رحلة مع مشتاق
>
>
>
> رحلة مع مشتاق .. نعم مشتاق إلى دخول الجنات ورؤية رب الأرض
>
> والسماوات .. إنه حديث عن المشتاقين المعظمين للدين .. الذين تعرض لهم الشهوات
>
> وتحيط بهم الملذات فلا يلتفتون إليها !!
>
> هم جبال راسيات .. وعزائم ماضيات .. عاهدوا ربهم على الثبات ..
>
> [ قالوا ربنا الله ثم استقاموا ]
>
> إذا أذنبوا استغفروا .. وإذا ذُكّـروا ذَكروا .. وإذا خوفوا من عذاب الله انزجروا ..
>
> هم بشر من البشر .. ما تركوا اللذائذ عجزا عنها ولا مللا منها .. بل لهم غرائز
>
> وشهوات .. ورغبة في الملذات .. لكنهم قيدوها بقيد القوي الكريم ..
>
> يخافون من ربهم عذاب يوم عظيم ..
>
> عاهدوا ربهم على الطاعة لما قال لهم : [ ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ]
>
> فثبتوا على دينهم حتى ماتوا مسلمين ..
>
> من تشبه بهم فأراد الهداية المرضية والسعادة الأبدية فلا ينبغي أن يقعد على أريكته
>
> وينتظر أن تنزل عليه الهداية من السماء .. أو يشربها مع الماء .. كلا ..
>
> بل عليه أن يسعى إلى تحصيلها ويبحث عن سبل اتباعها ..
>
> ومن يخطب الحسناء لا يغله المهر ..
>
> فعجبا لهم ما أشجعهم .. وأقوى عزائمهم وأثبتهم ..
>
> خرج مسيلمة الكذاب في اليمامة في نجد من الجزيرة العربية فادعى النبوة ..
>
> وأنه رسول أنزل عليه قرآن .. ومن قرآنه أنه كان يقول :
>
> والطاحنات طحنا والعاجنات عجنا ، والخابزات خبزا ، والثاردات ثردا
>
> واللاقمات لقما ..
>
> ويهذي هذيانا .. يسميه قرآنا .. فاستخف قومه فأطاعوه ..
>
> فاتبعه سفهاء رعاع .. فاغتر بقوته .. وتطاول بسطوته .. فأرسل بكتاب إلى النبي
>
> يقول فيه : ( من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله .. سلام عليك .. أما بعد
>
> فاني قد أشركت في الأمر معك .. وإن لنا نصف الأرض .. ولقريش نصف الأرض ..
>
> ولكن قريشا قوم يعتدون ) ..
>
> فلما قرئ الكتاب على النبي عليه السلام .. عجب من جرأة مسيلمة
>
> على الملك العلام .. فكتب إليه :
>
> ( بسم الله الرحمن الرحيم .. من محمد رسول الله .. إلى مسيلمة الكذاب .. السلام على
>
> من اتبع الهدى .. أما بعد فان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) ..
>
> ثم تلفت رسول الله حوله ينظر في وجوه أصحابه .. يلتمس منهم رجلا فطنا جريئا
>
> يحمل هذا الكتاب إلى مسيلمة .. فابتدر حبيب بن زيد رضي الله عنه ..
>
> شاب ما أسرته عن خدمة الدين شهوة .. ولا انشغل عن ربه بلذة ..
>
> امتلأ قلبه تصديقاً وإيماناً .. وقطع الليل تسبيحاً وقرآناً ..
>
> أخذ الكتاب من يد النبي الأواب ومضى به من المدينة إلى اليمامة
>
> فسار أكثر من ألف ميل .. حتى وصل إلى مسيلمة ..
>
> فلما دخل عليه ناوله الكتاب .. فنظر مسيلمة فيه .. فغضب وأزبد وأرعد ..
>
> ثم جمع قومه حوله .. وأوقف حبيب بن زيد بين يديه .. وسأله عن هذا الكتاب
>
> فقال حبيب : هو من رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
>
> فقال مسيلمة : أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ ..
>
> قال حبيب : نعم .. أشهد أن محمداً رسول الله ..
>
> قال : وتشهد أني رسول الله ؟
>
> فقال له حبيب مستهزئاً : إن في أذني صمماً عما تقول ..
>
> يعني أنت أقل وأذل .. من أن يُسمع كلامك ..
>
> فأعاد عليه مسيلمة : أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ ..
>
> قال حبيب : نعم .. أشهد أن محمداً رسول الله ..
>
> قال : وتشهد أني رسول الله ؟
>
> فقال حبيب : إني لا أسمع شيئاً !!
>
> فأعاد عليه السؤال .. فكرر حبيب الجواب ..
>
> فغضب مسيلمة .. ودعا السياف ..
>
> وأمره أن يطعن بالسيف في جسد هذا الفتى وهو يكرر عليه السؤال .. ولا يسمع
>
> إلا جواباً واحداً .. لا يزيده إلا غيظاً وحقداً ..
>
> فأمر مسيلمة السياف أن يفتح فم حبيب ويقطع لسانه !!!
>
> فأمسك به الجنود وفتحوا فمه .. حتى قطع السياف لسانه الذاكر .. ثم أوقفوه بين
>
> يدي مسيلمة الفاجر .. والدماء تسيل من فمه ..
>
> فصاح به مسيلمة : أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ ..
>
> فأشار حبيب برأسه : نعم ..
>
> قال : وتشهد أني رسول الله ؟
>
> فأشار برأسه : لا ..
>
> فأمر مسيلمة سيافه .. فقطع يده .. ثم قطع رجله .. وجدع أنفه .. واحتزّ أذنه ..
>
> وراح يقطع جسده قطعة قطعة .. ولحمه يتساقط .. ودماؤه تسيل .. وهو ينتفض
>
> على الأرض .. ويئن من الألم .. حتى مات رضي الله عنه ..
>
> نعم .. قطع لسانه .. ومزق جسده .. وكسّرت عظامه ..
>
> في سبيل رضا الرحمن جل جلاله ..
>
> حتى إذا أوقف بين يديه يوم القيامة .. فسأله ربه : يا عبدي لم قُطع لسانك ؟
>
> وجدع أنفك ؟ وبترت يدك ؟ وسفك دمك ؟
>
> قال : في رضاك يا رب العالمين .. وما لجرح إذا أرضاكم ألم ..
>
> نعم .. من أجلك يا ربِّ .. تنقلب الآلام إلى غرام .. والأنات إلى لذات ..
>
> والبكاء إلى حداء .. والدماء إلى مسك وفيحاء ..
>
> أحبتي في الله .. إن من وسائل الثبات على الدين .. أن يتصور العبد عاقبة صبره
>
> على الطاعات .. ومجانبة المحرمات ..
>
> فكيف يبيع العاقل ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
>
> بعيش زائل كأنه أحلام ..
>
> كيف تباع جنة عرضها الأرض والسموات .. بسجن مليء بالبليات ..
>
> ومساكن تجري من تحتها الأنهار .. بأعطان آخرها الخراب والبوار ..
>
> وكيف تباع أبكار كأنهن الياقوت والمرجان .. بقذرات دنسات مسافحات ..
>
> وأنهار من خمر لذة للشاربين .. بشراب مفسد للدنيا والدين ..
>
> وكيف تباع لذة النظر إلى وجه العزيز الرحيم .. بالنظر إلى المائلات المميلات ..
>
> وسماع الخطاب من الرحمن .. بسماع المعازف والألحان ..
>
> وكيف يباع الجلوس على منابر اللؤلؤ يوم المزيد .. بالجلوس مع كل شيطان مريد ..
>
> نعم .. كيف ترغب عنها !! وهي دار غرسها الرحمن بيده .. وجعلها مقراً لأحبابه ..
>
> ووصف دخولها بالفوز العظيم .. وملكها بالملك الكبير ..
>
> اللهم يا مصرف القلوب والأبصار صرف قلوبنا على طاعتك
>
> وثبتها على دينك .... اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا
>
> وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ..
>