04-09-2005, 05:52 PM
|
رقم المشاركة : 11
|
( ود نشِـط )
|
 |
|
 |
|
سينتهي العالم في 26 أيلول 1907 . الجميع يعرفون هذا . و ما يجري في بيرن يجري في جميع المدن و البلدات .
قبل عام من النهاية تغلق المدارس أبوابها . لماذا الدراسة من أجل المستقبل حين يكون المستقبل قصيراً؟
يلعب الأطفال لعبة الغميضة في أروقة شارع كرام مسرورين من انتهاء الدروس إلى الأبد .
يركضون في أرستراس و يرمون أحجاراً في النهر و يصرفون نقودهم لشراء النعناع المفلفل و عرق السوس .
يسمح لهم أولياء أمورهم أن يفعلوا أي شيء يرغبون به .
قبل شهر من النهاية تتوقف المشاريع . يوقف مجلس الشعب إجراءاته .
يصمت بناء التلغراف الفيدرالي في شارع شبايشا و أيضا معمل الساعات في " لوبنستراسي" و الطاحونة التي وراء جسر نيديك .
ما الحاجة إلى التجارة و الصناعة حين لا يبقى سوى القليل من الزمن ؟
يجلس البشر في المقاهي الرصيفية التي في شارع أمتهاوس , يحتسون القهوة ويتحدثون بارتياح عن حيواتهم . التحرر يملأ الجو .
في هذه اللحظة تتحدث امرأة عيناها بنيتان مع أمها حول الوقت القصير الذي أمضياه مع بعضهما حين كانت الأم تعمل خياطة .
تخطط الأم و ابنتها للقيام برحلة إلى " لوسيرن " . سوف يصلحان حياتين فيما تبقى من وقت .
على طاولة أخرى يخبر رجل صديقه عن مشرف مكروه غالباً ما مارس الجنس مع زوجته بعد ساعات العمل
في غرفة الملابس التابعة للمكتب و هدد بتسريحه إذا سبب هو أو زوجته أية مشكلة . لكن ما الذي يخيف الآن ؟
رتب الرجل أموره مع المشرف و تصالح مع زوجته , وبعد أن ارتاح من ذلك مدد رجليه و طاف بعينيه فوق جبال الألب.
في المخبز الذي يقع في " السوق" يضع الخباز ذو الإصبع السميكة العجين في الفرن و يغني. في هذه الأيام يطلب الناس خبزهم بتهذيب .
يبتسمون و يدفعون بسرعة لأن النقود تفقد قيمتها .يثرثرون حول نزهات تمت في فرايبورغ ,
عن وقت قضوه في الاصغاء إلى قصص أولادهم , عن نزهات طويلة في منتصف بعد الظهر .
لا يبدو أنهم يكترثون بأن العالم سينتهي حالاً لأن الجميع يتقاسمون القدر نفسه . إن عالماً سينتهي بعد شهر هو عالم مساواة.
قبل يوم واحد من النهاية , تضج الشوارع بالضحك. الجيران الذين لم يتحدثوا أبداً مع بعضهم يتبادلون التحية كأصدقاء ,
يتعرون و يستحمون في النافورة . آخرون يغوصون في نهر آري ,
و بعد أن يسبحوا إلى حد الإعياء يستلقون على العشب الكثيف على طول النهر و يقرأون الشعر .
محام و موظف بريد لم يلتقيا أبداً من قبل, يشبكان ذراعيهما و يسيران عبر بوتانشرغارتن ,
يبتسمان لنبات قرن الغزال و نبات النجمية و يناقشان الفن و اللون . ماذا تعني محطاتهما الماضية ؟ في عالمٍ سينتهي بعد يوم واحد هما متساويان .
في ظلال شارع جانبي بعيد عن نهر آري , يستند رجل و امرأة إلى حائط , يشربان البيرة و يأكلان لحم البقر المجفف. فيما بعد ,
ستأخذه إلى شقتها . إنها متزوجة من شخص آخر لكنها أرادت هذا الرجل طوال سنوات وسوف تلبي رغباتها في هذا اليوم الأخير من نهاية العالم .
تعدو بعض الأرواح في الشوارع و تقوم بأفعال خيرة لتصحح أفعالها الشريرة التي ارتكبتها في الماضي . و كانت ابتساماتها هي الابتسامات الوحيدة الشاذة .
قبل دقيقة من نهاية العالم يجتمع الجميع على أراضي متحف كنسنت . يشكل الرجال والنساء و الأولاد دائرة عملاقة و يمسكون أيدي بعضهم .
لايتحرك أو يتحدث أحد . يخيم صمت مطبق بحيث يستطيع كل شخص أن يسمع نبض قلب الذي يقف على يمينه أو يساره .
هذه هي الدقيقة الأخيرة في حياة العالم . في الصمت المطلق تلتقط نبتة كف ذئب أرجوانية الضوء على الجانب الأسفل من أزهارها ,
تتوهج للحظة ثم تتلاشى بين الأزهار الأخرى . خلف المتحف ترتجف الأوراق الإبرية للشربين بنعومة حين يتحرك النسيم عبر الأشجار .
و بعيداً إلى الخلف , عبر الغابة , يعكس نهر آري ضوء الشمس , يلتوي الضوء مع كل تجعيدة في سطحه . إلى الشرق ,
ينهض برج كاتدرائية القديس فنسنت أحمر وهشاً , بناؤه الحجري رقيق كشرايين ورقة .
وفي الأعلى تبدو جبال الألب المكللة بالثلوج و التي تجمع بين الأبيض و الأرجواني ضخمة و صامتة . تطوف غيمة في السماء . لا أحد يتحدث .
يبدو في الثواني الأخيرة و كأن الجميع قفزوا عن قمة توباز ممسكين بأيدي بعضهم . تقترب النهاية كأرض مقتربة . يهب الهواء البارد ,
تفقد الأجسام أوزانها . يتثاءب الأفق الصامت أميالاً . وفي الأسفل , يندفع غطاء الثلج الشاسع مقترباً ليغطي تلك الدائرة من اللون القرنفلي و الحياة .
يتبـــــــــــــع <<<<<<<<<<<<<<<< |
|
 |
|
 |
|
|
|
04-09-2005, 05:56 PM
|
رقم المشاركة : 12
|
( ود نشِـط )
|
 |
|
 |
|
الوقت أواخر بعد الظهر . تعشش الشمس لحظة قصيرة في تجويف جبال الألب الثلجي .
تندفع أشعة الضوء المائلة و الطويلة من الجبال عابرة بحيرة هادئة و ترمي ظلالها على بلدة تقع في الأسفل .
تتألف البلدة من قطعة واحدة و قطع كثيرة . تشكل أشجار التنوب و الشربين و صونوبر الآرولا حداً من جهة الشمال و الغرب ,
بينما توجد في الأعلى الزنابق , كف الذئب و حشيشة الأسد الألبية .
في المراعي التي قرب البلدة يرعى القطيع من أجل صناعة الزبدة و الجبنة و الشوكولاتة .
تنتج طاحونة نسيج صغيرة الخيوط الحريرية و الشرائط و الملابس القطنية .
يرن جرس كنيسة . تملأ رائحة لحم البقر المجفف الشوارع والأزقة .
و تظهر نظرة متفحصة أنها مدينة من قطع كثيرة . تعيش إحدى الحارات في القرن الخامس عشر .
هنا , ينضم إلى المنازل المبنية من الحجر الخشن سلالم و شرفات خارجية , بينما تفغر الجملونات العليا أفواهها و تنفتح للريح .
تنمو الطحالب بين قطع أحجار السقوف المستقيمة , تظهر كنيسة بنوافذ بيضوية الشكل ,
إيوانات مرصوفة و مسقوفة و تصوينات غرانيتية . يمسك قسم آخر بالحاضر , برواقات مقنطرة تنتظم في كل جادة ,
درابزونات معدنية على الشرفات , واجهات مصنوعة من الحجر الرملي الناعم .
كل قسم من القرية مثبت إلى زمن مختلف .
في نهاية بعد الظهر , في هذه اللحظات القليلة بينما الشمس تعشش في التجويف الثلجي الألبي ,
يستطيع المرء أن يجلس قرب البحيرة و يتأمل نسيج الزمن . فرضياً , يمكن أن يكون الزمن ناعماً أو خشناً ,
شوكياً أو حريرياً , صلباً أو ليناً . لكن في هذا العالم . لكن في هذا العالم يحدث أن يكون نسيج الزمن لاصقاً.
تعلق مجموعة من البلدات في لحظة ما من التاريخ ولا تخرج . وهكذا أيضا يعلق الأفراد في نقطة ما من حياتهم ولا يتحررون .
في هذه اللحظة , يتحدث رجل في أحد المنازل التي تقع أسفل الجبل مع صديق . يتحدث عن أيام دراسته في الجمنازيو .
تتدلى شهادات الامتياز التي حصل عليها في الرياضيات و التاريخ على الجدران ,
تشغل ميدالياته الرياضية و غنائمه رفوف الكتب . هنا , على طاولة ,
توجد صورة له حين كان كابتن فريق التسييج يعانقه فيها شبان آخرون ذهبوا منذ ذلك الوقت إلى الجامعة
و أصبحوا مهندسين ومصرفيين و تزوجوا . وفي الخزانة توجد ثيابه التي تعود إلى عشرين عاماً, بلوزة التسييج ,
بنطال التويد الضيق على خصره الان . الصديق الذي كان يحاول طوال أعوام أن يعرف الرجل على أشخاص آخرين
يهز رأسه بكياسة و يصارع بصمت ليتنفس في الغرفة الصغيرة .
في منزل آخر يجلس رجل إلى طاولته وحيداً و هي مجهزة لاثنين ,
منذ عشرة أعوام جلس هنا مقابل والده ولم يقدر أن يقول إنه يحبه , بحث خلال أعوام طفولته على لحظة صلة ,
تذكر المساءات التي جلس فيها ذلك الرجل الصامت مع كتابه , كان غير قادر أن يقول إنه أحبه , لم يقدر أن يقول إنه أحبه .
يوجد على الطاولة صحنان , كأسان , شوكتان , كما كان الأمر في تلك الليلة الماضية . يبدأ الرجل تناول الطعام ,
لايستطيع أن يأكل , يبكي غير قادر أن يسيطر على نفسه . لم يقل أبداً إنه أحبه .
في منزل آخر تنظر امرأة بولع إلى صورة ولدها الشاب المبتسم و المتألق . تكتب له رسالة إلى عنوان طويل مضلل ,
تتخيل الرسائل السعيدة التي ستتلقاها . حين يقرع ابنها الباب , لاتفتحه .
حين يأتي ولدها بوجهه اللاهث وعينيه الزجاجيتين إلى نافذتها و يطلب النقود لا تسمعه .
حين يترك لها ولدها ذو المشية المتعثرة رسائل متوسلاً أن يشاهدها ترمي الرسائل دون أن تفتحها .
حين يقف ولدها في الليل خارج منزلها تنام باكراً. في الصباح تنظر إلى صورته ,
تكتب رسائل عبادة إلى عنوان مضلل طويل.
تشاهد عانس وجه الشاب الذي أحبها في مرآة غرفة نومها , على سقف المخبز , على سطح البحيرة , في السماء.
إن مأساة هذا العالم هي أنه لا يوجد أي شخص سعيد سواه أكان عالقاً في زمن ألم أو متعة .
إن مأساة هذا العالم هي أن كل شخص هو وحيد لأن حياة في الماضي لايمكن أن تعاش في الحاضر ,
إن كل شخص يعلق في الزمن يعلق وحيداً. |
|
 |
|
 |
|
|
|
04-09-2005, 05:59 PM
|
رقم المشاركة : 13
|
( ود نشِـط )
|
 |
|
 |
|
حين يسير المرء في السوق يرى منظراً عجباً : الكرز الذي في أكشاك بيع الفاكهة مرتب في صفوف ,
القبعات التي في المتجر مجموعة بأناقة , الأزهار التي على الشرفات كرتبة في تناسق تام . لا فتات على أرض المخبز ,
لا حليب مسفوحاً على أرضية بيت المؤن . لا شئ خارج موضعه .
حين تنتهي حفلة مرحة في مطعم تصبح الطاولات أكثر ترتيباً مما كانت عليه . حين تهب ريح خفيفة عبر الشارع ,
يكنس الشارع . و يصبح نظيفاً و تنقل الأوساخ و الغبار إلى حافة البلدة . حين تتكسر أمواج على الشاطئ ,
يعيد الشاطئ بناء نفسه . حين تسقط الأوراق عن الأشجار , تصطف الأوراق كالطيور في تشكيل كحرف
v .
حين تشكل الغيوم وجوهاً , تبقى الوجوه . حين ينفث غليون الدخان في غرفة يندفع السخام نحو زاوية الغرفة
تاركاً جواً خالياً. تصبح الشرفات المطلية المعرضة للريح و المطر أكثر تألقاً مع مرور الزمن .
يجعل صوت الرعد أصيصاً مكسوراً يعيد تكوين نفسه ,
يجعل الشظايا المحطمة تقفز إلى أماكنها المحددة حيث تتلاءم و تلتحم .
يزداد الأريج الفواح لعربة قرفة عابرة و لا يتلاشى مع مرور الزمن .
هل تبدو هذه الحوادث غريبة؟
يسبب مرور الزمن في هذا العالم نظاماً متزايداً . النظام هو قانون الطبيعة , الميل العالمي, الجهة الكونية .
إذا كان الزمن سهماً, يشير السهم نحو النظام . المستقبل نموذج ,
منظمة , اتحاد , توتير, الماضي عشوائية , فوضى , تحلل , تلاشٍ.
يرى الفلاسفة أنه بدون اتجاه نحو النظام يفقد الزمن معناه . يصبح الزمن غير قابل للتمييز عن الماضي .
يصير تعاقب الأحداث مشاهد عشوائية من ألف رواية .
سيصبح التاريخ غير قابل للتمييز مثل الضباب الذي نجمعه ببطء قمم الأشجار في المساء.
في عالم كهذا يستلقي البشر الذين يعيشون في منازل غير مرتبة في أسرتهم
و ينتظرون أن تنفض قوى الطبيعة الغبار عن نوافذهم و ترتب الأحذية في خزائنهم .
البشر الذين يعيشون علاقات غير منظمة يمكن أن يقوموا بنزهات بينما تصبح تقاويمهم منظمة ,
مواعيدهم مرتبة و أرصدتهم متوازنة . يمكن أن توضع الفرشاة ,
و أحمر الشفاه و الرسائل في المحفظات بإهمال مع وجود قناعة أنها سترتب نفسها آلياً .
ولن تحتاج الحدائق إلى أن تشذب و الأعشاب إلى أن تستأصل . تصبح المكاتب أنيقة في نهاية اليوم .
الثياب التي على الأرض في المساء تتوضع على الكراسي في الصباح . الجرابات المفقودة تعاود الظهور .
إذا زار المرء مدينة في الربيع يرى منظراً عجباً آخر .
ذلك أن البشر يمرضون في الربيع من نظام حياتهم .يدمر البشر في الربيع منازلهم بغضب ,
يتحركون بين الأوساخ ,يحطمون الكراسي , يكسرون النوافذ .
في شارع أربر أو أية جادة سكنية يسمع المرء في الربيع أصوات الزجاج المحطم و الصراخ و العويل و الضحك .
في الربيع يلتقي البشر في أوقات غير منظمة , يحرقون كتب مواعيدهم , يقذفون ساعات يدهم بعيداً,
يشربون طوال الليل. يستمر هذا الوضع الهستيري إلى الصيف حين يستعيد البشر أحاسيسهم و يعودون إلى النظام .
|
|
 |
|
 |
|
|
|
04-09-2005, 06:02 PM
|
رقم المشاركة : 14
|
( ود نشِـط )
|
 |
|
 |
|
ثمة مكان يتوقف فيه الزمن . تتدلى قطرات المطر دون حراك في الجو . تتجمد رقاصات الساعات في منتصف التأرجح .
ترفع الكلاب خطومها في عواء صامت .
يتجمد العابرون في الشوارع الغبارية و أرجلهم مرفوعة نحو الأعلى كأنها مشدودة بخيوط .
تعلق روائح البلح و المانغا و الكزبرة و الكمون في الفضاء .
حين يقترب مسافر إلى هذا المكان من أيه جهة , يتحرك ببطء متزايد . يزداد تباعد دقات قلبه ,
يضعف نفسه , تنخفض حرارته , تبهت أفكاره إلى أن يصل إلى حالة الموت ويتوقف . ذلك أن هذا هو مركز الزمن .
من هذا المكان يتحرك الزمن نحو الخارج في دوائر متحدة , المركز يكون مستقراً في المركز ,
يجمع السرعة ببطء في أقطار دوائر أكبر . من الذي سيحج إلى مركز الزمن ؟ الآباء و الأمهات مع أولادهم و العشاق .
و هكذا , في المكان الذي يتوقف فيه الزمن ,
يرى المرء الآباء و الأمهات يتشبثون بأولادهم في عناق متجمد لن يتحرر أبداً.
لن تتوقف الإبنة الشابة الجميلة ذات العينين الزرقاوين و الشعر الأشقر عن تلك الابتسامة التي تبتسمها ,
لن تفقد توهج خديها القرنفلي الناعم , لن تنالها التجاعيد أو التعب , لن تصاب بالأذى , لن تنسى ما علمها والداها ,
لن تعرف الشر أبداً , لن تقول لوالديها أبداً إنها لا تحبهما , لن تغادر غرفتها المطلة على البحر ,
لن تتوقف أبداً عن لمس والديها كما تفعل الآن.
و في المكان الذي يتوقف فيه الزمن يشاهد المرء العشاق يتبادلون القبل في ظلال المباني في عناقات متجمدة لن تنفك أبداً.
لن يزيح المعشوق ذراعيه عن موقعهما لن يعيد سوار الذكريات , لن يسافر بعيداً عن معشوقته ,
لن يخاطر بنفسه في التضحية الذاتية , لن يفشل في إظهار حبه ,
لن يغادر أبداً, لن يقع في حب امرأة أخرى , لن يفقد أبداً هوى هذه اللحظة في الزمن .
يجب أن يلاحظ المرء أن تلك التماثيل مضاءة بأضعف لون أحمر لأن الضوء تلاشى في مركز الزمن
و تحولت ذبذباته إلى أصداء في الأودية الواسعة و صغر توتره حتى أصبح مثل التوهج الباهت للحباحب .
أولئك الذين ليسوا هادئين في مركز الزمن يتحركون فعلاً لكن بخطوات متجمدة .
يمكن أن يستغرق تمشيط الشعر عاماً , يمكن أن تستغرق قبلة ألف عام.
و في الوقت الذي تعاد فيه ابتسامة تمر الفصول في العالم الخارجي . و في الوقت الذي يضم فيه طفل تُبنى جسور.
و في الوقت الذي يقال فيه وداعاً تتفتت مدن و تُنسى .
و أولئك الذين يعودون إلى العالم الخارجي ..
ينمو الأطفال بسرعة , ينسون عناق آبائهم و أمهاتهم الذي استمر قروناً و الذي ,
بالنسبة إليهم , استمر بضع ثوان فقط . الأطفال الذين يصبحون راشدين ,
يعيشون بعيداً عن أمهاتهم و آبائهم في منازلهم الخاصة , يتعلمون طرقاً خاصة بهم , يعانون من الألم , يشيخون .
يلعن الأطفال آبائهم و أمهاتهم لأنهم يحاولون الاحتفاظ بهم إلى الأبد ,
يلعنون الزمن بسبب تجاعيد جلدهم و أصواتهم الأجشة .
هؤلاء الذين أصبحوا أطفالاً شائخين يريدون أن يوقفوا الزمن لكن في زمن آخر .
يريدون أن يجمدوا أبناءهم في مركز الزمن .
العشاق الذين يعودون يجدون أن أصدقاءهم رحلوا منذ وقت طويل . في النهاية , انتهت فترات الحيوات .
يتحركون في عالم لا يعرفون , العشاق الذين عادوا ما يزالون يتعانقون في ظلال الأبنية
إلا أن عناقاتهم تبدو الآن فارغة ووحيدة . حالاً ينسون الوعود التي عمرها قرون
و التي بالنسبة لهم استمرت بضع ثوان فقط , حتى بين الغرباء يتبادلون كلمات نابية , يفقدون الهوى ,
ينفصلون , يشيخون , و يصبحون وحيدين في عالمٍ لا يعرفونه .
يقول البعض من الأفضل عدم الاقتراب من مركز الزمن .
الحياة قارب حزن إلا أنه من النبل أن يعيش المرء الحياة و لكن بدون الزمن لا توجد حياة .
لا يوافق آخرون . سيفضلون أبدية من القناعة حتى و لو كانت متوقفة متجمدة , كفراشة حبيسة في علبة .
|
|
 |
|
 |
|
|
|
04-09-2005, 06:06 PM
|
رقم المشاركة : 15
|
( ود نشِـط )
|
 |
|
 |
|
تخيل عالماً يخلو من الزمن , ليس فيه إلا الصور .
طفلة على الشاطئ , مسحورة من رؤيتها الأولى للمحيط . امرأة واقفة على الشرفة فجراً شعرها المنسدل ,
ثياب نومها الفضفاضة , شفتاها . القوس المحنية للرواق المقنطر قرب نافورة تسيرغنا في شارع كرام ,
الحجر الرملي و الحديد . يجلس رجل في مكتبه الهادئ حاملاً صورة امرأة و ثمة نظرة استياء على وجهه .
عقاب مؤطر في السماء باسط جناحيه , أشعة الشمس تتغلغل في ريشه .
يجلس فتى يافع في صالة فارغة يخفق قلبه كأنه على خشبه المسرح . آثار أقدام على الثلج في جزيرة شتائية .
قارب على المياه في الليل تبدو أضواءه باهتة في المسافة كمثل نجمة صغيرة حمراء في السماء السوداء .
خزانة أدوية مغلقة . امرأة تلبد في الدغل , تنتظر قرب منزل زوجها اللامبالي الذي يجب أن تتحدث إليه .
مطر خفيف في يوم ربيعي أثناء نزهة هي النزهة الأخيرة التي يقوم بها شاب في المكان الذي يحبه .
غبار على أسكفة نافذة . طاولة تعرض فليفلة صفراء و خضراء و حمراء .
.
قطة تراقب خنفساء على النافذة .فتاة شابة على مقعد , تقرأ رسالة , دموع الفرح في عينيها الخضراوين .
حقل كبير مخطط بأشجار و الأرز و التنوب . ضوء الشمس الداخل في زوايا طويلة
من خلال النافذة في نهاية بعد الظهر .زجاجة محطمة على الأرض , سائل بني في الصدوع ,
امرأة عيناها حمراوان . عجوز في المطبخ يعد الفطور لحفيده , الطفل يحدق عبر النافذة الى مقعد مطلي باللون الأبيض .
كتاب مهترئ على طاولة قرب مصباح باهت . البياض على المياه كموجة تتلاشى تعصف بها الريح .
امرأة تستلقي على أريكتها , شعرها مبلل , تمسك يد رجل لن تراه مرة ثانية أبداً, قطار عرباته حمراء
على جسر حجري كبير أقواسه بارعة الجمال , نهر في الأسفل , نقاط صغيرة في منازل بعيدة ,
ذرات الغبار تعوم في ضوء الشمس خلال نافذة , الجلد الرقيق في منتصف عنق , رقيق بما يكفي لرؤية نبض الدم .
رجل و امرأة عاريان يغطيان بعضهما , الظلال الزرقاء للأشجار تحت البدر , قمة جمبل و ريح قوية منتظمة ,
يتراءى الوادي في جميع الجهات , سندويتشات لحم بقر و جبنة , طفل ينقز من صفعة والده ,
شفتا الأب ملويتان من الغضب , الطفل لا يفهم , وجه غريب في المرآة شائب عند الصدغين .
شاب يحمل هاتفاً منذهل مما يسمع , صورة عائلة , الأب و الأم شابان و مسترخيان ,
الأولاد يرتدون ربطات العنق و الفساتين و يبتسمون . ضوء بعيد باهت يبدو من خلال أجمة أشجار ,
اللون الأحمر عند الغروب , قشرة بيضة , هشة, غير محطمة , قبعة زرقاء مغسولة على الشاطئ .
ورود مقطوعة طافية في النهر تحت الجسر و جوسق يرتفع . شعر أحمر لعاشقة , وحشي , شرير وواعد .
امرأة شابة تحمل تويجات أرجوانية . غرفة من أربعة جدران و نافذتين و سريرين و طاولة
و مصباح و شخصين بوجهين حمراوين و دموع . القبلة الأولى , كواكب عالقة في الفضاء ,
محيطات , صمت , قطرة ماء على النافذة , حبل ملتف , فرشاة صفراء .
|
|
 |
|
 |
|
|
|
04-09-2005, 06:11 PM
|
رقم المشاركة : 16
|
( ود نشِـط )
|
 |
|
 |
|
إن نظرة إلى الأكشاك المزدحمة في " شارع شبيتال" تروي القصة .
يسير البقالون بتردد من كشك إلى آخر ليكتشفوا مااذا يبيع كل كشك . هنا يوجد تبغ , لكن أين بذور الخردل ؟
هنا يوجد شوندر سكري لكن أين سمك البقلاي ؟ هنا حليب الماعز لكن أين الساسفراس ؟
ليس هؤلاء سواحاً في زيارتهم الأولى لبرن . إنهم مواطنو " بيرن " .
لا أحد يتذكر أنه اشترى منذ يومين شوكولاته من حانوت يدعى " فرديناندز " أو لحم بقر من محل " هوف "
للمواد الغذائية . يجب أن يعثر على كل حانوت و ما يختص به من جديد .
يسير كثيرون وفق الخرائط التي ترشدهم من رواق مقنطر إلى آخر في المدينة التي عاشوا فيها طوال حياتهم ,
في الشارع الذي تنقلوا فيه طوال أعوام . يسير كثيرون حاملين الدفاتر ليسجلوا ما تعلموه بينما يمكث لوهلة في رؤوسهم .
ذلك أن البشر في هذا العالم بلا ذاكرات .
حين يحين وقت العودة إلى المنزل في نهاية اليوم يستشير كل شخص كتاب عناوينه ليعرف أين يعيش .
يكتشف اللحام الذي قام بتقطيع غير جيد في اليوم الأول من عمله أن منزله يقع في شارع نيغال.
السمسار الذي أنتجت ذاكرته المحدودة عن السوق استثمارات ممتازة , يقرأ أنه يسكن في شارع بندس .
حين يصل كل رجل إلى منزله يجد امرأة و أطفالاً ينتظرون عند الباب , يعرف عن نفسه ,
يساعد في تحضير وجبة العشاء , يقرأ قصصاً لأطفاله . كذلك كل امرأة تعود من عملها تقابل زوجاً و أطفالاً
و خوانات و مصابيح و ورق جدران و نماذج من الآنية . في وقت متأخر من الليل لا يبقى الزوج و الزوجة
حول الطاولة ليناقشا أعمال اليوم , مدرسة أولادهما , رصيد البنك , بدلاً من ذلك , يبتسمان لبعضهما ,
يشعران بالدم الدافئ و بالألم بين الساقين كما كان يفعلان حين التقيا للمرة الأولى منذ خمسة عشر عاماً.
يعثران على غرفة نومهما , يتعثران و هما يعبران, صوراً عائلية لا يتعرفان عليها و يمضيان الليل في الشبق .
ذلك أن العادة والذاكرة تبلدان الهوى الجسدي . بدون ذاكرة , كل ليلة هي الليلة الأولى ,
كل صباح هو الصباح الأول , كل قبلة و لمسة تحدثان لأول مرة .
إن عالماً بدون ذاكرة هو عالم الحاضر . ينحصر وجود الماضي في الكتب و السجلات .
يحمل كل شخص كتاب الحياة الخاص به من أجل أن يعرف نفسه و هذا الكتاب مليء بتاريخ حياته .
يستطيع أن يتعرف على هوية والديه أو فيما إذا ولد غنياً أو فقيراً أو إذا كان جيداً أو سيئاً في المدرسة
أو إذا أنجز أي شيء في حياته , حين يقرأ صفحات الكتاب كل يوم . بدون كتاب الحياة ,
يصبح المرء صورة عابرة , صورة ببعدين , شبحاً . في المقاهي التي تقع تحت الأشجار المورقة في برونغاسهالدي
يسمع المرء صراخا أليماً لرجل قرأ لتوه أن قتل مرة رجلاً آخر و تنهيدة امرأة اكتشفت لتوها أن أميراً خطبها ,
تباهياً مفاجئاً من امرأة عرفت أنها حصلت على تشريفات عليا من جامعتها منذ عشرة أعوام .
يمضي البعض ساعات الغسق حول طاولاتهم و هم يقرؤون في كتب الحياة ,
آخرون يملأون بعصبية صفحاتها الإضافية بحوادث اليوم .
مع مرور الزمن تزداد سماكة كتاب الحياة الخاص بكل شخص بحيث لا تمكن قراءاته كله .
عندئذ يأتي خيار : الرجال و النساء الكبار في السن يمكن أن يقرأوا الصفحات الأولى ليتعرفون على أنفسهم كشباب ,
أو يمكن أن يقرأوا النهاية ليتعرفوا على أنفسهم في سنوات لاحقة .
توقف البعض عن القراءة . تخلوا عن الماضي . قرروا أنه لا يهم إذا كانوا أغنياء أم فقراء في الماضي ,
متعلمين أم جهلة , متكبرين أم متواضعين , عاشقين أم فارغي القلوب –
و لايهمهم أيضاً كيف تدخل الريح الخفيفة في شعرهم . ينطر بشر كهؤلاء إلى عينيك بشكل مباشر و يمسكون يدك بشدة .
يسير بشر كهؤلاء بالخطوة الواسعة الرشيقة لشبابهم . تعلم بشر كهؤلاء كيف يعيشون في عالم بلا ذاكرة .
|
|
 |
|
 |
|
|
|
04-09-2005, 06:15 PM
|
رقم المشاركة : 17
|
( ود نشِـط )
|
 |
|
 |
|
في الفجر , يطوف ضباب أصفر عبر المدينة يحمله نفس النهر . تنتظر الشمس وراء جسر " نيديك"
و تلقي أسنتها الحمراء الطويلة على طول " شارع كرام" مضيئة الأجزاء السفلية للشرفات
وصولاً إلى الساعة العملاقة التي تقيس الزمن . تندفع أصوات الصباح عبر الشوارع كرائحة الخبز .
تستيقظ طفلة و تبكي طالبة أمها . تصدر ظلة حانوت صريراً بهدوء عندما يصل البقال إلى حانوته في " السوق ".
تجار آلة في النهر , تتحدث امرأتان بهمس تحت رواق مقنطر .
و حين تذوب المدينة في الضباب و الليل يرى المرء مشهداً غريباً: هنا جسر قديم لم يكتمل بناؤه .
هناك منزل أزيل من أسسه , هنا شارع يتجه إلى الشرق دون سبب واضح , هناك يتوضع مصرف وسط سوق البقالة .
يصور زجاج كاتدرائية القديس فنسنت السفلي الملون مواضع دينية و ينتقل الجزء الأعلى فجأة
إلى صورة جبال الألب في الربيع . يسير رجل بخفة نحو " مجلس الشعب", يتوقف فجأة , يضغ يديه على رأسه ,
يصيح مهتاجاً, يستدير و يسرع في الجهة المعاكسة .
هذا عالم خطط متبدلة , فرص مفاجئة , رؤى غير متوقعة . ذلك أن الزمن يتدفق في هذا العالم
على صورة متقطعة لا مستوية و بالتالي يتلقى البشر لمحات متقطعة عن المستقبل .
حين تتلقى أم رؤية مفاجئة عن مكان سكن ولدها تنقل منزلها لتصبح قربه .
حين يرى بناء مكان التجارة المستقبلي يغير طريقه نحو ذلك الاتجاه .
حين تلمح طفلة نفسها لوهلة كبائعة أزهار تقرر عدم الذهاب إلى الجامعة .
حين يلتقي شاب رؤية عن المرأة التي سيتزوجها , ينتظرها .
حين يبصر محام نفسه في عباءة قاض في " زوريخ " يتخلى عن عمله في " بيرن " .
ما معنى متابعة الحاضر بعد أن يرى المرء المستقبل؟
إن هذا العالم هو عالم نجاح مضمون لأولئك الذين تلقوا رؤيتهم .
إن بعض المشاريع التي بدأت لا تقود إلى مهنة . بعض الرحلات التي تمت لا تقود إلى مدينة القدر ,
بعض الذين تمت مصادقتهم لن يصيروا أصدقاء في المستقبل . لقد صنعت بعض العواطف .
أما بالنسبة للذين لم يتلقوا رؤيتهم فهذا عالم تشويق غير فعال .
كيف يستطيع المرء أن يسجل في جامعة دون أن يعرف مهنته المستقبلية ؟
كيف يفتح المرء صيدلية في " السوق " حين سيكون محل مشابه أفضل في شارع " شبيتال" ؟
كيف تقدر امرأة أن تمارس الجنس مع رجل من المحتمل أن يخونها ؟ ينام بشر كهؤلاء معظم النهار و ينتظرون مجيء رؤيتهم .
و هكذا تقل المجازفات في هذا العالم المؤلف من مشاهد قصيرة , و أولئك الذين لم يشاهدوا المستقبل بعد ,
ينتظرون الرؤية دون أن يجازفوا.
بعض الذين شاهدوا المستقبل يفعلون ما بوسعهم ليفندوه . يذهب رجل ليعتني بحدائق المتحف
في " نيوشاتل" بعد أن رأى نفسه محامياً في " لوسيرن". ينطلق شاب في رحلة بحرية رائعة مع والده
بعد أن رأى أ، والده سيموت حالاً من أزمة قلبية .
تسمح شابة لنفسها أن تقع في الغرام مع رجل رغم رؤيتها بأنها ستتزوج رجلاً آخر .
يقف بشر كهؤلاء على شرفاتهم بعد الغروب و يصيحون أن المستقبل يمكن أن يُغير ,
أن آلاف المستقبلات ممكنة . مع مرور الزمن , يتعب حدائقي " نيوشاتل"
من أجوره المنخفضة و يصبح محامياً في " لوسيرن" . يموت الأب بسبب الأزمة القلبية
و يكره الإبن نفسه لأنه لم يجبر والده على البقاء في الفراش .
يهجر العشيق المرأة الشابة التي بدورها تتزوج رجلاً يمنحها العزلة والألم .
من الذي تجري أموره بشكل أفضل في عالم زمنه متقطع ؟ أولئك الذين شاهدوا المستقبل و يعيشون حياة واحدة ؟
أم أولئك الذين لم يروا المستقبل وينتظرون أن يعيشوا الحياة ؟ أم أولئك الذين ينكرون المستقبل و يعيشون حياتين ؟
|
|
 |
|
 |
|
|
|
04-09-2005, 06:18 PM
|
رقم المشاركة : 18
|
( ود نشِـط )
|
 |
|
 |
|
إن رجلاً أو امرأة يُدفعان فجأة إلى هذا العالم يجب أن ينحرفا عن المنازل و الأبنية .
ذلك أن كل شئ في حالة حركة . تندفع المنازل و الشقق الصاعدة على عجلات عبر ساحة " باهنوفبلاتز"
و تسرع عبر أزقة السوق بينما يصرخ ساكنوها من نوافذ الطوابق الثانية .
لا يبقى مكتب البريد في شارع " بوست" بل يطير عبر المدينة على سكة كالقطار .
ولا يبقى مجلس الشعب متوضعاً في شارع " بوندس". في كل مكان يجأر الجو و يزأر بصوت المحركات و السيارات .
حين يخرج شخص من بابه الخارجي عند شروق الشمس يندفع راكضاً ويلحق بمكتبه .
يسرع صاعداً وهابطاً الدرج يعمل على مكتب يندفع في دوائر و يعدو نحو المنزل في نهاية اليوم .
لا يجلس أحد تحت شجرة حاملاً كتاباً , لا يحدق أحد إلى التجعدات في بركة ,
لا يستلقي أحد على العشب الكثيف في الريف . لا أحد ثابتاً.
لماذا ثبات كهذا إبان السرعة ؟ لأن الزمن في هذا العالم يمر ببطء أكبر بالنسبة للبشر الذين في حالة حركة .
هكذا يتحرك الجميع بسرعة مرتفعة ليكسبوا الوقت .
لم يلاحظ تأثير السرعة إلى أن اخترع محرك الاحتراق الداخلي وبدأ النقل السريع .
أخذ السيد راندولف ويك من " سري" حماته إلى لندن بسرعة كبيرة في سيارته الجديدة في 8 أيلول 1889 .
وما أفرحه هو أنه وصل في نصف الوقت المتوقع قبل أن تبدأ المحادثة ,
قرر أن يفكر بالظاهرة . بعد أن نشرت أبحاثه لم يسافر أحد بعد ذلك ببطء .
بما أن الزمن نقود فإن الاعتبارات المالية وحدها تملي على كل مكتب سمسرة , كل مركز صناعي ,
كل حانوت أن ينتقل باستمرار بالسرعة الممكنة ليجني فوائد أكثر من منافسيه .
تزود أبنية كهذه بآلات عملاقة ولا ترتاح أبداً. تزأر محركاتها و محاور أذرعة
تدويرها بصخب أكثر من الأجهزة و البشر الذين يشغلونها .
كذلك , تباع المنازل ليس بسبب حجمها و تصميمها فحسب , بل أيضاً بسبب سرعتها .
لأنه كلما ازدادت سرعة انتقال المنزل كلما تباطأت حركة الساعات في الداخل و توفر لقاطنيه . و نظراً للسرعة ,
يستطيع شخص في منزل سريع ن يسبق جيرانه عدة دقائق في حين يمكن أن يكتسب الوقت القيم أو يخسر أثناء النوم .
في الليل تضاء الشوارع ولكي تتجنب المنازل العابرة الاصطدام الذي غالباً ما يكون مهلكاً.
في الليل يحلم البشر بالسرعة وبالشباب وبالفرصة . في عالم السرعة الكبيرة هذا أدركت إحدى الحقائق ببطء .
استناداً إلى التوتولوجيا المنطقية , التأثير الحركي نسبي كله ,
لأنه حين يمر شخصان في الشارع يرى كل منهما الآخر في حالة حركة تماماً
كما يرى امرؤ في قطار طيران الأشجار من خلال نافذته . بالتالي , حين يعبر شخصان في الشارع يرى كل منهما زمن الآخر يتباطأ .
يرى كل منهما الآخر يكتسب وقتاً . يسبب هذا التبادل الجنون .
و مما يزيد في الجنون أنه كلما أسرع المرء في تجاوز جار كلما ظهر الجار مسرعاً.
محبطين و قانطين , يتوقف البعض عن النظر من نوافذهم . إذا كانت الستائر مسدلة لا يعرفون أبداً نسبة سرعة حركتهم
و نسبة سرعة جيرانهم و منافسيهم . ينهضون في الصباح , يستحمون , يأكلون خبزاً و لحم خنزير , يشتغلون على مكاتبهم ,
يصغون الى الموسيقى , يتحدثون مع اطفالهم , يعيشون حيوات قناعة و رضاً.
يجادل البعض أن ساعة البرج العملاقة في شارع كرام هي وحدها التي تحتفظ بالزمن الصحيح , و هي وحدها ثابتة ,
يشير آخرون أنه حتى الساعة العملاقة هي في حالة حركة إذا نظر إليها من نهر آري أو من سحابة . |
|
 |
|
 |
|
|
|
04-09-2005, 06:21 PM
|
رقم المشاركة : 19
|
( ود نشِـط )
|
|
|
|
|