س :فضيلة الشيخ : كما تعلمون أن من نعم الله تعالى على هذه البلاد أنها على منهج الكتاب والسنة ، ولكن هناك من يقحم بعض المناهج أو الدعوات وربما بعض المذاهب الضالة كمذهب الخوارج أو مذهب يشتت الصف ويفرق الكلمة فهل ترون بهذا يا فضيلة الشيخ مسوغاً ؟ ج: لقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبه يوم الجمعة وفي مناسبات أخرى أن خير الكلام كلام الله ، وأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وإذا نظرنا إلى هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وجدنا أنه يريد أن تكون الأمة أمة واحدة ، لا تتفرق ولا تختلف ولا يكون في قلوب بعضها شيء على الآخرين حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك ما هو اختيار لدرء الفتنة ، وحتى أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالصبر على ولاة الأمور على ظلمهم وعلى جورهم وعلى أثرتهم واستبدادهم وأخبر أن هذا سيكون فيقال للأنصار رضي الله عنهم ( إنكم ستلقون بعدي أثرة – أي استئثاراً عليهم – فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)). وقال صلى الله عليه وسلم ( من رأى من أميره ما يكره فليصبر)) . وقال صلى الله عليه وسلم حينما سأله رجل عن بعض أمراء يسألون حقهم ويمنعون حق الرعية فقال ( اسمعوا وأطيعوا ، فإن عليهم ما حُمَّلوا وعليكم ما حُمَّلتم)). ولا شك أن مما يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم إيغار الصدور على ولاة الأمور، والحديث بما يوجب كراهتهم وبغضهم ، وذلك لأن الأمة الإسلامية يقوم أمرها على صنفين من الناس :على العلماء وعلى الأمراء ، وهم أولو الأمر الذين قال الله عز وجل فيهم : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم). قال المفسرون وغيرهم من أهل العلم : أولو الأمر هنا هم العلماء والأمراء فالعلماء قادة الأمة بشريعة الله ، والأمراء قادة الأمة بسلطان الله عز وجل فلولا العلماء ولولا الأمراء ما استقامت الأمة لأن العلماء يقودون الناس بالشريعة ، والأمراء يقودون الناس بالسلطة والتنفيذ. فإذا تكلم أحد في الأمراء أو تكلم في العلماء بما يوجب عداوتهم والحط من قدرهم ، فإن الأمة تضيع ، لأنه لا يكون لها علماء تثق بأقوالهم فتضيع الشريعة وليس لديها أمراء تثق بتصرفاتهم فيضيع الأمن ، لهذا نرى أن من الخطأ الفاحش ما يقوم به بعض الناس من الكلام على العلماء أو على الأمراء ، فيملأ قلوب الناس عليهم بغضاً وحقداً ، وإذا رأى شيئاً من هؤلاء يرى أنه منكر ، فالواجب عليه النصيحة وليس الواجب إفشاء هذا المنكر ، أو هذه المخالفة ، ونحن لا نشك أنه يوجد خطأ من العلماء ويوجد خطأ من الأمراء سواء كان متعمداً أو غير متعمد ، لكن ليس دواء المرض بإحداث مرض أعظم منه ، ولا دواء الشر بشر أشر منه أبداً ، ولم يضر الأمة الإسلامية إلا كلامها في علمائها وأمرائها ، ما الذي أوجب قتل عثمان ؟ هو الكلام فيه ، تكلموا فيه وأنه يحابي أقاربه وأنه يفعل كذا ويفعل كذا فحملت الناس في قلوبها عليه ، ثم تولد من هذا الحمل كراهة وبغضاء ، وأهواء وعداء حتى وصل الأمر إلى أن قتلوه في بيته وتفرقت الأمة بعد ذلك. ما الذي أوجب قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلا هذا ؟ خرجوا عليه وقالوا إنه خالف الشرع وكفَّروه وكفَّروا المسلمين معه ، وحصل ما حصل من الشر. فالواجب علينا أيها الإِخوة ونحن في هذا البلد ولله الحمد ، كما قال السائل بلد آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان ، وهي من خير ما نعلمه في بلاد المسلمين تطبيقاً للشريعة ، وهذا أمر مُشاهد ولا نقول إنها تامة مائة في المائة ، بل عندهم قصور كثير ، ويوجد ظلم ، ويوجد استئثار ، لكن الظلم إذا نسبته إلى العدل وجدت أنه أقل ومن الظلم أن ينظر الإنسان إلى الخطأ ويغمض عينيه عن الصواب فإذا كان كذلك فالواجب أن الإنسان يحكم بالعدل لقوله تعالى ( يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين)) سورة النساء:135 . وقال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلُوا)) شنئان يعني بغض ، ويجرم بمعنى يحمل ، يعني لا يحملنكم بغض قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله ) سورة المائدة:8. فأقول : إننا ولله الحمد في بلاد آمنة ولله الحمد والمنة ، هي خير ما نعلمه في بلاد المسلمين في تطبيق الشريعة . فالواجب علينا أن نحرص على توحيد الكلمة ما استطعنا ، وأن نجعل الخلاف الذي يقوم بيننا من باب الاجتهاد المأجور صاحبه مع حسن النية إما أجرين إن أصاب أو أجراً واحداً إن أخطأ . وأن نتناقش فيما بيننا فيما يظن بعضنا أنه خطأ حتى نصل إلى الصواب جميعاً ، وإذ علم الله من نيتنا أننا نريد الحق يسره الله ويسر لنا الاجتماع عليه ، هذا ما أحببت أن أقوله حول هذا الموضوع ، وأرى أنه يجب الكف عن نشر مساوئ الناس ولا سيما العلماء والأمراء , وأنه يجب إصلاح الخطأ بقدر الإمكان ، ولكن بالطريقة التي يحصل بها المقصود ونسلم فيها من المحذور. من إجابة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في اللقاء التاسع والثلاثون من لقاءات الباب المفتوح
منقول