بسم الله الرحمن الرحيم
أخوتي في الله هذه المشاركه تحمل حقائق تهم كل من يريد أن يفهم لماذا هذا الانحياز الأمريكي السافر لاسرائيل ..أتمني أن تقرأوها بعمق وعذرا" ان كانت طويله بعض الشيء واليكم المقال كما هو منشور بتاريخ اليوم في جريده الأهرام المصريه:
لاتفاجئنا اللاءات التي أعلنها الرئيس بوش في مؤتمره الصحفي مع شارون, ولا الجريمة البشعة التي ارتكبها الأخير فور عودته, بقتل الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي, ولكن سيدهشنا, لاريب, أن يقابل ذلك كله بصمت عربي, وألا يرد عليه بما يستحقه من غضب أو احتجاج. إذ الصمت في هذه الحالة لن يكون إعلانا عن موت السياسة في العالم العربي فحسب, وإنما سيكون ايضا بمثابة ضوء أخضر للاثنين لكي يفعلا بنا ما بدا لهما.
(1)
لم يخيب الرئيس بوش ظن شارون, ولم يرد له طلبا أثناء لقائهما الذي تم في الاسبوع الماضي, إذ في اللقاء الذي عقداه يوم الأربعاء,4/14, سجل الرئيس الأمريكي أمام الملأ لاءاته الأربعة: لا لحدود عام67 ـ لا عودة اللاجئين الفلسطينيين ـ لا لتفكيك المستوطنات المقامة في الضفة الغربية ـ لا لقرارات الجمعية العامة لمجلس الأمن المتعلقة بالحقوق الفلسطينية.
هذه اللاءات بمثابة انقلاب غير مسبوق في الموقف الأمريكي نفسه, حيث ظلت الادارات السابقة جمهورية كانت أم ديمقراطية علي التزامها ـ ولو من الناحية السياسية والقانونية ـ باحترام قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة, سواء فيما يتعلق بانسحاب اسرائيل من الاراضي المحتلة عام67, أو بحق اللاجئين في العودة, أو تلك المتعلقة بعدم شرعية المستوطنات التي أقيمت فوق الأراضي المحتلة.
لا اختلف مع الذين فسروا موقف الرئيس بوش باعتباره متأثرا بأجواء حملته الانتخابية, وحرصه علي كسب أصوات اليهود وأنصار إسرائيل, لكنني أضيف أن هناك أمورا أخري ابعد من المسألة الانتخابية, في المقدمة منها قناعاته الدينية التي هي صاحبة الدور الأساسي في تحديد موقفه من إسرائيل, وهو مايدعوني إلي القول إن الرئيس الأمريكي بما فعل لم يصدر عن رغبة في التقرب إلي اليهود فحسب, ولكنه أيضا كان متصورا أنه بذلك يتقرب إلي الله, وتلك حكاية تستحق أن تروي.
قبل أكثر من عام في2003/3/11 كان عنوان غلاف مجلة نيوزويك في كلمتين اثنتين هما: بوش والرب وفي الداخل خصصت المجلة حوالي12 صفحة استعرضت فيها الجانب الايماني في حياة الرئيس الأمريكي, الذي بعد أن هداه الله وكف عن الشقاوة اعتبر نفسه من بين الذين ولدوا من جديد, وهذه ليست صفة, ولكنها عنوان لجماعة تحمل ذلك الاسم وتضم64% من أبناء الشعب الأمريكي( يقدر البعض عددهم بنحو120 مليون نسمة ويري آخرون أن هذا الرقم مبالغ فيه, وان عددهم لايتجاوز40 مليونا), وهي تقدم الرئيس بوش وفريقه ممن يوصفون بأنهم من المحافظين الجدد, وصفتهم بأنهم الأشد رسوخا في الايمان في العصور الحديثة, قائلة كأن الرئاسة تأسست ودعمت وأرشدت في ظل قوة الرب الدنيوية والروحانية, أضافت في هذا الصدد أن الرئيس بوش يؤمن بأن الإرادة الالهية تحركه وتبارك خطواته, لذلك فإنه قبل أن يترشح للرئاسة جمع نفرا من القساوسة لينال بركتهم, بعدما اخبرهم انه تمت دعوته لكي ينشد منصبا ارفع, ومنذ تولي منصبه وهو يتصرف كمبشر يتولي منصب القيادة, ويفسر الأحداث تفسيرا غيبيا.
هؤلاء الانجيليون الذين ولدوا مرة ثانية أصوليون بامتياز, حيث يعتبرون النبوءات التوراتية عمودا فقريا لرسالتهم, إذ من خلالها يقرأون التاريخ ويفسرون العالم, ويعتبرون أن العالم سينتهي قريبا, وأن المعركة الفاصلة التي ستكون علامة النهاية( الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية والانجليكانية تعارضها وتعتبر اطروحهاتها( هرطقة) لا تستحق المناقشة لاهوتيا), ويرون أن نهاية العالم المحققة للنبوءات التوراتية بدأت عام1948, مع انشاء الكيان الصهيوني علي أرض إسرائيل, ذلك أن تجمع اليهود علي أرض الميعاد هو في نظرهم إرادة عليا القصد منها الاعداد للمعركة الفاصلة بين قوي الخير( إسرائيل والولايات المتحدة) وقوي الشر التي تضم كلا من: العرب والمسلمين والأوروبيين وأيضا الامم المتحدة, وستنشب المعركة, حسب النص التوراتي الذي يقرأونه, في مرج ابن عامر شمال فلسطين( هرمجيدون أو وادي الملح).
في تلك المعركة سيجري تدمير الأرض, وهو مايشير إلي عودة المسيح ليحكم العالم ألف سنة, أما اليهود فما عليهم ألا ان يشهروا إيمانهم( بالمسيحية) ولو قبل دقائق من وقوع الكسوف الأخير وذلك أن يقوموا بنسف المسجد الاقصي لكي يبنوا مكانه الهيكل الثالث, تكفيرا عن انكارهم الطويل لحقيقة أن عيسي ابن مريم هو المسيح الحق,(71% من الانجيليين يؤمنون بهذا السيناريو).
الكاتبة الأمريكية جريس هالسل التي ألفت كتابين عن الأصوليين الانجيليين أو ما سمي بالصهيونية المسيحية, تحدثت في كتابها يد الله عن الحضور الإعلامي القوي لتلك الحركة في الولايات المتحدة, فذكرت أنها تملك وتشرف مباشرة علي مائة محطة تليفزيون وألف محطة اذاعة, ويتسع نشاطها الكنسي علي نحو مثير للانتباه, حيث يبشر بتعاليمها80 ألف قسيس, وفي الثمانينيات وحدها تم انشاء250 مؤسسة وجمعية دينية في الولايات المتحدة, مؤيدة لإسرائيل في اطار الرؤية الصهيونية المسيحية.
(2)
فكرة توطين الفلسطينيين خارج إسرائيل, والرفض القاطع لعودة اللاجئين, الذي دعا إليه الرئيس بوش في مؤتمره الصحفي مع شارون يوم الاربعاء الماضي, كان علي رأس جدول اعمال المؤتمر السنوي لعام2003, الذي ينظمه في واشنطن التحالف المسيحي( احدي منظمات الصهيونية المسيحية), فموضوع المؤتمر الرئيسي كان حول إسرائيل والعرب ـ وقد اختار منظموه شعارا تمثل في النص الذي ورد بالجزء33 من التوراة, الذي ينسب إلي الله تعالي قوله للنبي موسي انه أعطي بني إسرائيل حق وراثة أرض كنعان, كما ينسب إليه قوله أيضا: عليك بطرد كل سكان الأرض.. واذا لم تخرجهم جميعا أمامك, فان الذين سيبقون سيكونون كالقش في عيونكم, وكالأشواك في خواصركم, وأنهم سوف ينغصون عليكم صفو حياتكم في الأرض التي تعيشون فيها وهي اشارات لا تعني عند المؤمنين سوي شئ واحد هو: ضرورة طرد كل الفلسطينيين من فلسطين! وهو ما لم يقصر فيه المتحدثون إلي المؤتمر الذي حضره عدد من زعماء الليكود, وبعض الساسة الأمريكيين, كان في مقدمتهم زعيم الأغلبية في الكونجرس ويب توم دي لاي, إذ كان المحور الأساسي للكلمات التي ألقيت يتمثل في ضرورة تحقيق الارادة الالهية باقامة اسرائيل من النهر إلي البحر, علي أن تكون دولة يهودية صافية يستأصل منها العرب, حتي لايبقي فيها قش في العيون أو أشواك في الخواصر أما بالنسبة للقدس, فإن رئيس حزب مولدت الاسرائيلي ووزير السياحة السابق بني ألون, حسمه بعبارة احتفي بها الحضور قال فيها: إن الله هو الذي أعلن هذه المدينة عاصمة لاسرائيل, ومايريده الله لا يغيره البشر.
مؤلف كتاب الدين في القرار الأمريكي الباحث اللبناني الاستاذ محمد السماك, عرض هذه الخلفية, وعلق عليها قائلا إن خطورة هذه الحركة الدينية تكمن في أنها تجعل من السياسة الخارجية الأمريكية القائمة علي أساس دعم إسرائيل ومحاربة أعدائها, الوجه الآخر للسياسة الداخلية, كما تكمن في الايحاء بأن مساعدة اسرائيل هو واجب ديني علي كل أمريكي... وان هذا الواجب يحتم القضاء علي أعدائها, علي النحو الذي رددته رئيسة التحالف المسيحي, روبرتا كومبس, في كلمتها الافتتاحية للمؤتمر,
في الشق الذي يعنينا فإن الترجمة السياسية العقيدية التي يؤمن بها الأصوليون الانجيليون الذين يعد الرئيس بوش واحدا منهم, يمكن تلخيصها فيما يلي: احترام اسرائيل وتقديسها واجب ديني ـ يجب مساعدتها علي بسط سلطانها علي كل فلسطين بتشجيع قيام المستوطنات وتهويد الضفة الغربية( السامرا) ـ القدس جزء من الأرض الموعودة لا تنفصل عنها وإلا اعتبر ذلك تحديا لارادة الله ـ بناء الهيكل من شروط العودة الثانية للمسيح ولذلك يتعين ازالة العقبات التي تحول دون ذلك, وفي مقدمتها وجود المسجد الأقصي في مكانه ـ الايمان بحتمية معركة هرمجيدون يقتضي تعطيل مساعي التسوية والسلام لاستمرار الاضطراب في المنطقة, لأن وجود ذلك الاضطراب تمهيد لوقوع المعركة, ومن ثم التعجيل بعودة المسيح في حين أن السلام يعطل هرمجيدون.
(3)
لاءات الرئيس بوش التي أعلنها بدت مستلهمة من تلك التعاليم, بدءا من الاسراف في التمكين لاسرائيل والاستجابة لتطلعاتها وانتهاء بنسف مساعي التسوية والسلام, وغني عن البيان انه حين فعل فعلته اسقط من حسبانه تماما الفلسطينيين والعرب أجمعين, بل تعامل معهم وكأنهم غيرموجودين لا علي خريطة السياسة ولا علي خرائط الجغرافيا, وإذ تصدمنا الحقيقة المفجعة, فانها تطرح أكثر من سؤال عن سبب ذلك التغييب, وعن كيفية ايصال رسالة الغضب إلي الادارة الأمريكية.
أما لماذا ألغي الرئيس بوش العرب من حساباته, فأحد الردود علي السؤال يتمثل في كونه أسير معتقداته الدينية وحساباته الانتخابية, ولكن هناك عنصرا اخر لايمكن تجاهله يتمثل في اطمئنانه إلي ان العالم العربي صار في اضعف حالاته لاسباب عدة, في مقدمتها سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة, الأمر الذي دفع دوله إلي التسابق في استرضاء الولايات المتحدة بمختلف السبل, حتي ان التحالف مع واشنطن الذي عرفناه مسبة في الستينيات, صار الآن وساما يتباهي به بعض العرب بحمله فوق صدورهم, بل ان الادارة الأمريكية بعد تزاحم المريدين علي أبوابها أصبحت تصنفهم درجات فهذا صديق وهذا حليف وذاك حليف متين واكثر الجميع ولاء وامتثالا عد حليفا استراتيجيا وهكذا.
الخلاصة أن واشنطن اصبحت مطمئنة إلي أن العالم العربي قد تم تدجينه وتطويعه, الأمر الذي جعل دوله في حالة تجاوب مستمر مع سياساتها وأطروحاتها ـ دعك من الاستثناء ـ خصوصا أن تلك الدول ـ ولاسباب يطول شرحها ـ أصبحت معتمدة علي الولايات المتحدة اما اقتصاديا أو عسكريا, وبالتالي فلم يعد بمقدورها أن تقول لا للولايات المتحدة والشواهد علي ذلك بلا حصر, حيث تشمل المسافة بين تغيير مناهج التعليم إلي غزو العراق, وازاء شيوع حالة الانصياع وعدم الممانعة فان الادارة الأمريكية لم تنشغل بصدي لاءاتها في العالم العربي, برغم أنها في نهاية المطاف تمثل تهديدا للأمن العربي فضلا عن اهدارها للحقوق الفلسطينية, ومن مفارقات القدر فانه كما حدث في تجربة غزو العراق فإن واشنطن سوف يقلقها الموقف الأوروبي, بأكثر مايقلقها الموقف العربي, علما بأن المصالح العربية العليا في الحالتين هي الضحية وهي المضرور الأكبر.
(4)
ادري ان دعاة الانصياع والانبطاح سيسارعون إلي دعوتنا للانحناء للعاصفة و ضبط النفس والتحلي بالواقعية التي أصبحت عنوانا للاستسلام وتسويغا للهزيمة, لكننا ينبغي إلا ننصت لدعواتهم المشبوهة, ونستبعد السؤال: هل نغضب أم لا؟ لأن السؤال الذي يخطر علي بال الشرفاء وكل الوطنيين في العالم العربي هو: كيف نعبر عن الغضب ونوصل رسالته إلي الجميع؟
لأن الأمر يتعلق بالمصير العربي ومستقبل الأمة, فهناك ثلاثة مستويات للتحرك, ينبغي أن يتحمل كل مستوي مسئوليته فيها.. هناك مستوي الحكومات العربية التي لابد أن تعلن موقفا شجاعا في نقد الموقف الأمريكي, وحازما في استهجان المسلك الاسرائيلي, فما عبر به الرئيس بوش لايهدم عملية السلام فحسب, ولكنه يصادر أي امكانية لاستمرار ما يسمي بالصداقة مع العالم العربي, إذ انه باختياراته وقف بصراحة ودون مواربة في صف العداء للامة العربية, أما المسلك الاسرائيلي فلا يرد عليه إلا بوقف أي اتصالات مع تل أبيب وتجميد أي علاقات دبلوماسية مع اسرائيل, مع اعتبار دبلوماسييها في بعض الدول العربية أشخاصا غير مرغوب فيهم, إذ صاروا يمثلون حكومة من القتلة ومجرمي الحرب.
هناك ثانيا مستوي القمة العربية التي لن يكون هناك مبرر لعقدها في هذه الأجواء إذا لم تتوافق ارادات الزعامات العربية علي نقد الموقف الأمريكي بصراحة وشجاعة, وإذا لم يكن هناك استعداد لوقف أي اتصالات مع اسرائيل وطرد ممثليها في بعض العواصم العربية.
هناك ثالثا موقف الجماهير العربية التي هي مطالبة بأمرين, أولهما رفع صوت الغضب والاستهجان عاليا, من خلال منابر الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ومختلف التجمعات الأهلية الأخري, وثانيها ان تترجم تلك المشاعر إلي أفعال من قبيل التجاوب مع الدعوة التي أطلقتها النقابات المهنية المصرية لمقاطعة البضائع الأمريكية والاسرائيلية لمدة أسبوع من(4/25 إلي5/2) وان لم افهم لماذا لايكون موقفا يتجاوز هذه المدة القصيرة ـ وفي الوقت نفسه اطلاق حملة تضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للقهر والابادة بتعزيز صموده عبر تكثيف حملات اغاثته, وتوسيع نطاق التبرع لمؤسساته التي ترعي أرامل الشهداء وأبناءهم, وتحاول تخفيف وطأة الآلام والأحزان التي تزلزل الجبال الرواسي.
آفعلوا شيئا أيها السادة, فالطوفان القادم سوف يجرف الجميع بلا رحمة.
الأستاذ/فهمي هويدي