تعال وناظر جروحي |
29-08-2005 01:39 PM |
 |
|
 |
|
إنه صباح بارد من صباحات تشرين الثاني . سقطت الثلوج الأولى .
يقف رجل يرتدي معطفاً جلدياً على شرفة طابقه الرابع
في شارع كرام المطلة على نافورة " تسيرغنا" وعلى الشارع الأبيض
في الأسفل . يستطيع المرء أن يرى في جهة الشرق الأبيض في الأسفل .
يستطيع المرء أن يرى في جهة الشرق الصومعة الهشة
لكاتدرائية القديس فنسنت , و في جهة الغرب سقف برج " تسوتغلوكاتورم"
لكن الرجل لا ينظر شرقاً أو غرباً , بل يحدق نحو الأسفل
إلى قبعة حمراء صغيرة متروكة في الثلج و يفكر: أعليه أن يذهب إلى منزل
المرأة في " فرايبورغ" ؟ تمسك يداه الدرابزون المعدني
وتفلتانه ثم تمسكانه ثانية ؟ هل يجب أن يزورها ؟ أيجب أن يزورها؟
يقرر ألا يشاهدها مرة أخرى . إنها لعوب و ظنون و بوسعها
أن تجعل حياته بائسة . ربما لن تكون مهتمة به على أية حال .
و هكذا يقرر ألا يراها ثانية و ينصرف إلى مصادقة الرجال .
يعمل بجد في مجال الأدوية حيث نادرا ما يلاحظ وجود مساعدة المدير.
يذهب إلى صالة احتساء البيرة في شارع خوكر في أوقات المساء
مع أصدقائه و يشرب البيرة , يتعلم صنع الفونديو*,
ثم يلتقي بعد ثلاثة سنوات بامرأة أخرى في محل لبيع الألبسة في نيوشاتل .
إنها ظريفة . تمارس معه الحب ببطء شديد طوال شهور.
بعد عام تأتي لتعيش معه في " بيرن". يعيشان حياة هادئة ,
يتنزهان على طول نهر " آري " يصادقان بعضهما , يشيخان راضيين .
في العالم الثاني يقرر الرجل الذي يرتدي معطفاً جلدياً أنه يجب
أن يشاهد امرأة " فرايبورغ" مرة أخرى . لايكاد يعرفها ,
يمكن أن تكون لعوب و متقلبة . لكن تلك الطريقة التي يصبح
فيها وجهها ناعماً حين تبتسم , تلك الضحكة ,ذلك الاستخدام الذكي للكلمات ,
نعم , يجب أن يشاهدها مرة ثانية .يذهب إلى منزلها في فرايبورغ ,
يجلس معها على الأريكة ,يشعر بعد لحظات أن قلبه يخفق ,
يضعف من مشهد بياض ذراعيها. يمارسان الحب بصخب و شوق .
تقنعه بالانتقال إلى فرايبورغ . يترك علمه في " بيرن"
و يوظف في مكتب فرايبورغ البريدي. يشتعل حباً بها .
يجيئ إلى المنزل ظهراٌ كل يوم .يأكلان , يمارسان الحب, يتجادلان ,
تشكو أنها تريد مزيداً من النقود , يتوسل إليها , تقذفه بالآنية ,
يمارسان الجنس مرة أخرى ,يعود إلى مكتب البريد .
تهدد بأنها ستتركه لكنها لاتفعل ذلك . يعيش من أجلها و هو سعيد بكمده.
في العالم الثالث يقرر أيضاً أنه يجب أن يشاهدها مرة أخرى .
لايكاد يعرفها , يمكن أن تكون لعوب و متقلبة . لكن تلك الابتسامة ,
تلك الضحكة , ذلك الذكاء في في استخدام الكلمات . نعم ,
يجب أن يشاهدها مرة ثانية . يذهب إلى منزلها في " فرايبورغ" ,
يلتقي بها عند الباب , يتناول معها الشاي حول طاولة المطبخ .
يتحدثان عن عملها في المكتبة و عن عمله في مجال الأدوية .
تقول بعد ساعة إنها يجب أن تغادر لتساعد صديقا , تودعه , يتصافحان .
يسافر قاطعاً مسافة الثلاثين كليومتراً إلى بيرن, يشعر بالفراغ
أثناء ركوب القطار إلى منزله , يصعد إلى شقته في الطابق الرابع
ويحدق نحو الأسفل , إلى القبعة الحمراء المتروكة في الثلج.
إن سلاسل الأحداث الثلاثة هذه تحدث بالفعل متزامنة .
ذلك أن الزمن يمتلك ثلاثة أبعاد في هذا العالم مثل المكان .
تماماً كما يمكن أن يتحرك شيء في ثلاث جهات عمودية تتواشج
مع الأفقي و العمودي و الطولي و هكذا يمكن أن يشارك الشيء
في ثلاثة مستقبلات عمودية . يتحرك كل مستقبل في جهة مختلفة من الزمن ,
و كل من هذه المستقبلات حقيقي . و حين يصل الرجل إلى حافة
أي قرار لزيارة المرأة التي في فرايبورغ أو لشراء معطف جديد ,
ينقسم العالم إلى ثلاثة عوالم كل منها يحتوي البشر نفسهم
و لكن بأقدار مختلفة لأولئك البشر .
مع مرور الزمن ثمة عدد لانهائي من العوالم.
يستخف البعض بالقرارات مجادلين أن جميع القرارات الممكنة ستُتخذ .
في عالم كهذا , كيف يستطيع المرء أن يكون مسؤولاً عن أفعاله ؟
يعتقد آخرون أن كل قرار يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار
و يُلتزم به و أنه بدون التزام يحل العماء .
إن بشراً كهؤلاء يرضون أن يعيشوا في عوالم متناقضة
طالما أنهم يعرفون سبب كل منها .
__________________________
* الفونديو fondue :لون من الطعام السويسري يصنع من الجبن الذائب
في النبيذ الأبيض و ينقع فيه فتات الخبز - المغني الأكبر |
|
 |
|
 |
|