هذه قصة سمعتها من أحد المدرسين عندما كنت في المرحلة التوسطة , وها أنا بالمرحلة الجامعية وقد تذكرت القصة , وأحببت إيرادها لكم للفائدة .....................
(((( صلب القصة من كلام المدرس أما بقية الإضافات فهي منّي ))))
هناك رجل يُدعى زيد , كان زيد رجل خلوق يحب الخير للكل , وكان عابدا تقيا , ولكنه لايملك سوى قوت يومه أو أقل من ذلك , ففي أيام ينام دون عشاء ويكتفي بالغداء , أو يكتفي بالعشاء ولايحصل له سواه , ففكر ذات مرة أن يترك القرية التي هو فيها , ويذهب لأحد المدن التي كان يذهب لها الناس لطلب الرزق , لعل الله أن يرزقه , وفعلاً ذهب , وعندما وصل بدأ بالبحث عن شغل يجد منه بغيته من الرزق , ولكن لم يكن بحال أفضل من سابقتها , وذات مرة وجد إعلاناً بقرب نهاية الحكم لحاكم هذه المدينة , وأن من يريد أن يتقدم فليفعل , ولكن بشروط يجب انطباقها عليه , وشروط آخرى يجب أن يوافق عليها , فكر زيد ولم يجعل له فقره أن يفكر أكثر , فقد أتى لطلب الرزق , ولكنه لم يجد شيئاً يذكر , وهذه فرصة مثلى , ذهب زيد إلى القاضي الشرعي في المدينة , وسأله عن الشروط فأخبره , فكانت جميع شروط قبولهم به منطبقة على زيد , لكن هناك شرط يجب أن يوافق عليه زيد ليأخذ هذا المنصب , الشرط هو أن تكون مدة حكمه خمس سنوات فقط , بعدها تزاح عن المنصب , ولايحق له ترشيح نفسه مرة أخرى , وأيضاً بعد انتهاء فترة حكمه يذهب به إلى خارج المدينة في منطقة تكثر بها الذئاب ويرمونه هناك , سأل زيد القاضي : وماالحكمة من هذا القانون الظالم ؟ فأجابه : بأنه قانون المدنية منذ زمن بعيد , وأيضاً حتى يكفر الحاكم خطيئاته , مرت الأيام فعزل الحاكم للمدينة , ورمي للذئاب , ولم يكن لزيد أي خيار سوى القبول بهذا الشرط , ولحسن حظه لم ينافسه أحد لمعرفتهم بالمصير المحتم عليهم , فأخذ زيداً الحكم وجمع الناس وخطب بهم وقال :
" أيها الناس , إني مفارقكم مفارقكم , فإن لم يكن قبل خمس فبعدها , وإني لا أرجو منكم إن إلا ما أرجوه من نفسي , فاذكوا الله يذكركم , وأنتم بنعم فاشكروه عليها يزيدكم , واعلموا أنني بشر , فان أخطأت فمن نفسي , وإن أصبت من الله , وليس هناك بشراً منزه , استغفر الله وأتوب إليه "
كانت هذه أول لبنات البناء بين يدي زيد , فقد وضعها في أحسن المواضع , وفي صباح حكمه نزل إلى شوارع المدينة , وإلى سوقها فتفقد أحوال الناس , وكيف أصبحت حالهم , وكان في كل عصر من كل يوم يجتمع بشيوخ المدينة , ويطلب منهم أن يحضروا له المحتاجين من الناس , وفي موسم الزكاة , يتأكد منها بنفسه , وكان هو أول من يقوم في هذه المدينة , وآخر من ينام , فقد ملك قلوب أهل المدينة , وأحبوه على غيره من الحكام السابقون , فلم يأتهم كهذا من قبل , مضت السنين , سنة تلو سنة , فانشغل أهل المدينة , بمصير زيد , وكيف يرمون من أحسن إليهم , وأعاد لهم الأمن والأمان , أهذا جزاء المعروف ؟ إنه سهر على راحة هذه المدينة ؟ بدأ شيوخ المدينة بعمل اجتماعات , وذلك من أجل معارضة هذا القانون الجائر , أما زيداً فكل يوماً يزدادون به إعجاباً , ذهبوا إلى القاضي الذي منذ أن تولى زيداً الحكم قبل مايقارب الخمس سنوات , لم تمر عليه إلا عدد بسيط من القضايا , كانت تمر عليه في حكم السابقين بشهر , فقالوا له عن استيائهم عن هذا الحكم الجائر , فبادلهم الشعور ولكنه قال لهم إني لا أرى ماعلى وجوهنا يرتسم على وجه زيد وإنه لو طلبني أن أغير هذا القانون من أجله لغيرته , مضت بقية الأشهر وأتى الموعد لرمي زيد بين أنياب الذئاب , كان الموعد غداً في الصباح , القاضي ليس كعادته في كل مرة فهذه المرة لم ينزل إعلاناً بقرب رحيل الحاكم , وكأنه على أمل أن يطلب منه زيد إالغاء القانون , وعند عصر اليوم القبل الأخير من رحيل زيد بلا رجعة , وكعادة زيد اجتمع مع شيوخ المدينة , وفي لحظة من لحظات الصمت التي تخللت ذلك اللقاء , قام أحد الشيوخ يريد أن يتحدث عن موضوع هذا القانون , لعل زيداً يطرح عليهم فكرة إلغائه , فعندما بدأ بالحديث أدرك زيد مافي نفسه , ورفع يده بإشارة له بالتوقف عن الحديث , ثم قال : هو شرطكم , وقد وافقت عليه , فإن كنتم عليّ تحزنون , فلا تحزنوا , فإن وداعي خيراً من بقائي .
ثم قام لكي ينام , وعلى محياه ترتسم تلك الإبتسامة الرائعة , الكل أصابه الهم , فقد نام زيداً , والبقية لم يناموا , فقد أغلق عليهم باب الأمل الأخير , وطلب منهم تنفيذ شرطهم .
وفي صباح اليوم المقرر , وبعد صلاة الفجر , القاضي لايعلم كيف يبدأ بالحديث ؟ فالهم كبير , والقضية عظيمة , فبدأ زيداً واستأذنهم بالخروج من المسجد للحظات , فوافق القاضي وفي نفسه يقول : لعله لايعود , ليته يهرب , تأخر زيداً , ففرح القاضي وكل من بالمسجد فقد أزاح عنهم هماً عظيماً , فإن كانوا لن يفعلوا له معروفاً فلعلهم لا يسؤون له على أقل الأحوال , وبعد فترة عاد زيدأ وسألهم : مابال الأسواق مغلقة؟ حينها الكل بكى!!! , تعجب وطرح سؤال آخر لعله يجد الإجابة : ما بكم ؟ فقال القاضي : الآن سوف نرميك في وسط الصحراء , بن أنياب الذئاب , وأنت تسأل عن أحوال المدينة , فقال زيد : ألست حتى هذه اللحظة أنا الحاكم فيها ؟ فهي تحت مسؤليتي , وسأحاسب عنها .
قام الكل بثقل , لكي يرمون من أحسن إليهم , ومد لهم يد العون , وحتى قبل لحظات من رميه مهتم بالمدينة وأحوالها , وذهبوا به إلى خارج المدينة , وعندما خرجوا وعلى مسافة ليست بعيدة قرروا رميه , فقال لهم : أين رميتم من هم قبلي ؟ قالوا : في ذاك المكان : فقال ولم أنا هنا ؟ قال القاضي : لعلنا نردّ لك بعض ..... فقاطعه قائلاً : مكان مارميتوموهم إرموني ؟ فقال القاضي : إنه مكان بين مرتفعين مخيف و موحـ ..... فقاطعه وبإبتسامته التي لاتفارق محياه قائلاً : أنا من سيرمى ؟ ولست أنت!!
واصل أهل المدينة المسير وحين ما وصلوا إلى أعلى أحد المرتفعين , رأوا العجب , فقد قام زيداً ببناء قرية كاملة له من خدمها وحشمها وعلى أفضل طراز , بأشكال رائعة لم يرى سكان هذه المدينة مثلها , إن تلك الأرض التي قرروا رميه فيها , إنما هي جنة من جنان هذه الأرض , حينها الكل بكى , فقال القاضي : " أيها الناس إن حاكمنا زيدا , ذا بصيرة عالية , ورؤية ثاقبة , فقد حمى نفسه , فهل نجعله منا يذهب ؟ أم نلغي من أجله القانون ؟ فقال الكل : نلغي من أجله القانون , نلغي من أجله القانون .
[ انتهت القصة ]
أخي إن زيدا علم نهايته المحققة , وعلم أنه مفارق مفارق , فبنى له هذا القصر العظيم , وهذه القرية الرائعة , أخي إن كل منا يعلم أنه مفارق مفارق , ولكن حالنا سوف يكون إلى دار قرار , إلى دار إما نار تلظى , أو نعيم لايزول , فلماذا لانتعلم من زيد , فقد كسب حب الناس , وبنى له في دار قراره ما يقر بها عينه , ويسعد بها ذويه , فلماذا لاتعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً , ولآخرتك كأنك تموت غدا .
========================================
تقبلوا منّي أجمل التحيات