الأحد يوم الأحد ,
يلعبون الشطرنج مساء الثلاثاء. حين تصدر معداتهم أصواتاً ينظرون
إلى ساعاتهم ليتبينوا إذا حان وقت الطعام ,حين ينسون أنفسهم
في حفلة موسيقية ينظرون إلى الساعة التي فوق خشبة المسرح
ليعرفوا متى يحين وقت العودة إلى المنزل .
يعرفون أن الجسد ليس شيئاً ينتمي إلى السحر الوحشي بل مجموعة
من المواد الكيماوية و الأنسجة و الدوافع العصبية و يعرفون أن الأفكار
ليست أكثر من اندفاعات كهربائية في الدماغ و الإثارة الجنسية
ليست أكثر من تدفق المواد الكيماوية إلى نهايات عصبية معينة و الحزن
ليس أكثر من حمض قليل يثبت في المخيخ . باختصار ,الجسد آلة خاضعة
لقوانين الكهرباء والميكانيكا نفسها كالإلكترون أو الساعة . هكذا ,
يجب أن يخاطب الجسد بلغة الفيزياء , و إذا تحدث الجسد فإن حديث عتلات
و قوى كثيرة فقط . الجسد شيء يجب أن يؤمر , أن لايطاع .
إذا سار المرء ليلاً على طول نهر " آري" يشاهد دليلاً على وجود عالمين
في عالم واحد . يحدد مراكبي موقعه في الظلام من خلال إحصاء الثواني
المندفعة في تيار الماء. ثانية , ثلاثة أمتار , ثانيتان , ستة أمتار .
ثلاث ثوان , تسعة أمتار . يخترق صوته الظلمة بمقاطع واضحة و محددة .
تحت منصب مصباح على جسر " نيديك" يقف شقيقان لم يشاهدا بعضهما
لمدة عام ويشربان و يضحكان . يدق جرس كاتدرائية القديس فنسنت
عشر مرات . في ثوان , تنطفئ أضواء الشقق التي تصطف
في " شيفلاوبي" في استجابة آلية تامة مثل استنتاجات هندسة إقليدس .
عاشقان يستلقيان على ضفة النهر ينظران إلى الأعلى بكسل
بعد أن استيقظا من نوم لا زمني على الأصوات البعيدة لجرس الكنيسة ,
مندهشين من أن الليل قد خيم.
حيث يلتقي الزمنان يحل اليأس. حيث ينفصل الزمنان تحل القناعة .
ذلك أن محامياً , ممرضة , خبازاً , يستطيعون أن يصنعوا عالماً
بشكل معجز في أي من الزمنين , لكنهم لايستطيعون ذلك في كلا الزمنين .
إن كل زمن منهما هو حقيقي إلا أن الحقائق ليست نفسها .
|
|
 |
|
 |
|
|
|
29-08-2005, 01:46 PM
|
رقم المشاركة : 7
|
( ود نشِـط )
|
 |
|
 |
|
من الواضح بسرعة في هذا العالم أن هناك شيئاً غريباً :
لاتمكن رؤية منازل في الأودية و السهول . يعيش الجميع في الجبال .
في وقت ما في الماضي اكتشف العلماء أن الزمن يتدفق ببطء
أكبر كلما ابتعد عن مركز الارض . التأثير ضئيل جدا لكنه يمكن
أن يقاس بأدوات حساسيتها مفرطة . حالما عرفت الظاهرة
انتقل بعض البشر المتلهفين للبقاء شباناً إلى الجبال .
بنيت جميع المنازل على "دوم" و على " ماترهورن"
و " مونت روزا " وعلى أراض أخرى مرتفعة .
من المستحيل بيع أحياء سكنية في مكان آخر.
لم يرض كثيرون أن يبنوا منازلهم ببساطة على جبل .
لكي يحصلوا على التأثير الأكبر بنوا منازلهم على دعائم.
عششت منازل كهذه على قمم الجبال في جميع أنحاء العالم ,
وتبدو من بعيد كسرب طيور سمينة تقف على أرجل طويلة و نحيلة .
البشر يتلهفون ليعيشوا فترة أطول شيدوا منازلهم على الدعائم الأعلى .
وفي الحقيقة , ترتفع بعض المنازل نصف ميل على
سيقانها الخشبية النحيلة . أصبح الإرتفاع مرتبة .
حين يتوجب على شخص أن ينظر من نافذة مطبخه إلى الأعلى ليشاهد
جاراً يظن أن جاره لن يصاب بتصلب إلى الأعلى ليشاهد جاراً
يظن أن جاره لن يصاب بتصلب المفاصل بالسرعة التي سيصاب هو بها ,
لن يفقد شعره هو وقت لاحق , لن يصاب بالتجاعيد حتى وقت لاحق ,
لن يفقد الباعث على الرومانس باكراً مثله . كذلك يميل الشخص
الذي ينظر نحو الأسفل إلى منزل آخر إلى اعتبار سكانه منهكين
و ضعفاء و قصيري النظر . يتباهى البعض أنهم عاشوا حياتهم كلها في الأعلى ,
أنهم ولدوا في أعلى منزل على أعلى قمة جبل ولم يهبطوا أبداً .
يحتفلون بشبابهم في المرايا و يسيرون عراة على شرفاتهم .
بين فينة و أخرى يجبر عمل ما ملح البشر على الهبوط في منازلهم
فيفعلون ذلك بسرعة و ينزلون بعجلة على سلالمهم إلى الأرض
و يركضون إلى سلم آخر , ثم إلى الوادي في الأسفل ,
يكملون صفقاتهم و يعودون بأقصى سرعة إلى منازلهم
أو إلى أماكن أخرى مرتفعة . يعرفون أنه مع كل خطوة إلى الأسفل
تزداد سرعة مرور الزمن و يهرمون قليلاً . البشر الذين على مستوى الأرض
لا يجلسون أبداً . يركضون حاملين محفظاتهم أو مشترياتهم .
لم تعد تأبه قلة من المقيمين في كل مدينة إذا تقدمت في السن بضع ثوان
أكثر من جيرانها . تهبط هذه الأرواح المغامرة إلى العالم السفلي لعدة أيام
في المرة الواحدة . تسترخي في ظل الأشجار التي تنمو في الوادي ,
تسبح بمتعة و حرية في البحيرات التي تقع في ارتفاعات دافئة ,
تطوف على مستوى الأرض.
نادراً ما تنظر إلى ساعاتها و لا تستطيع أن تقول إن كان اليوم
هو الإثنين أو الخميس . حين يندفع الآخرون قربها بسرعة و يسخرون ,
تبتسم فقط مع مرور الزمن , ينسى البشر لماذا المكان الأعلى هو الأفضل .
مع ذلك , يواصلون العيش على الجبال ليتجنبوا المناطق الغائصة
قدر استطاعتهم , ليعلموا أبناءهم أن يصرفوا الأطفال الآخرين
عن الارتفاعات المنخفضة . يتعودون على برد الجبال و يستمتعون
بعدم الراحة كجزء من تربيتهم , حتى أنهم أقنعوا أنفسهم بأن الهواء
الرقيق مفيد لأجسادهم , و متبعين ذلك المنطق مارسوا حميات
من أجل التوفير و رفضوا كل شيء إلا الطعام القليل * .
و مع مرور الوقت , أصبح البشر رقيقين كالهواء , عجافاً و كهولاً قبل أوانهم .
_________________________
*gossamer food :واه ، رقيق |
|
 |
|
 |
|
|
|
29-08-2005, 01:51 PM
|
رقم المشاركة : 8
|
( ود نشِـط )
|
 |
|
 |
|
ليس بوسع المرء أن يتنزه في جادة أو يتحدث مع صديق أو يدخل بناء أو يتجول تحت أقواس رواق مقنطر قديم
مصنوعة من الحجر الرملي دون أن يلتقي بأداة زمنية. الزمن مرئي في جميع الأمكنة . أبراج الساعات الكبيرة ,
ساعات اليد و أجراس الكنائس تقسم الأعوام إلى شهور والشهور إلى أيام و الأيام إلى ساعات و الساعات إلى ثوان
وكل زيادة في الوقت تتقدم بعد الأخرى في تعاقب تام . ووراء أية ساعة كبيرة معينة
ثمة منصة زمنية شاسعة ترسي قانون الزمن للجميع على السواء.
في هذا العالم الثانية هي ثانية هي ثانية . يخطو الزمن إلى الأمام بانتظام مضبوط
وبالسرعة المنتظمة ذاتها في كل زاوية من المكان .
الزمن حاكم لانهائي . الزمن مطلق .
يجتمع كل بعد ظهر سكان بلدة بيرن في الطرف الغربي لشارع كرام .
هناك في الثالثة إلا ربعاً يدفع برج "تسوتغلوكاتورم" الجزية للزمن .
عالياً على البرج يرقص المهرجون , تصيح الديكة , تعزف الدببة على الناي وتقرع الطبل ,
يوقت الأصوات والحركات دوران المسننات ,
التي بدورها يلهمها اكتمال الزمن . في الساعة الثالثة تماماً يدق جرس ضخم ثلاث مرات , يتفحص البشر ساعاتهم ,
ثم يعودون إلى مكاتبهم في " شارع شبايشا" و حوانيتهم في " السوق"
و مزارعهم التي تقع وراء الجسور التي على نهر " آري".
الذين يمتلكون إيماناً دينياً يعتبرون الزمن دليلاً على وجود الله . ذلك أنه من المؤكد أن لا شيء يخلق تماماً دون خالق,
لا شيء يمكن أن يكون كونياً دون أن يكون مقدساً . و جميع المطلقات هي جزء من المطلق الواحد .
و أينما وجدت المطلقات يوجد الزمن . وضع فلاسفة الأخلاق الزمن في مركز إيمانهم .
الزمن هو المرجع الذي يحكم من خلاله على جميع الأفعال . الزمن هو الوضوح لرؤية الصواب و الخطأ.
في حانوت لبيع الكتان في " شارع أمتهاوس " تتحدث امرأة مع صديقتها . فقدت وظيفتها للتو .
اشتغلت عشرين عاماً موظفة في " مجلس الشعب" تسجل المجادلات . ساعدت أسرتها .
و سرحت الآن وهي تعيل فتاة ماتزال في المدرسة و تعيش مع زوج يمضي كل صباح
ساعتين في المرحاض. دخلت مديرتها في صباح ما ,
وهي سيدة غريبة الأطوار , مزيتة بإفراط , و طلبت منها أن تخلي مكتبها في اليوم التالي .
تصغي الصديقة التي في الحانوت بهدوء
و تطوي بأناقة غطاء الطاولة الذي اشترته , تنزع نسالة الكتان عن كنزة المرأة التي فقدت وظيفتها .
تتفق الصديقتان على اللقاء لتناول الشاي في الساعة العاشرة من اليوم التالي . الساعة العاشرة ,
بعد سبع عشرة ساعة و خمس و ثلاثين دقيقة من هذه اللحظة تبتسم المرأة
التي فقدت وظيفتها للمرة الأولى طوال اليوم ,
تتخيل في ذهنها الساعة التي على حائط مطبخها تحدد كل ثانية بين الآن والساعة العاشرة غداً,
دون انقطاع , دون استشارة.
و ثمة ساعة مشابهم في منزل صديقتها متزامنة معها . غداً في العاشرة إلا ثلثاً ,
سترتدي المرأة لفاعها و قفازيها و معطفها
و تسير في " شيفلاوبي" عابرة جسر " نيديك" متوجهة إلى " المقهى"
في شارع بوست . في العاشرة إلا ربعاً ,
ستغادر صديقتها منزلها في شارع تسويغاهوس و تشق طريقها إلى المكان نفسه .
ستتقابلان في الساعة العاشرة . ستتلقيان في العاشرة .
إن عالماً يكون فيه الزمن مطلقاً هو عالم عزاء . ذلك أنه بينما تكون حركات البشر غير قابلة للرصد ,
تكون حركة الزمن قابلة لذلك . وبينما يمكن أن يُشك بالبشر , لايمكن الشك بالزمن .
و بينما يشرد البشر ينزلق الزمن إلى الأمام دون أن ينظر إلى الخلف . في المقاهي , في الأبنية الحكومية ,
في القوارب التي في بحيرة جنيف , ينظر البشر إلى ساعاتهم اليدوية و يلوذون بالزمن .
تعرف كل امرأة أنه في مكان ما تكون مسجلة لحظة ولادتها و اللحظة التي قامت فيها بالخطوة الأولى ,
ولحظة هواها الأول و اللحظة التي ودعت فيها والديه |
|
 |
|
 |
|
|
|
30-08-2005, 02:25 PM
|
رقم المشاركة : 9
|
( ود نشِـط )
|
 |
|
 |
|
 |
|
 |
|
4 أيــــــــــــــــــــار 1905 |
|
 |
|
 |
إنه المساء . يجلس أربعة من الإنكليز و السويسريين إلى طاولتهم المألوفة في غرفة الطعام في فندق " سان موريزان "
في " سينت موريتز" يلتقون هنا كل عام في شهر حزيران ,
ليتحدثوا و يستحموا. الرجلان أنيقان يرتديان ربطتي عنق سوداوين و حزامين , المرأتان جميلتان و ترتديان فستاني سهرة .
يسير النادل عبر الأرضية الخشبية الرائعة و يتلقى طلباتهم .
تقول المرأة التي تزين شعرها بشريط قماش موشى :
" أظن أن الطقس سيكون معتدلاً غداً. سيكون هذا مريحاً".
يهز الآخرون رؤوسهم و تتابع كلامها :
" تبدو الحمامات أكثر إمتاعاً حين يكون الجو مشمساً. رغم أن هذا يجب ألا يهم كما أعتقد" .
يقول الأميرال : " رننيك لايتلي "* فاز بأربع نقاط مقابل نقطة واحدة في دبلن "
يغمز زوجته .
يقول الرجل الآخر : " سأراهن بخمس نقاط مقابل واحدة إذا راهنت " .
تقطع النساء أرغفة العشاء , تدهنها بالزبدة و تضع السكاكين على جانب صحون الزبدة . يثبت الرجال أعينهم على المدخل.
تقول المرأة التي تزين شعرها بشريطة قماشية موشاة : " أحب نسيج أغطية الطاولات " .
تأخذ منديلها تفتحه ثم تطويه مرة أخرى .
تقول المرأة الأخرى مبتسمة : " أنت تريدين هذا كل عام يا جوزفين ".
يأتي العشاء . طلبوا الليلة سرطانات البحر , الهليون , شرائح لحم البقر و النبيذ الأبيض .
تقول المرأة التي تزين شعرها بشريطة قماشية موشاة وهي تنظر إلى زوجها :
" كيف هو صحنك ؟"
- زيادة قليلة في البهارات كالأسبوع الماضي .
- وأنت أيها الأميرال كيف شرائحك؟
يقول الأميرال بسعادة : " لم يقلبوا أبداً جانباً من الشرائح "
يقول الرجل الآخر : ألم تلاحظ أنك ذهبت كثيراً إلى مخزن اللحوم .
لم تنقص كيلوغراماً واحداً منذ العام الماضي أو ربما الأعوام العشرة الأخيرة .
يقول الأميرال غامزاً زوجته : " ربما لا تستطيع أن تلاحظ , بيد أنها تستطيع " .
تقول زوجة الأميرال : " يمكن أن أكون مخطئة , لكن يبدو أن الغرف أكثر تعرضاً للهواء البارد هذا العام ".
يهز الآخرون رؤوسهم و يتابعون تناول سرطانات البحر و شرائح لحم البقر . تتابع كلامها :
" دائماً أ،انام بشكل أفضل في الغرف الدافئة لكن إذا كانت معرضة للهواء البارد أستيقظ مصابة بالسعال ".
تقول المرأة الأخرى : " ضعي الغطاء فوق رأسك " .
تقول زوجة الأميرال: نعم, لكنها تبدو محتارة.
تكرر المرأة الأخرى : " ضعي رأسك تحت الشرشف عندئذ لايزعجك الهواء البارد . يحدث لي طوال الوقت في كريدلوالد .
ثمة نافذة قرب سريري . أستطيع أن أتركها مفتوحة إذا غطيت أنفي . وهذا يترك الهواء البارد في الخارج " .
تتحلحل المرأة التي تزين شعرها بشريطة موشاة على كرسيها , تنزل ساقاً عن أخرى تحت الطاولة .
تأتي القهوة . يذهب الرجلان إلى غرفة التدخين و المرأتان إلى الأراجيح على السطح الكبير في الخارج.
يسأل الأميرال: " كيف حال المشاريع منذ العام الماضي ؟
يقول الرجل الآخر و هو يحتسي البراندي : " لا تستطيع أن تشكو " .
" و الأولاد ؟"
" كبروا عاماً"
في الرواق , تتأرجح المرأتان وتنظران في الليل . و يحدث الشئ نفسه في كل فندق ومنزل و بلدة ,
ذلك أن الزمن يمر لكن لايحدث سوى القليل في هذا العالم .
و تماماً كما يحدث القليل من عام لآخر يحدث القليل من شهر لآخر و من يوم لآخر .
و إذا كان الزمن و مرور الأحداث هما الشيء نفسه فهذا يعني أن الزمن لا يكاد يمر مطلقاً .
و إذا لم يكن الزمن و مرور الأحداث هما الشيء نفسه , فهذا يعني أن البشر هم الذين لايكادون يتحركون .
إذا لم يمتلك المرء طموحات في هذا العالم فإنه يعاني دون أن يعرف .
و إذا امتلك المرء طموحات فإنه يعاني و هو يعرف , و لكن ببطء شديد.
__________________________
* رننيك لايتلي : اسم حصان |
|
 |
|
 |
|
|
|
30-08-2005, 02:58 PM
|
رقم المشاركة : 10
|
( ود نشِـط )
|
|
|
|
|