العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام الثقافية والأدبية ]:::::+ > الإبداعات الأدبية
موضوع مغلق
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-09-2005, 05:52 PM   رقم المشاركة : 11
تعال وناظر جروحي
( ود نشِـط )
 
الصورة الرمزية تعال وناظر جروحي
 





تعال وناظر جروحي غير متصل



9 أيار 1905



سينتهي العالم في 26 أيلول 1907 . الجميع يعرفون هذا . و ما يجري في بيرن يجري في جميع المدن و البلدات .

قبل عام من النهاية تغلق المدارس أبوابها . لماذا الدراسة من أجل المستقبل حين يكون المستقبل قصيراً؟

يلعب الأطفال لعبة الغميضة في أروقة شارع كرام مسرورين من انتهاء الدروس إلى الأبد .

يركضون في أرستراس و يرمون أحجاراً في النهر و يصرفون نقودهم لشراء النعناع المفلفل و عرق السوس .

يسمح لهم أولياء أمورهم أن يفعلوا أي شيء يرغبون به .

قبل شهر من النهاية تتوقف المشاريع . يوقف مجلس الشعب إجراءاته .

يصمت بناء التلغراف الفيدرالي في شارع شبايشا و أيضا معمل الساعات في " لوبنستراسي" و الطاحونة التي وراء جسر نيديك .

ما الحاجة إلى التجارة و الصناعة حين لا يبقى سوى القليل من الزمن ؟

يجلس البشر في المقاهي الرصيفية التي في شارع أمتهاوس , يحتسون القهوة ويتحدثون بارتياح عن حيواتهم . التحرر يملأ الجو .

في هذه اللحظة تتحدث امرأة عيناها بنيتان مع أمها حول الوقت القصير الذي أمضياه مع بعضهما حين كانت الأم تعمل خياطة .

تخطط الأم و ابنتها للقيام برحلة إلى " لوسيرن " . سوف يصلحان حياتين فيما تبقى من وقت .

على طاولة أخرى يخبر رجل صديقه عن مشرف مكروه غالباً ما مارس الجنس مع زوجته بعد ساعات العمل

في غرفة الملابس التابعة للمكتب و هدد بتسريحه إذا سبب هو أو زوجته أية مشكلة . لكن ما الذي يخيف الآن ؟

رتب الرجل أموره مع المشرف و تصالح مع زوجته , وبعد أن ارتاح من ذلك مدد رجليه و طاف بعينيه فوق جبال الألب.

في المخبز الذي يقع في " السوق" يضع الخباز ذو الإصبع السميكة العجين في الفرن و يغني. في هذه الأيام يطلب الناس خبزهم بتهذيب .

يبتسمون و يدفعون بسرعة لأن النقود تفقد قيمتها .يثرثرون حول نزهات تمت في فرايبورغ ,

عن وقت قضوه في الاصغاء إلى قصص أولادهم , عن نزهات طويلة في منتصف بعد الظهر .

لا يبدو أنهم يكترثون بأن العالم سينتهي حالاً لأن الجميع يتقاسمون القدر نفسه . إن عالماً سينتهي بعد شهر هو عالم مساواة.

قبل يوم واحد من النهاية , تضج الشوارع بالضحك. الجيران الذين لم يتحدثوا أبداً مع بعضهم يتبادلون التحية كأصدقاء ,

يتعرون و يستحمون في النافورة . آخرون يغوصون في نهر آري ,

و بعد أن يسبحوا إلى حد الإعياء يستلقون على العشب الكثيف على طول النهر و يقرأون الشعر .

محام و موظف بريد لم يلتقيا أبداً من قبل, يشبكان ذراعيهما و يسيران عبر بوتانشرغارتن ,

يبتسمان لنبات قرن الغزال و نبات النجمية و يناقشان الفن و اللون . ماذا تعني محطاتهما الماضية ؟ في عالمٍ سينتهي بعد يوم واحد هما متساويان .

في ظلال شارع جانبي بعيد عن نهر آري , يستند رجل و امرأة إلى حائط , يشربان البيرة و يأكلان لحم البقر المجفف. فيما بعد ,

ستأخذه إلى شقتها . إنها متزوجة من شخص آخر لكنها أرادت هذا الرجل طوال سنوات وسوف تلبي رغباتها في هذا اليوم الأخير من نهاية العالم .

تعدو بعض الأرواح في الشوارع و تقوم بأفعال خيرة لتصحح أفعالها الشريرة التي ارتكبتها في الماضي . و كانت ابتساماتها هي الابتسامات الوحيدة الشاذة .

قبل دقيقة من نهاية العالم يجتمع الجميع على أراضي متحف كنسنت . يشكل الرجال والنساء و الأولاد دائرة عملاقة و يمسكون أيدي بعضهم .

لايتحرك أو يتحدث أحد . يخيم صمت مطبق بحيث يستطيع كل شخص أن يسمع نبض قلب الذي يقف على يمينه أو يساره .

هذه هي الدقيقة الأخيرة في حياة العالم . في الصمت المطلق تلتقط نبتة كف ذئب أرجوانية الضوء على الجانب الأسفل من أزهارها ,

تتوهج للحظة ثم تتلاشى بين الأزهار الأخرى . خلف المتحف ترتجف الأوراق الإبرية للشربين بنعومة حين يتحرك النسيم عبر الأشجار .

و بعيداً إلى الخلف , عبر الغابة , يعكس نهر آري ضوء الشمس , يلتوي الضوء مع كل تجعيدة في سطحه . إلى الشرق ,

ينهض برج كاتدرائية القديس فنسنت أحمر وهشاً , بناؤه الحجري رقيق كشرايين ورقة .

وفي الأعلى تبدو جبال الألب المكللة بالثلوج و التي تجمع بين الأبيض و الأرجواني ضخمة و صامتة . تطوف غيمة في السماء . لا أحد يتحدث .

يبدو في الثواني الأخيرة و كأن الجميع قفزوا عن قمة توباز ممسكين بأيدي بعضهم . تقترب النهاية كأرض مقتربة . يهب الهواء البارد ,

تفقد الأجسام أوزانها . يتثاءب الأفق الصامت أميالاً . وفي الأسفل , يندفع غطاء الثلج الشاسع مقترباً ليغطي تلك الدائرة من اللون القرنفلي و الحياة .


يتبـــــــــــــع <<<<<<<<<<<<
<<<<






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

قديم 04-09-2005, 05:56 PM   رقم المشاركة : 12
تعال وناظر جروحي
( ود نشِـط )
 
الصورة الرمزية تعال وناظر جروحي
 





تعال وناظر جروحي غير متصل



10 أيار 1905



الوقت أواخر بعد الظهر . تعشش الشمس لحظة قصيرة في تجويف جبال الألب الثلجي .

تندفع أشعة الضوء المائلة و الطويلة من الجبال عابرة بحيرة هادئة و ترمي ظلالها على بلدة تقع في الأسفل .

تتألف البلدة من قطعة واحدة و قطع كثيرة . تشكل أشجار التنوب و الشربين و صونوبر الآرولا حداً من جهة الشمال و الغرب ,

بينما توجد في الأعلى الزنابق , كف الذئب و حشيشة الأسد الألبية .

في المراعي التي قرب البلدة يرعى القطيع من أجل صناعة الزبدة و الجبنة و الشوكولاتة .

تنتج طاحونة نسيج صغيرة الخيوط الحريرية و الشرائط و الملابس القطنية .

يرن جرس كنيسة . تملأ رائحة لحم البقر المجفف الشوارع والأزقة .

و تظهر نظرة متفحصة أنها مدينة من قطع كثيرة . تعيش إحدى الحارات في القرن الخامس عشر .

هنا , ينضم إلى المنازل المبنية من الحجر الخشن سلالم و شرفات خارجية , بينما تفغر الجملونات العليا أفواهها و تنفتح للريح .

تنمو الطحالب بين قطع أحجار السقوف المستقيمة , تظهر كنيسة بنوافذ بيضوية الشكل ,

إيوانات مرصوفة و مسقوفة و تصوينات غرانيتية . يمسك قسم آخر بالحاضر , برواقات مقنطرة تنتظم في كل جادة ,

درابزونات معدنية على الشرفات , واجهات مصنوعة من الحجر الرملي الناعم .

كل قسم من القرية مثبت إلى زمن مختلف .

في نهاية بعد الظهر , في هذه اللحظات القليلة بينما الشمس تعشش في التجويف الثلجي الألبي ,

يستطيع المرء أن يجلس قرب البحيرة و يتأمل نسيج الزمن . فرضياً , يمكن أن يكون الزمن ناعماً أو خشناً ,

شوكياً أو حريرياً , صلباً أو ليناً . لكن في هذا العالم . لكن في هذا العالم يحدث أن يكون نسيج الزمن لاصقاً.

تعلق مجموعة من البلدات في لحظة ما من التاريخ ولا تخرج . وهكذا أيضا يعلق الأفراد في نقطة ما من حياتهم ولا يتحررون .

في هذه اللحظة , يتحدث رجل في أحد المنازل التي تقع أسفل الجبل مع صديق . يتحدث عن أيام دراسته في الجمنازيو .

تتدلى شهادات الامتياز التي حصل عليها في الرياضيات و التاريخ على الجدران ,

تشغل ميدالياته الرياضية و غنائمه رفوف الكتب . هنا , على طاولة ,

توجد صورة له حين كان كابتن فريق التسييج يعانقه فيها شبان آخرون ذهبوا منذ ذلك الوقت إلى الجامعة

و أصبحوا مهندسين ومصرفيين و تزوجوا . وفي الخزانة توجد ثيابه التي تعود إلى عشرين عاماً, بلوزة التسييج ,

بنطال التويد الضيق على خصره الان . الصديق الذي كان يحاول طوال أعوام أن يعرف الرجل على أشخاص آخرين

يهز رأسه بكياسة و يصارع بصمت ليتنفس في الغرفة الصغيرة .

في منزل آخر يجلس رجل إلى طاولته وحيداً و هي مجهزة لاثنين ,

منذ عشرة أعوام جلس هنا مقابل والده ولم يقدر أن يقول إنه يحبه , بحث خلال أعوام طفولته على لحظة صلة ,

تذكر المساءات التي جلس فيها ذلك الرجل الصامت مع كتابه , كان غير قادر أن يقول إنه أحبه , لم يقدر أن يقول إنه أحبه .

يوجد على الطاولة صحنان , كأسان , شوكتان , كما كان الأمر في تلك الليلة الماضية . يبدأ الرجل تناول الطعام ,

لايستطيع أن يأكل , يبكي غير قادر أن يسيطر على نفسه . لم يقل أبداً إنه أحبه .

في منزل آخر تنظر امرأة بولع إلى صورة ولدها الشاب المبتسم و المتألق . تكتب له رسالة إلى عنوان طويل مضلل ,

تتخيل الرسائل السعيدة التي ستتلقاها . حين يقرع ابنها الباب , لاتفتحه .

حين يأتي ولدها بوجهه اللاهث وعينيه الزجاجيتين إلى نافذتها و يطلب النقود لا تسمعه .

حين يترك لها ولدها ذو المشية المتعثرة رسائل متوسلاً أن يشاهدها ترمي الرسائل دون أن تفتحها .

حين يقف ولدها في الليل خارج منزلها تنام باكراً. في الصباح تنظر إلى صورته ,

تكتب رسائل عبادة إلى عنوان مضلل طويل.

تشاهد عانس وجه الشاب الذي أحبها في مرآة غرفة نومها , على سقف المخبز , على سطح البحيرة , في السماء.

إن مأساة هذا العالم هي أنه لا يوجد أي شخص سعيد سواه أكان عالقاً في زمن ألم أو متعة .

إن مأساة هذا العالم هي أن كل شخص هو وحيد لأن حياة في الماضي لايمكن أن تعاش في الحاضر ,

إن كل شخص يعلق في الزمن يعلق وحيداً
.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

قديم 04-09-2005, 05:59 PM   رقم المشاركة : 13
تعال وناظر جروحي
( ود نشِـط )
 
الصورة الرمزية تعال وناظر جروحي
 





تعال وناظر جروحي غير متصل



11 أيار 1905



حين يسير المرء في السوق يرى منظراً عجباً : الكرز الذي في أكشاك بيع الفاكهة مرتب في صفوف ,

القبعات التي في المتجر مجموعة بأناقة , الأزهار التي على الشرفات كرتبة في تناسق تام . لا فتات على أرض المخبز ,

لا حليب مسفوحاً على أرضية بيت المؤن . لا شئ خارج موضعه .

حين تنتهي حفلة مرحة في مطعم تصبح الطاولات أكثر ترتيباً مما كانت عليه . حين تهب ريح خفيفة عبر الشارع ,

يكنس الشارع . و يصبح نظيفاً و تنقل الأوساخ و الغبار إلى حافة البلدة . حين تتكسر أمواج على الشاطئ ,

يعيد الشاطئ بناء نفسه . حين تسقط الأوراق عن الأشجار , تصطف الأوراق كالطيور في تشكيل كحرف
v .
حين تشكل الغيوم وجوهاً , تبقى الوجوه . حين ينفث غليون الدخان في غرفة يندفع السخام نحو زاوية الغرفة

تاركاً جواً خالياً. تصبح الشرفات المطلية المعرضة للريح و المطر أكثر تألقاً مع مرور الزمن .

يجعل صوت الرعد أصيصاً مكسوراً يعيد تكوين نفسه ,

يجعل الشظايا المحطمة تقفز إلى أماكنها المحددة حيث تتلاءم و تلتحم .

يزداد الأريج الفواح لعربة قرفة عابرة و لا يتلاشى مع مرور الزمن .

هل تبدو هذه الحوادث غريبة؟

يسبب مرور الزمن في هذا العالم نظاماً متزايداً . النظام هو قانون الطبيعة , الميل العالمي, الجهة الكونية .

إذا كان الزمن سهماً, يشير السهم نحو النظام . المستقبل نموذج ,

منظمة , اتحاد , توتير, الماضي عشوائية , فوضى , تحلل , تلاشٍ.

يرى الفلاسفة أنه بدون اتجاه نحو النظام يفقد الزمن معناه . يصبح الزمن غير قابل للتمييز عن الماضي .

يصير تعاقب الأحداث مشاهد عشوائية من ألف رواية .

سيصبح التاريخ غير قابل للتمييز مثل الضباب الذي نجمعه ببطء قمم الأشجار في المساء.

في عالم كهذا يستلقي البشر الذين يعيشون في منازل غير مرتبة في أسرتهم

و ينتظرون أن تنفض قوى الطبيعة الغبار عن نوافذهم و ترتب الأحذية في خزائنهم .

البشر الذين يعيشون علاقات غير منظمة يمكن أن يقوموا بنزهات بينما تصبح تقاويمهم منظمة ,

مواعيدهم مرتبة و أرصدتهم متوازنة . يمكن أن توضع الفرشاة ,

و أحمر الشفاه و الرسائل في المحفظات بإهمال مع وجود قناعة أنها سترتب نفسها آلياً .

ولن تحتاج الحدائق إلى أن تشذب و الأعشاب إلى أن تستأصل . تصبح المكاتب أنيقة في نهاية اليوم .

الثياب التي على الأرض في المساء تتوضع على الكراسي في الصباح . الجرابات المفقودة تعاود الظهور .

إذا زار المرء مدينة في الربيع يرى منظراً عجباً آخر .

ذلك أن البشر يمرضون في الربيع من نظام حياتهم .يدمر البشر في الربيع منازلهم بغضب ,

يتحركون بين الأوساخ ,يحطمون الكراسي , يكسرون النوافذ .

في شارع أربر أو أية جادة سكنية يسمع المرء في الربيع أصوات الزجاج المحطم و الصراخ و العويل و الضحك .

في الربيع يلتقي البشر في أوقات غير منظمة , يحرقون كتب مواعيدهم , يقذفون ساعات يدهم بعيداً,

يشربون طوال الليل. يستمر هذا الوضع الهستيري إلى الصيف حين يستعيد البشر أحاسيسهم و يعودون إلى النظام .







التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

قديم 04-09-2005, 06:02 PM   رقم المشاركة : 14
تعال وناظر جروحي
( ود نشِـط )
 
الصورة الرمزية تعال وناظر جروحي
 





تعال وناظر جروحي غير متصل



14 أيار 1905



ثمة مكان يتوقف فيه الزمن . تتدلى قطرات المطر دون حراك في الجو . تتجمد رقاصات الساعات في منتصف التأرجح .

ترفع الكلاب خطومها في عواء صامت .

يتجمد العابرون في الشوارع الغبارية و أرجلهم مرفوعة نحو الأعلى كأنها مشدودة بخيوط .

تعلق روائح البلح و المانغا و الكزبرة و الكمون في الفضاء .

حين يقترب مسافر إلى هذا المكان من أيه جهة , يتحرك ببطء متزايد . يزداد تباعد دقات قلبه ,

يضعف نفسه , تنخفض حرارته , تبهت أفكاره إلى أن يصل إلى حالة الموت ويتوقف . ذلك أن هذا هو مركز الزمن .

من هذا المكان يتحرك الزمن نحو الخارج في دوائر متحدة , المركز يكون مستقراً في المركز ,

يجمع السرعة ببطء في أقطار دوائر أكبر . من الذي سيحج إلى مركز الزمن ؟ الآباء و الأمهات مع أولادهم و العشاق .

و هكذا , في المكان الذي يتوقف فيه الزمن ,

يرى المرء الآباء و الأمهات يتشبثون بأولادهم في عناق متجمد لن يتحرر أبداً.

لن تتوقف الإبنة الشابة الجميلة ذات العينين الزرقاوين و الشعر الأشقر عن تلك الابتسامة التي تبتسمها ,

لن تفقد توهج خديها القرنفلي الناعم , لن تنالها التجاعيد أو التعب , لن تصاب بالأذى , لن تنسى ما علمها والداها ,

لن تعرف الشر أبداً , لن تقول لوالديها أبداً إنها لا تحبهما , لن تغادر غرفتها المطلة على البحر ,

لن تتوقف أبداً عن لمس والديها كما تفعل الآن.

و في المكان الذي يتوقف فيه الزمن يشاهد المرء العشاق يتبادلون القبل في ظلال المباني في عناقات متجمدة لن تنفك أبداً.

لن يزيح المعشوق ذراعيه عن موقعهما لن يعيد سوار الذكريات , لن يسافر بعيداً عن معشوقته ,

لن يخاطر بنفسه في التضحية الذاتية , لن يفشل في إظهار حبه ,

لن يغادر أبداً, لن يقع في حب امرأة أخرى , لن يفقد أبداً هوى هذه اللحظة في الزمن .

يجب أن يلاحظ المرء أن تلك التماثيل مضاءة بأضعف لون أحمر لأن الضوء تلاشى في مركز الزمن

و تحولت ذبذباته إلى أصداء في الأودية الواسعة و صغر توتره حتى أصبح مثل التوهج الباهت للحباحب .

أولئك الذين ليسوا هادئين في مركز الزمن يتحركون فعلاً لكن بخطوات متجمدة .

يمكن أن يستغرق تمشيط الشعر عاماً , يمكن أن تستغرق قبلة ألف عام.

و في الوقت الذي تعاد فيه ابتسامة تمر الفصول في العالم الخارجي . و في الوقت الذي يضم فيه طفل تُبنى جسور.

و في الوقت الذي يقال فيه وداعاً تتفتت مدن و تُنسى .

و أولئك الذين يعودون إلى العالم الخارجي ..

ينمو الأطفال بسرعة , ينسون عناق آبائهم و أمهاتهم الذي استمر قروناً و الذي ,

بالنسبة إليهم , استمر بضع ثوان فقط . الأطفال الذين يصبحون راشدين ,

يعيشون بعيداً عن أمهاتهم و آبائهم في منازلهم الخاصة , يتعلمون طرقاً خاصة بهم , يعانون من الألم , يشيخون .

يلعن الأطفال آبائهم و أمهاتهم لأنهم يحاولون الاحتفاظ بهم إلى الأبد ,

يلعنون الزمن بسبب تجاعيد جلدهم و أصواتهم الأجشة .

هؤلاء الذين أصبحوا أطفالاً شائخين يريدون أن يوقفوا الزمن لكن في زمن آخر .

يريدون أن يجمدوا أبناءهم في مركز الزمن .

العشاق الذين يعودون يجدون أن أصدقاءهم رحلوا منذ وقت طويل . في النهاية , انتهت فترات الحيوات .

يتحركون في عالم لا يعرفون , العشاق الذين عادوا ما يزالون يتعانقون في ظلال الأبنية

إلا أن عناقاتهم تبدو الآن فارغة ووحيدة . حالاً ينسون الوعود التي عمرها قرون

و التي بالنسبة لهم استمرت بضع ثوان فقط , حتى بين الغرباء يتبادلون كلمات نابية , يفقدون الهوى ,

ينفصلون , يشيخون , و يصبحون وحيدين في عالمٍ لا يعرفونه .

يقول البعض من الأفضل عدم الاقتراب من مركز الزمن .

الحياة قارب حزن إلا أنه من النبل أن يعيش المرء الحياة و لكن بدون الزمن لا توجد حياة .

لا يوافق آخرون . سيفضلون أبدية من القناعة حتى و لو كانت متوقفة متجمدة , كفراشة حبيسة في علبة .







التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

قديم 04-09-2005, 06:06 PM   رقم المشاركة : 15
تعال وناظر جروحي
( ود نشِـط )
 
الصورة الرمزية تعال وناظر جروحي
 





تعال وناظر جروحي غير متصل



15 أيار 1905



تخيل عالماً يخلو من الزمن , ليس فيه إلا الصور .

طفلة على الشاطئ , مسحورة من رؤيتها الأولى للمحيط . امرأة واقفة على الشرفة فجراً شعرها المنسدل ,

ثياب نومها الفضفاضة , شفتاها . القوس المحنية للرواق المقنطر قرب نافورة تسيرغنا في شارع كرام ,

الحجر الرملي و الحديد . يجلس رجل في مكتبه الهادئ حاملاً صورة امرأة و ثمة نظرة استياء على وجهه .

عقاب مؤطر في السماء باسط جناحيه , أشعة الشمس تتغلغل في ريشه .

يجلس فتى يافع في صالة فارغة يخفق قلبه كأنه على خشبه المسرح . آثار أقدام على الثلج في جزيرة شتائية .

قارب على المياه في الليل تبدو أضواءه باهتة في المسافة كمثل نجمة صغيرة حمراء في السماء السوداء .

خزانة أدوية مغلقة . امرأة تلبد في الدغل , تنتظر قرب منزل زوجها اللامبالي الذي يجب أن تتحدث إليه .

مطر خفيف في يوم ربيعي أثناء نزهة هي النزهة الأخيرة التي يقوم بها شاب في المكان الذي يحبه .

غبار على أسكفة نافذة . طاولة تعرض فليفلة صفراء و خضراء و حمراء .
.
قطة تراقب خنفساء على النافذة .فتاة شابة على مقعد , تقرأ رسالة , دموع الفرح في عينيها الخضراوين .

حقل كبير مخطط بأشجار و الأرز و التنوب . ضوء الشمس الداخل في زوايا طويلة

من خلال النافذة في نهاية بعد الظهر .زجاجة محطمة على الأرض , سائل بني في الصدوع ,

امرأة عيناها حمراوان . عجوز في المطبخ يعد الفطور لحفيده , الطفل يحدق عبر النافذة الى مقعد مطلي باللون الأبيض .

كتاب مهترئ على طاولة قرب مصباح باهت . البياض على المياه كموجة تتلاشى تعصف بها الريح .

امرأة تستلقي على أريكتها , شعرها مبلل , تمسك يد رجل لن تراه مرة ثانية أبداً, قطار عرباته حمراء

على جسر حجري كبير أقواسه بارعة الجمال , نهر في الأسفل , نقاط صغيرة في منازل بعيدة ,

ذرات الغبار تعوم في ضوء الشمس خلال نافذة , الجلد الرقيق في منتصف عنق , رقيق بما يكفي لرؤية نبض الدم .

رجل و امرأة عاريان يغطيان بعضهما , الظلال الزرقاء للأشجار تحت البدر , قمة جمبل و ريح قوية منتظمة ,

يتراءى الوادي في جميع الجهات , سندويتشات لحم بقر و جبنة , طفل ينقز من صفعة والده ,

شفتا الأب ملويتان من الغضب , الطفل لا يفهم , وجه غريب في المرآة شائب عند الصدغين .

شاب يحمل هاتفاً منذهل مما يسمع , صورة عائلة , الأب و الأم شابان و مسترخيان ,

الأولاد يرتدون ربطات العنق و الفساتين و يبتسمون . ضوء بعيد باهت يبدو من خلال أجمة أشجار ,

اللون الأحمر عند الغروب , قشرة بيضة , هشة, غير محطمة , قبعة زرقاء مغسولة على الشاطئ .

ورود مقطوعة طافية في النهر تحت الجسر و جوسق يرتفع . شعر أحمر لعاشقة , وحشي , شرير وواعد .

امرأة شابة تحمل تويجات أرجوانية . غرفة من أربعة جدران و نافذتين و سريرين و طاولة

و مصباح و شخصين بوجهين حمراوين و دموع . القبلة الأولى , كواكب عالقة في الفضاء ,

محيطات , صمت , قطرة ماء على النافذة , حبل ملتف , فرشاة صفراء .







التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

قديم 04-09-2005, 06:11 PM   رقم المشاركة : 16
تعال وناظر جروحي
( ود نشِـط )
 
الصورة الرمزية تعال وناظر جروحي
 





تعال وناظر جروحي غير متصل


20 أيار 1905



إن نظرة إلى الأكشاك المزدحمة في " شارع شبيتال" تروي القصة .

يسير البقالون بتردد من كشك إلى آخر ليكتشفوا مااذا يبيع كل كشك . هنا يوجد تبغ , لكن أين بذور الخردل ؟

هنا يوجد شوندر سكري لكن أين سمك البقلاي ؟ هنا حليب الماعز لكن أين الساسفراس ؟

ليس هؤلاء سواحاً في زيارتهم الأولى لبرن . إنهم مواطنو " بيرن " .

لا أحد يتذكر أنه اشترى منذ يومين شوكولاته من حانوت يدعى " فرديناندز " أو لحم بقر من محل " هوف "

للمواد الغذائية . يجب أن يعثر على كل حانوت و ما يختص به من جديد .

يسير كثيرون وفق الخرائط التي ترشدهم من رواق مقنطر إلى آخر في المدينة التي عاشوا فيها طوال حياتهم ,

في الشارع الذي تنقلوا فيه طوال أعوام . يسير كثيرون حاملين الدفاتر ليسجلوا ما تعلموه بينما يمكث لوهلة في رؤوسهم .

ذلك أن البشر في هذا العالم بلا ذاكرات .

حين يحين وقت العودة إلى المنزل في نهاية اليوم يستشير كل شخص كتاب عناوينه ليعرف أين يعيش .

يكتشف اللحام الذي قام بتقطيع غير جيد في اليوم الأول من عمله أن منزله يقع في شارع نيغال.

السمسار الذي أنتجت ذاكرته المحدودة عن السوق استثمارات ممتازة , يقرأ أنه يسكن في شارع بندس .

حين يصل كل رجل إلى منزله يجد امرأة و أطفالاً ينتظرون عند الباب , يعرف عن نفسه ,

يساعد في تحضير وجبة العشاء , يقرأ قصصاً لأطفاله . كذلك كل امرأة تعود من عملها تقابل زوجاً و أطفالاً

و خوانات و مصابيح و ورق جدران و نماذج من الآنية . في وقت متأخر من الليل لا يبقى الزوج و الزوجة

حول الطاولة ليناقشا أعمال اليوم , مدرسة أولادهما , رصيد البنك , بدلاً من ذلك , يبتسمان لبعضهما ,

يشعران بالدم الدافئ و بالألم بين الساقين كما كان يفعلان حين التقيا للمرة الأولى منذ خمسة عشر عاماً.

يعثران على غرفة نومهما , يتعثران و هما يعبران, صوراً عائلية لا يتعرفان عليها و يمضيان الليل في الشبق .

ذلك أن العادة والذاكرة تبلدان الهوى الجسدي . بدون ذاكرة , كل ليلة هي الليلة الأولى ,

كل صباح هو الصباح الأول , كل قبلة و لمسة تحدثان لأول مرة .

إن عالماً بدون ذاكرة هو عالم الحاضر . ينحصر وجود الماضي في الكتب و السجلات .

يحمل كل شخص كتاب الحياة الخاص به من أجل أن يعرف نفسه و هذا الكتاب مليء بتاريخ حياته .

يستطيع أن يتعرف على هوية والديه أو فيما إذا ولد غنياً أو فقيراً أو إذا كان جيداً أو سيئاً في المدرسة

أو إذا أنجز أي شيء في حياته , حين يقرأ صفحات الكتاب كل يوم . بدون كتاب الحياة ,

يصبح المرء صورة عابرة , صورة ببعدين , شبحاً . في المقاهي التي تقع تحت الأشجار المورقة في برونغاسهالدي

يسمع المرء صراخا أليماً لرجل قرأ لتوه أن قتل مرة رجلاً آخر و تنهيدة امرأة اكتشفت لتوها أن أميراً خطبها ,

تباهياً مفاجئاً من امرأة عرفت أنها حصلت على تشريفات عليا من جامعتها منذ عشرة أعوام .

يمضي البعض ساعات الغسق حول طاولاتهم و هم يقرؤون في كتب الحياة ,

آخرون يملأون بعصبية صفحاتها الإضافية بحوادث اليوم .

مع مرور الزمن تزداد سماكة كتاب الحياة الخاص بكل شخص بحيث لا تمكن قراءاته كله .

عندئذ يأتي خيار : الرجال و النساء الكبار في السن يمكن أن يقرأوا الصفحات الأولى ليتعرفون على أنفسهم كشباب ,

أو يمكن أن يقرأوا النهاية ليتعرفوا على أنفسهم في سنوات لاحقة .

توقف البعض عن القراءة . تخلوا عن الماضي . قرروا أنه لا يهم إذا كانوا أغنياء أم فقراء في الماضي ,

متعلمين أم جهلة , متكبرين أم متواضعين , عاشقين أم فارغي القلوب –

و لايهمهم أيضاً كيف تدخل الريح الخفيفة في شعرهم . ينطر بشر كهؤلاء إلى عينيك بشكل مباشر و يمسكون يدك بشدة .

يسير بشر كهؤلاء بالخطوة الواسعة الرشيقة لشبابهم . تعلم بشر كهؤلاء كيف يعيشون في عالم بلا ذاكرة .







التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

قديم 04-09-2005, 06:15 PM   رقم المشاركة : 17
تعال وناظر جروحي
( ود نشِـط )
 
الصورة الرمزية تعال وناظر جروحي
 





تعال وناظر جروحي غير متصل


22 أيار 1905



في الفجر , يطوف ضباب أصفر عبر المدينة يحمله نفس النهر . تنتظر الشمس وراء جسر " نيديك"

و تلقي أسنتها الحمراء الطويلة على طول " شارع كرام" مضيئة الأجزاء السفلية للشرفات

وصولاً إلى الساعة العملاقة التي تقيس الزمن . تندفع أصوات الصباح عبر الشوارع كرائحة الخبز .

تستيقظ طفلة و تبكي طالبة أمها . تصدر ظلة حانوت صريراً بهدوء عندما يصل البقال إلى حانوته في " السوق ".

تجار آلة في النهر , تتحدث امرأتان بهمس تحت رواق مقنطر .

و حين تذوب المدينة في الضباب و الليل يرى المرء مشهداً غريباً: هنا جسر قديم لم يكتمل بناؤه .

هناك منزل أزيل من أسسه , هنا شارع يتجه إلى الشرق دون سبب واضح , هناك يتوضع مصرف وسط سوق البقالة .

يصور زجاج كاتدرائية القديس فنسنت السفلي الملون مواضع دينية و ينتقل الجزء الأعلى فجأة

إلى صورة جبال الألب في الربيع . يسير رجل بخفة نحو " مجلس الشعب", يتوقف فجأة , يضغ يديه على رأسه ,

يصيح مهتاجاً, يستدير و يسرع في الجهة المعاكسة .

هذا عالم خطط متبدلة , فرص مفاجئة , رؤى غير متوقعة . ذلك أن الزمن يتدفق في هذا العالم

على صورة متقطعة لا مستوية و بالتالي يتلقى البشر لمحات متقطعة عن المستقبل .

حين تتلقى أم رؤية مفاجئة عن مكان سكن ولدها تنقل منزلها لتصبح قربه .

حين يرى بناء مكان التجارة المستقبلي يغير طريقه نحو ذلك الاتجاه .

حين تلمح طفلة نفسها لوهلة كبائعة أزهار تقرر عدم الذهاب إلى الجامعة .

حين يلتقي شاب رؤية عن المرأة التي سيتزوجها , ينتظرها .

حين يبصر محام نفسه في عباءة قاض في " زوريخ " يتخلى عن عمله في " بيرن " .

ما معنى متابعة الحاضر بعد أن يرى المرء المستقبل؟

إن هذا العالم هو عالم نجاح مضمون لأولئك الذين تلقوا رؤيتهم .

إن بعض المشاريع التي بدأت لا تقود إلى مهنة . بعض الرحلات التي تمت لا تقود إلى مدينة القدر ,

بعض الذين تمت مصادقتهم لن يصيروا أصدقاء في المستقبل . لقد صنعت بعض العواطف .

أما بالنسبة للذين لم يتلقوا رؤيتهم فهذا عالم تشويق غير فعال .

كيف يستطيع المرء أن يسجل في جامعة دون أن يعرف مهنته المستقبلية ؟

كيف يفتح المرء صيدلية في " السوق " حين سيكون محل مشابه أفضل في شارع " شبيتال" ؟

كيف تقدر امرأة أن تمارس الجنس مع رجل من المحتمل أن يخونها ؟ ينام بشر كهؤلاء معظم النهار و ينتظرون مجيء رؤيتهم .

و هكذا تقل المجازفات في هذا العالم المؤلف من مشاهد قصيرة , و أولئك الذين لم يشاهدوا المستقبل بعد ,

ينتظرون الرؤية دون أن يجازفوا.

بعض الذين شاهدوا المستقبل يفعلون ما بوسعهم ليفندوه . يذهب رجل ليعتني بحدائق المتحف

في " نيوشاتل" بعد أن رأى نفسه محامياً في " لوسيرن". ينطلق شاب في رحلة بحرية رائعة مع والده

بعد أن رأى أ، والده سيموت حالاً من أزمة قلبية .

تسمح شابة لنفسها أن تقع في الغرام مع رجل رغم رؤيتها بأنها ستتزوج رجلاً آخر .

يقف بشر كهؤلاء على شرفاتهم بعد الغروب و يصيحون أن المستقبل يمكن أن يُغير ,

أن آلاف المستقبلات ممكنة . مع مرور الزمن , يتعب حدائقي " نيوشاتل"

من أجوره المنخفضة و يصبح محامياً في " لوسيرن" . يموت الأب بسبب الأزمة القلبية

و يكره الإبن نفسه لأنه لم يجبر والده على البقاء في الفراش .

يهجر العشيق المرأة الشابة التي بدورها تتزوج رجلاً يمنحها العزلة والألم .

من الذي تجري أموره بشكل أفضل في عالم زمنه متقطع ؟ أولئك الذين شاهدوا المستقبل و يعيشون حياة واحدة ؟

أم أولئك الذين لم يروا المستقبل وينتظرون أن يعيشوا الحياة ؟ أم أولئك الذين ينكرون المستقبل و يعيشون حياتين ؟







التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

قديم 04-09-2005, 06:18 PM   رقم المشاركة : 18
تعال وناظر جروحي
( ود نشِـط )
 
الصورة الرمزية تعال وناظر جروحي
 





تعال وناظر جروحي غير متصل



29 أيار 1905




إن رجلاً أو امرأة يُدفعان فجأة إلى هذا العالم يجب أن ينحرفا عن المنازل و الأبنية .

ذلك أن كل شئ في حالة حركة . تندفع المنازل و الشقق الصاعدة على عجلات عبر ساحة " باهنوفبلاتز"

و تسرع عبر أزقة السوق بينما يصرخ ساكنوها من نوافذ الطوابق الثانية .

لا يبقى مكتب البريد في شارع " بوست" بل يطير عبر المدينة على سكة كالقطار .

ولا يبقى مجلس الشعب متوضعاً في شارع " بوندس". في كل مكان يجأر الجو و يزأر بصوت المحركات و السيارات .

حين يخرج شخص من بابه الخارجي عند شروق الشمس يندفع راكضاً ويلحق بمكتبه .

يسرع صاعداً وهابطاً الدرج يعمل على مكتب يندفع في دوائر و يعدو نحو المنزل في نهاية اليوم .

لا يجلس أحد تحت شجرة حاملاً كتاباً , لا يحدق أحد إلى التجعدات في بركة ,

لا يستلقي أحد على العشب الكثيف في الريف . لا أحد ثابتاً.

لماذا ثبات كهذا إبان السرعة ؟ لأن الزمن في هذا العالم يمر ببطء أكبر بالنسبة للبشر الذين في حالة حركة .

هكذا يتحرك الجميع بسرعة مرتفعة ليكسبوا الوقت .

لم يلاحظ تأثير السرعة إلى أن اخترع محرك الاحتراق الداخلي وبدأ النقل السريع .

أخذ السيد راندولف ويك من " سري" حماته إلى لندن بسرعة كبيرة في سيارته الجديدة في 8 أيلول 1889 .

وما أفرحه هو أنه وصل في نصف الوقت المتوقع قبل أن تبدأ المحادثة ,

قرر أن يفكر بالظاهرة . بعد أن نشرت أبحاثه لم يسافر أحد بعد ذلك ببطء .

بما أن الزمن نقود فإن الاعتبارات المالية وحدها تملي على كل مكتب سمسرة , كل مركز صناعي ,

كل حانوت أن ينتقل باستمرار بالسرعة الممكنة ليجني فوائد أكثر من منافسيه .

تزود أبنية كهذه بآلات عملاقة ولا ترتاح أبداً. تزأر محركاتها و محاور أذرعة

تدويرها بصخب أكثر من الأجهزة و البشر الذين يشغلونها .

كذلك , تباع المنازل ليس بسبب حجمها و تصميمها فحسب , بل أيضاً بسبب سرعتها .

لأنه كلما ازدادت سرعة انتقال المنزل كلما تباطأت حركة الساعات في الداخل و توفر لقاطنيه . و نظراً للسرعة ,

يستطيع شخص في منزل سريع ن يسبق جيرانه عدة دقائق في حين يمكن أن يكتسب الوقت القيم أو يخسر أثناء النوم .

في الليل تضاء الشوارع ولكي تتجنب المنازل العابرة الاصطدام الذي غالباً ما يكون مهلكاً.

في الليل يحلم البشر بالسرعة وبالشباب وبالفرصة . في عالم السرعة الكبيرة هذا أدركت إحدى الحقائق ببطء .

استناداً إلى التوتولوجيا المنطقية , التأثير الحركي نسبي كله ,

لأنه حين يمر شخصان في الشارع يرى كل منهما الآخر في حالة حركة تماماً

كما يرى امرؤ في قطار طيران الأشجار من خلال نافذته . بالتالي , حين يعبر شخصان في الشارع يرى كل منهما زمن الآخر يتباطأ .

يرى كل منهما الآخر يكتسب وقتاً . يسبب هذا التبادل الجنون .

و مما يزيد في الجنون أنه كلما أسرع المرء في تجاوز جار كلما ظهر الجار مسرعاً.

محبطين و قانطين , يتوقف البعض عن النظر من نوافذهم . إذا كانت الستائر مسدلة لا يعرفون أبداً نسبة سرعة حركتهم

و نسبة سرعة جيرانهم و منافسيهم . ينهضون في الصباح , يستحمون , يأكلون خبزاً و لحم خنزير , يشتغلون على مكاتبهم ,

يصغون الى الموسيقى , يتحدثون مع اطفالهم , يعيشون حيوات قناعة و رضاً.

يجادل البعض أن ساعة البرج العملاقة في شارع كرام هي وحدها التي تحتفظ بالزمن الصحيح , و هي وحدها ثابتة ,

يشير آخرون أنه حتى الساعة العملاقة هي في حالة حركة إذا نظر إليها من نهر آري أو من سحابة .






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

قديم 04-09-2005, 06:21 PM   رقم المشاركة : 19
تعال وناظر جروحي
( ود نشِـط )
 
الصورة الرمزية تعال وناظر جروحي
 





تعال وناظر جروحي غير متصل



فاصـــــــــــل



يجلس آينشتاين و بيسو ظهراً في مقهى رصيفي في شارع " أمتهاوس " بعد أن طلب " بيسو "

من صديقه مغادرة المكتب لاستنشاق بعض الهواء .

يقول بيسو : " لا تبدو على ما يرام "

يهز آينشتاين كتفيه مستاءً قليلاً . تمر الدقائق أو ربما الثواني فقط .

يقول آينشتاين : " أنا أحرز تقدماً"

يقول بيسو متفحصاً بذعر الدوائر السوداء , تحت عيني صديقه : " هذا واضح " .

من المحتمل أيضا آن آينشتاين توقف عن تناول الطعام مرة ثانية .

يذكر بيسو حين بدا تماماً كما يبدو آينشتاين الآن لكن لسبب آخر . شعر " بيسو "

الذي لم تكن علاقته مع والده جيدة أبداً بالأسى الشديد و بالذنب . عرقلت دراساته .

و فوجئ حين جاء به آينشتاين إلى منزله و اعتنى به شهراً كاملاُ.

يشاهد بيسو آينشتاين الآن و يرغب لو أنه يستطيع أن يساعده لكن آينشتاين لا يحتاج إلى مساعدة .

بالنسبة " لبيسو " آينشتاين لا يتألم . يبدو متناسياً لجسده و للعالم .

يقول آينشتاين مرة أخرى : " أنا أحرز تقدماً . أعتقد أن الأسرار ستنكشف .

هل شاهدت بحث لورينز الذي تركته على مكتبك ؟

- إنه سيء

نعم , سيء و مخصص لغرض معين و على الأرجح ليس صحيحاً . تخبرنا التجارب الكهرطيسية شيئاً ما أكثر أهمية .

يحك آينشتاين شاربه و يأكل بنهم البسكويت الرقيق الموجود على الطاولة .

يصمت الرجلان قليلاً . يضع " بيسو " أربعة مكعبات سكر في فنجان قهوته بينما يحدث آينشتاين

إلى جبال الألب البيرينية البعيدة جداً و التي لا تكاد ترى بسبب الضباب . و في الحقيقة ,

ينظر آينشتاين عبر جبال الألب إلى الفضاء . أحياناً تسبب له رؤية بعيدة كهذه صداعاً

و عندئذ يتوجب عليه أن يستلقي مغمض العينين على خوانه الملبس بقماش أخضر .

يقول له بيسو " تريدك " آنا" أن تأتي أنت و " ميليفا" إلى العشاء غداً , وبوسعكما إحضار الطفل اذا شئتما .

يهز آينشتاين رأسه .

يحتسي " بيسو " فنجان قهوة آخر , ينظر إلى امرأة تجلس إلى طاولة مجاورة و يثني قميصه .

شعره منفوش كشعر آينشتاين الذي كان هذه المرة يحدق إلى المجرات .

يقلق " بيسو " فعلاً على صديقه رغم أنه شاهده هكذا في الماضي . ربما سيلهيه العشاء .

يقول بيسو : " مساء السبت "

يقول آينشتاين بشكل غير متوقع : "أنا مشغول مساء السبت لكن ميليفا و هانز آلبرت يستطيعان المجيء"

يضحك بيسو و يقول : " مساء السبت في الثامنة " . إحتار لماذا تزوج صديقه .

آينشتاين نفسه لا يستطيع أن يشرح ذلك . أعترف مرة "لبيسو " أنه كان يأمل أن تقوم " ميليفا "

بالأعمال المنزلية على الأقل إلا أن المسألة لم تسر على هذا النحو .

بقي السرير دون ترتيب و الغسيل متسخاً و تكومت الصحون كما حدث من قبل . و لقد ازدادت المشاغل بعد ولادة الطفل .

يسأله بيسو : " ما رأيك بتطبيق راسموسين ؟

- الزجاجة النابذة

- نعم

يقول آينشتاين : " سيتذبذب العمود كثيراُ بحيث تنعدم فائدته , إلا أن الفكرة ذكية .

أعتقد أنه سيعمل بصعودٍ مرن يستطيع أن يعثر على محور دورانه الخاص"

يعرف بيسو ماذا يعني هذا الكلام . سيضع آينشتاين تصميماً جديداً و يرسله إلى "راسموسين"

دون أن يطلب أجراً أو اعترافاً وغالباً لايعرف متلقوا اقتراحات آينشتاين المحظوظون من الذي راجع طلبات اختراعاتهم .

لا يعني هذا أن آينشتاين لا يستمتع بالشهرة . منذ بضع سنوات ,

حين شاهد بحثه الأول منشوراً في مجلة الفيزياء السنوية قلد ديكاً خمس مرات بشكل كامل .






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:57 AM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية