العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام العامة ]:::::+ > المنتدى العام
 
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 16-08-2003, 05:10 PM   رقم المشاركة : 1
ابو فارس
( ود فعّال )
 
الصورة الرمزية ابو فارس
 





ابو فارس غير متصل

التشبيه في موضوع المسيح الدجال

التشبيه في موضوع المسيح الدجال


( لقد قراءة هذا الموضوع في أحد المنتديات العربية وأعجبني بغظ النظر عن كون كل ماورد فيه صحيح أو لا أعجبني طرح كاتبة للموضوع وتسلسل أفكارة أتمنى من كل شخص أن يبدي رأية فيه )

لماذا الرمزية والتشبيه في موضوع المسيح الدجال ؟



لنسلم أولاً بأن الغيب لا يعلمه لا الأنبياء ولا الرسل ولا الملائكة وأن الله تعالى قد اختص بعلم الغيب . وحيث أن النبوءات تدخل ضمن الغيب ولا ينتفي طابعها الغيبي إلا حين تتحقق ، فإن أحاديث الرسول صلى الله وسلم عن الأحداث المستقبلية ينبغي أن تفهم على أنها تقدم معرفة جزئية ونسبية حول عالم الغيب وأنها لا تجعل الغيب معلوماً بصورته المجسدة لا للملائكة ولا للرسول صلى الله عليه وسلم ولا للصحابة الكرام ولا لبقية المسلمين ، وأن المتاح لهم هو الإحاطة بالقضايا المجردة التي لا صور فيها . وحين يتحقق الغيب يصبح بمقدورهم تأويل النبوءة والربط بين ما ورد في الأحاديث وبين ما تحقق على أرض الواقع ، وبذلك يتيقنون من صدق الوحي ويتعلمون كيفية تجنب الأخطاء - إن وجدت - مرة بعد مرة . إن ما أثبته القرآن الكريم لبعض الرسل هو إطْلاعهم - وبالتالي إطْلاع المبلَّغين برسالاتهم - على بعض الغيب ونفي علمهم به ، وفق ما يشير إليه قوله تعالى عن الفترة التي تسبق قيام الساعة ( قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمداً . عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً . إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً ) أي أن الله يحيط ذلك الغيب بالحوافظ التي تمنع العلم به قبل تحققه . وبذلك يظل الغيب - حالة كونه غيباً - بمنأى عن علم الرسل والأنبياء وبقية البشر . والواقع أن الفهم الحرفي للنبوءات يؤدي إلى نسف هذه القاعدة من أساسها . فالظن بأن النبوءات ستتحقق بالصورة الحرفية - ونشدد على كلمة الصورة لأنها هي التي تحتوي على الغيب المستقبلي - التي وردت في الأحاديث يؤدي إلى خروج ما اشتملت عليه تلك الأحاديث عن دائرة الغيب ، ومن ثم يصبح الرسول صلى الله عليه وسلم وكل من يقرأ الأحاديث المتعلقة بالمستقبل عالماً بالغيب الذي ورد فيها ، وهو ما ينفيه القرآن الكريم . إن تحقق الصورة الحرفية التي وردت في الأحاديث من شأنه أن يؤدي إلى زوال طابعها الغيبي منذ إبلاغها للرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا يؤدي إلى إخراجها من دائرة الغيب منذ البداية . وإذا صح ذلك فإن التساؤل ينبغي أن يثور حول الكيفية التي يتم بها الجمع بين إبلاغ الرسول صلى الله عليه وسلم ومن ثم إبلاغ المسلمين بأحداث المستقبل وبين التأكيد بأنه لا يعلم الغيب إلا الله وأن ما تم إبلاغهم به يعد من الغيب الذي أُظهر لهم ولكنهم لا يعلمونه ولا يمكن أن يعلمه بشر قبل تحققه وزوال طابعه الغيبي ؟. إن ذلك يتم - في تقديرنا - عن طريق عرض صورة المستقبل بطريقة تشبيهية وتقريبية ورمزية تضمن إبلاغهم به وإطلاعهم عليه وإحاطتهم بقضاياه المجردة واقترابهم منه إلى أقصى حد ممكن دون أن يتمكنوا من العلم بصورته الحقيقية التي تدخل ضمن الغيب وتظل كذلك إلى أن يزول طابعها الغيبي عبر تحققها .

فلنأخذ من هذا الحديث أن تجسد الصورة الحرفية للنبوءات يجعلها معلومة منذ البداية ، بينما القرآن الكريم يؤكد على أنه لا يعلم الغيب إلا الله . إن ما يبقيها غير معلومة هو وجود الرمزية والتقريب والتشبيه ، بحيث لا يكون متيسراً العلم بها - مجرد العلم وليست المعايشة - إلا بعد أن تتحقق ويمكن تفسير الرمزية والتقريب والتشبيه . إن الظانين بأن النبوءات ستتحقق بصورتها الحرفية التي وردت في الأحاديث ينتظرون معايشة تحقق تلك النبوءات لا العلم بها ، فهم يتعاملون معها على أنها معلومة . إنهم لا يقبلون القول بوجود الرمزية والتقريب والتشبيه ، ونحن نقول : إنه لا بد من الانطلاق من فرضية وجود الرمزية والتقريب والتشبيه ، بحيث تجعلك الأحاديث ظاناً بصورة التجسد الحقيقية ومرجحاً لها لا عالماً بها . وإذا انطلقنا من هذه الفرضية - فرضية وجود الرمزية والتقريب والتشبيه - وسلمنا بأن القول بالتجسد الحرفي للنبوءات يتناقض مع نفي العلم بها عن جميع البشر ، فإننا قد نتفق على أنه فقط عن طريق القول بالرمزية والتقريب والتشبيه تبقى النبوءات ضمن دائرة الغيب ولا يمكن العلم بها قبل تحققها .

الآن ، بالنسبة لنبوءة المسيح الدجال فإن البعض قد يتساءل عن حديث تميم الداري الذي ذكر أنه رأى المسيح الدجال مقيداً في إحدى الجزر وأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك . وفي ضوء المنهج الذي ذكرناه فإنه يمكن فهم الحادثة التي أشار إليها تميم على أنها مما يسره الله وهيأه لـه كشيء معجز تماماً مثلما تمثل جبريل عليه السلام للصحابة في صورة رجل . وربما يكون الهدف من وقوع الحادثة هو هداية تميم للإسلام وتمكينه من نقل الحادثة للمسلمين بحيث تترسخ في وعيهم صورة المسيح الدجال التي أخبرهم عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكونون على حذر دائم من فتنته . هذا الفهم يفترض أن يزيل لدينا أي إشكال ، وإلا فإنه كان ينبغي أن نعيد التساؤل حول علم تميم وعلم المسلمين ببعض الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ، وأن نتساءل عن طول عمر المسيح الدجال وعما إذا كان حياً منذ وجود تميم إلى آخر الزمان وعن الجزيرة التي تم الحديث عنها بينما وصلت الاكتشافات إلى أعماق المحيطات وإلى الكواكب ؟.

قد يقول البعض أنه كان بالإمكان الحديث عن شيء أو جماعة أو عن بني الأصفر أو الروم أو عن دولة أو حضارة للإخبار عن المسيح الدجال ، في حين أنه تم الحديث عن رجل موصوف بصفات محددة منذ البداية حتى النهاية . ونحن نقول : إذا سلمت بالرمزية والتقريب والتشبيه وأنه عن طريقها فقط يتم الحفاظ على الطابع الغيبي للنبوءات بحيث لا يتاح لأحد غير الله أن يعلم بصورتها الحقيقية فإنك ستجد أنه لا غضاضة في أن يتم تشبيه الحضارة الغربية برجل ، والمهم هو أن يكون التأويل دقيقاً ومستوعباً لجميع جوانب النبوءة وقابلاً للأخذ والرد بشأنه إلى حين الاقتناع أو عدم الاقتناع به . أما الحديث عن شيء أو عن الروم أو عن دولة فلنتذكر أن مفاهيم التقدم والنهوض والحضارة والدولة لم تظهر عند المسلمين إلا في العصر الحديث ، وبالنسبة لبني الأصفر أو الروم فإن نبوءة المسيح الدجال لا تتحدث عن شيء لصيق بجنس من الأجناس أو قوم من الأقوام بل تتحدث عن مرحلة في حياتهم ستبدأ في فترة معينة وتأخذ شكلاً معيناً ثم تنتهي في فترة أخرى . والأهم من ذلك هو أن النبوءة تتحدث عن أعظم فتنة في تاريخ البشر ، والإتيان برمز بسيط أو تشبيه سهل كان سيؤدي إلى تجاوز الفتنة واكتشاف أمرها بسهولة . إن ما أدى إلى ضخامة الفتنة وهولها هو خفاء شخصية المسيح الدجال وعدم اكتشاف أمره إلا بعد أن تحدث الفتنة وتأخذ مداها . ويبدو أن البعض لم يدرك تماماً حجم الفتنة التي أحدثتها التجربة الغربية على مدى قرابة خمسة قرون ، ليس فقط من خلال الاكتشافات والمخترعات ، بل أيضاً من خلال استنادها إلى الإلحاد وإنكار ما وراء المادة أو تجاهله ثم تأسيس الثقافة والعلم والمعرفة والسلوك ونظام الدولة والمجتمع تبعاً لهذا المنظور المعرفي الأحادي والوصول بالأفكار الإلحادية والإباحية إلى أقصى حدودها . وكما قلنا في تأويلنا للنبوءة فإن أي كائن بشري لن يتمكن خلال بضعة عقود على الأكثر هي مدة بقائه في هذه الدنيا وباستخدام إمكانات لا تعدو أن تكون فردية وغير معجزة من الوصول إلى اكتشافات ومخترعات وإلحاد وإباحية تبلغ عشر معشار ما وصلت إليه التجربة الغربية على مدى عدة قرون وباستخدام إمكانات مجموعة من الأمم والشعوب ؟!.

ومن ناحية إيمانية بحتة فإنني أشعر بأن الله ألطف بنا وأرحم من أن نكون بعد المستوى البائس الذي وصلنا إليه لا نزال على موعد غير سعيد مع فتنة تفوق كل ما حدث ولم ولن يوجد مثلها منذ خلق آدم إلى قيام الساعة .

أخيراً ، قد يرى البعض بأن القول بالرمزية والتقريب والتشبيه ربما يسمح لآخرين بادعاء ذات الأمر بالنسبة لشخصية المهدي المنتظر . وللرد على ذلك نقول : إن الأمر مختلف . فالرمزية والتقريب والتشبيه توجد في الحدود التي تسمح بتأويل النبوءة بعد تحققها لا هدمها قبل تحققها . ونحن نوقن بأن نبوءة المسيح الدجال قد تحققت ولم تعد من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله . ولا شك بأن حجم الرمزية والتقريب والتشبيه واسع وكبير في نبوءة المسيح الدجال ، وذلك بالنظر إلى طبيعة النبوءة وكونها تتحدث عن فتنة كبرى . ورغم ذلك فإننا لا نشك بأن التقريب والتشبيه لا بد أن يوجدا في شخصية المهدي المنتظر ، وذلك في الحدود التي تجعله حتى هو غير متيقن من أنه المذكور في الأحاديث إلى أن تقع الأحداث التي تؤكد ظهوره ، وبذلك ينتهي الطابع الغيبي للنبوءة .







المسيح الدجال هو الحضارة الغربية !!



إن الأحاديث الواردة بشأن المسيح الدجال وفتنته لا تفهم إلا بإحدى طريقتين . فإما أن تفهم بصورة حرفية وأن ننتظر رجلاً حقيقياً يتسبب في فتنة حذر منها كل الأنبياء ولم ولن يوجد مثلها منذ خلق آدم إلى قيام الساعة . وإما أن ندرك أن النبوءات - وخصوصاً ما يتعلق منها بأحداث المستقبل البعيد - تقدم تصويراً تقريبياً وتشبيهياً لعالم الغيب الدنيوي .

فلننظر أولاً إلى فرص تحقق النبوءات بصورتها الحرفية التي وردت في الأحاديث . إن تحققها يتطلب حدوث جملة من الفرضيات التي يصعب قبول بعضها كما أن حدوث بعضها الآخر يتناقض مع بعض المسلمات الإيمانية ، ومن ذلك ما يلي :

- إندثار الكثير من التطورات التي شهدتها الحياة البشرية ، لكي يتحقق الشكل والمناخ والصورة التفصيلية التي وردت في الأحاديث حول نبوءة المسيح الدجال ، وهذا أمر يصعب قبوله .

- إختفاء الكتب والأبحاث والدراسات والمخطوطات التي تشتمل على الأحاديث المتعلقة بالمسيح الدجال . ليس هذا فقط ، بل وانعدام القدرة على تذكر أو العلم بتلك الأحاديث طوال الفترة التي تحدث فيها الفتنة ، حتى وإن كان المسلم يستعيذ بالله من شرها في كل صلواته !!. ذلك أن وجود الأحاديث أو وجود القدرة على تذكرها أو العلم بها كان سيؤدي إلى افتضاح أمر الدجال على الفور . فأي قارئ لتلك الأحاديث أو متذكر لها أو عالم بها كان سيجد وصفاً حياً ومجسداً للدجال ، الأمر الذي كان سيجعل ظهوره بمثابة دليل حاسم على صدق الرسالة ، وهو ما يفترض أن يؤدي إلى المزيد من الإيمان والتصديق لا الحيرة والتشكك ومعايشة أعظم وأكبر الفتن . إننا نتحدث عن أمر لا إكراه فيه ، وحتى إن حدث الإكراه فإنه لا وزر على من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان . إن حديثنا ينصب على فتنة قوامها الإغواء والإغراء وإحداث البلبلة واللبس والتشكك إلى درجة الخلط بين المسيح الدجال وبين الله !. فهل يمكن للناس - مهما قدم لهم من الآيات - أن يخلطوا بين رجل أعور مكتوب بين عينيه كافر وبين الله ، وهل يمكن لمن يقرأ الأحاديث أو يعلم أي شيء عنها أن تخفى عليه صورة المسيح الدجال التي تتجسد أمامه بشكلها الحرفي الذي ورد في الأحاديث ، بل هل نتوقع أن يؤدي ذلك إلى أعظم فتنة حدثت منذ وجود آدم عليه السلام إلى قيام الساعة ؟؟. هذه أمور بعضها يصعب قبوله وبعضها الآخر يتناقض مع المسلمات الإيمانية التي يؤمن بها المسلمون .

- إتيان غير الرسل والأنبياء بالمعجزات . وحين نفهم الأحاديث فهماً حرفياً فإن الآيات والعجائب التي نسبت إلى المسيح الدجال هي معجزات ربما تفوق ما أتى به كل الأنبياء والرسل . فهـو يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت ويحيي الآباء والأمهات ..... إلى غير ذلك . وهذه أمور تتناقض مع المسلمات الإيمانية التي ينبغي أن يؤمن بها كل مسلم .

ولإدراك حجم الصعوبات والتساؤلات التي يثيرها الفهم الحرفي للنبوءات المتعلقة بأحداث المستقبل البعيد فإنه يكفي أن نفترض أن فتنة المسيح الدجال تحققت بصورتها الحرفية التي وردت في الأحاديث وأن أحد المسلمين بعد زوال الفتنة وانقضائها حاول أن يتحدث عن أعظم فتنة واجهها المسلمون على مر العصور !!. ترى كيف سيتحدث ذلك المسلم ؟. لعله سيقول : ما أعجب المسلمين !. ظهر لهم رجل أعور مكتوب بين عينيه كافر وورد في الأحاديث وصف مفصل له ولأفعاله ، ورغم ذلك وقعوا في فتنته !!. نبههم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن الدجال أعور وأن الله ليس بأعور وأن الدجال يقول أنا ربكم بينما هم لن يروا ربهم حتى يموتوا ، ورغم ذلك خلط بعضهم بينه وبين الله !. يستعيذون من شره في صلواتهم ، ورغم ذلك عاشوا الفتنة بكل تفاصيلها !. حدثت الفتنة الكبرى بين الصحابة الكرام وتعرض المسلمون لهجوم المغول والصليبيين ولحكم الطغاة والجبابرة وانقسموا وتفتتوا واستعمُروا واكتسحتهم الحضارة الحديثة ، إلا أن ما فاق كل ذلك وما أوجد فتنة كبرى لم يشهد لها التاريخ مثيلاً كان ظهور رجل أعور مكتوب بين عينيه كافر .... .... الخ !!. عوضاً عن أن يكون ظهور الدجال وكل ملمح من ملامحه وكل فعل من أفعاله بمثابة دليل على صدق رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم عاش المسلمون أعظم مرحلة التباس وتشكك وحيرة طوال تاريخهم !!.

إن التفسير الحرفي لنبوءة المسيح الدجال يثير صعوبات وتساؤلات جمة لا تخطر بأذهان من يطمئنون إلى هذا النوع من التفسير . فلننظر في مقابل ذلك إلى الآفاق التي يفتحها التفسير التأويلي لذات النبوءة .

لقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنه لا يوجد بين خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أكبر من فتنة الدجال . والواقع أنه لو لم تكن الأحاديث التي أشارت إلى فتنة المسيح الدجال ذات مضمون تقريبـي وتشبيهي لما كان لحدوث الفتنة أي مبرر . إذ كما ذكرنا فإن أي قارئ لتلك الأحاديث كان سيجد وصفاً حياً ومجسداً للدجال ، الأمر الذي كان سيجعل ظهوره بمثابة معجزة إيمانية بدل أن يكون نذير فتنة كبرى ، إضافة إلى أن صفة الغيب كانت ستنتفي عن المضمون الذي تحمله الأحاديث الواردة بشأنه ، ناهيك عن أنه ما كان ليبقى من محل للأحاديث التي أشارت إلى أن أمر الدجال لن يُكشف إلا بعد أن تحدث الفتنة وتأخذ مداها .

إن بعض من ينتسبون إلى هذا العصر لا زالوا عاجزين عن استيعاب بعض حقائقه وتطوراته ، فكيف لو أن بعض تلك الحقائق والتطورات رُويت لمن عاشوا قبل تحققها بحوالي ألف سنة ؟!.

ثم لنفترض أن الأحاديث الواردة بشأن المسيح الدجال لا علاقة لها بالتجربة الغربية ، فهل يوجد في أحاديث الغيب الدنيوي أية إشارة أخرى لتلك التجربة ؟ وإذا كان الجواب بالنفي فهل نستطيع تفسير سبب اشتمال تلك الأحاديث على نبوءات كثيرة بشأن أحداث مستقبلية متنوعة واجهها المسلمون ، بينما لم يحظ الحدث الأهم الذي واجههم وفتنهم على مدى قرابة قرنين من الزمان بأية إشارة ؟. وحين نسلم بأن للتجربة الغربية من الأهمية ما يبرر ورودها في نبوءة فما هو تصورنا للكيفية التي يمكن من خلالها الإخبار عن تلك التجربة دون مصادمة عقول من لم يعايشوها ودون إنهاء الطابع الغيـبي للنبوءة ؟ وإذا تم إنهاء طابعها الغيـبي - من خلال عرضها دون تشبيه ولا تقريب - فما الذي يبقى من الفتنة بالنسبة لمن يعايشون تلك التجربة ، خصوصاً وأننا نتحدث عن فتنة قوامها الإغـواء لا الإكراه ؟!.

إن كل الدلائل تسند ما عرضناه حول المضمون التقريـبي والتشبيهي للنبوءات ، وهو ما ينسجم مع خصوصيات المخاطبين وخصوصيات الظروف والأحوال وطبيعة موضوع نبوءة المسيح الدجال على وجه الخصوص ([1]). ومن ثم فإنه مهما تم التشديد في الأحاديث على بشرية الدجال فإنه يفترض أنه أصبح لدينا من الأدلة العقلية والنقلية ما يجعلنا ندرك بأن هذا التشديد لا يتناقض مع القول بوجود المضمون التقريبـي والتشبيهي بل يعني أن الصورة الحقيقية لا بد أن تشتمل على معنى أو ملمح يجسد ويعكس ما تم التشديد عليه . ومن جانب آخر فإن درجة الرمزية والتقريب والتشبيه قد تختلف من ملمح لآخر في إطار النبوءة ذاتها ، والمهم هو أن يكون جوهر التأويل المطروح منسجماً مع مختلف التفاصيل ومستوعباً لها مهما تباعدت الفوارق بينها من حيث درجة الرمزية والتقريب والتشبيه . وإذا كان لنا في ضوء ذلك أن نبدأ بتأويل الأحاديث التي أشارت إلى بشرية المسيح الدجال فإننا نقول : لقد وصف المسيح الدجال بأنه رجل ([2]) أحمر قصير منحن متباعد الرجلين جعد الرأس أجلى الجبهة عريض النحر أعور . وفي تقديرنا فإنه بخلاف قضية الحوافظ التي يقصد منها حماية الصورة الحقيقية للنبوءة من الانكشاف قبل أوانها فإن الغرض من عرض هذه الصفات هو مجرد التنبيه إلى أن للمسيح الدجال مظهر مختلف وملفت . ولعله لا جدال في أن للتجربة الغربية مظهرها الملفت وأنها تختلف عن أية تجربة أخرى . ونضيف إلى ذلك أن الأحاديث تضمنت وصفاً متكرراً ومفصلاً لعينَي المسيح الدجال ، حيث أشير في العديد من الأحاديث إلى أن عينه اليسرى ممسوحة ومظلمة وطافئة ( لا يمكن الرؤية من خلالها ) وأن عينه اليمنى جاحظة ومتضخمة وملفتة . وفي تقديرنا فإن تكرار وتفصيل هذا الوصف ينبئ عن مدى أهمية ومحورية مدلوله . وحيث أن مصادر المعرفة بالنسبة لتجارب النهوض هي كالعيون بالنسبة للإنسان ، وبالنظر إلى أنه لا يوجد سوى مصدرين للمعرفة هما المصدر المادي والمصدر غير المادي ( الوحي ) فإنه يمكننا القول بأن التجربة الغربية تعترف بكل قوة بالمصدر المادي وتسرف في تبنِّيه واستخدامه بينما تنكر أو تتجاهل - وبذات القوة والإسراف - المصدر المعرفي غير المادي . فكأنها لا ترى الكون والإنسان والحياة إلا من خلال عين واحدة .

كما أن تسمية المسيح الدجال قد يكون المقصود منها الإشارة إلى أن التجربة الغربية تُنسب إلى المسيحية ، إلا أن ذلك الانتساب زائف وغير صحيح .

لقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عظم فتنة المسيح الدجال . وحين نفهم الفتنة على أنها الحالة التي يثور فيها الاختلاف الشديد والانقسام وتعارض المواقف والآراء والتوجهات وتجتمع فيها المشاعر وردود الأفعال المتناقضة من الإعجاب والموافقة والانقياد إلى النفور والرفض والمقاومـة وتحدث فيها البلبلة الواسعة والحيرة والتشكك المستمر والعميق ، ثم ننظر إلى حال النخب المثقفة بل وحال جميع المسلمين على امتـداد التاريخ الحديث فإنه يمكننا القول بأنه لم يوجد فتنة صدمتهم وأذهلتهم وشطرتهم ومزقت انتماءاتهم الثقافية ونسيجهم الاجتماعي مثلما حدث بفعل التجربة النهضوية الغربية . لقد جعلتهم يشعرون بالهزيمة ويتشككون حيال الكثير من مسلماتهم وأغرت وأسرت قسماً منهم ووصلت ببعضهم إلى ما يشبه الرق والعبوديـة بينما أثارت ممانعة وحيرة وتوجس القسم الآخر وجعلت بعضهم يتجهـون نحو الرفض والمقاومة والعداء التام .

لقد قادت التجربة الغربية نحو تغيير شكل ومضمون الحياة على وجه الأرض بصورة شبه أسطورية ، كما أن الإلحاد والبعد عن الدين لم يصبحا دليل موضوعية وتقدم ورقي ولم يصبح الإيمان والانتماء إلى الدين موضع شك واستخفاف ودلالة جهل وتخلف مثلما حدث في زمن سيادة تلك التجربة . وباختصار فإنه يمكن القول بأن التجربة النهضوية الغربية حملت أعظم التحديات التي واجهت قضية الإيمان ومجمل قضايا الدين عبر التاريخ . ولعل السؤال الذي يستحق الطرح في هذا السياق هو : هل يمكن أن يكون المسيح الدجال رجلاً وأن يتمكن خلال بضعة عقود على الأكثر وباستخدام إمكانات لا تعدو أن تكون فردية وغير معجزة من إحداث فتنة تفوق الفتنة الذي أحدثتها التجربة الغربية على مدى عدة قرون وباستخدام إمكانات مجموعة من الأمم والشعوب ؟!.

إننا نقرأ في الأحاديث أنه مكتوب بين عيني الدجال كافر يقرؤها كل مؤمن من كاتب وغير كاتب . وحيث أن الأمي لا يقرأ فإن المقصود هو التأكيد على أن كفر المسيح الدجال ظاهر وواضح حتى لغير المتعلمين . والواقع أنه لا أحد يجهل أن التجربة الغربية قامت ولا زالت تقوم على القطيعة مع الدين . بل إنها تؤلِّه المصدر المعرفي الذي تستند إليه وهو الطبيعة ، وقد ورد في الأحاديث أن المسيح الدجال يبدأ فيقول أنا ربكم وأن بعض المفتونين يعاملونه معاملة الإلـه .

أما مكان خروج المسيح الدجال فقد أشارت بعض الأحاديث إلى أنه يخرج من خراسان ، وأشارت أحاديث أخـرى إلى أن لـه خروج من طريق أو منفذ بين الشام والعراق وأنه يعيث يميناً وشمالاً . وفي ظل طابع التقريب والتشبيه الذي يشتد كلما تعلق الأمر بقضايا الزمان والمكان فإننا نعتقد أن للتحديدات المكانية هنا دلالة تقريبية وتشبيهية عميقة يقتضيها الحفاظ على الطابع الغيـبي للنبوءة . وحين نتذكر أن التجربة الغربية خرجت من مجموعة من المدن الأوروبية في عدد من الدول بعد أن شهدت تلك المدن نشاطاً ثقافياً واسعاً وأنجبت عدداً ضخماً من العلماء والمفكرين والأدباء والكتاب ، فإن منطقة خراسان التاريخية كانت أكثر المناطق شبهاً بهذا الجو والمناخ وأكثرها قرباً من صورته ، فقد كانت تتشكل من أجزاء من إيران وأفغانستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان وكان بها عدد من أشهر المدن الثقافية الإسلامية مثل مرو وبلخ ونيسابور وبخارى وسمرقند ومنها خرجت أكبر مجموعة من العلماء والمحدثين والمفكرين والأدباء على امتداد التاريخ الإسلامي . أما بالنسبة لخروج المسيح الدجال الذي يحدث من طريق أو منفذ بين الشام والعراق فنعتقد أن ذلك يشير بصورة تقريبية وتشبيهية إلى الوجود الإستيطاني المسلح الذي غرسته ودعمته وغذته التجربة الغربية في فلسطين ، باعتبار أن أرض فلسطين هي أشبه بالطريق أو المنفذ بين الشام ومصر وبين آسيا وأفريقيا . وهذا الطريق أو المنفذ لا يكاد يوجد ما هو أقرب منه إلى المكان الذي يشير إليه الحديث .

وورد في الأحاديث أن المسيح الدجال يخرج في خفة من الدين وإدبار من العلم . وقد ظهرت التجربة الغربية حين كان المسلمون في وضع ديني وعلمي شديد التواضع .
كما ورد في الأحاديث أن المسيح الدجال لا يطأ مكة وطرقات المدينة . ولعل تجسيد ذلك يتمثل في عدم خضوعهما للاستعمار وعدم دخول غير المسلمين إليهما .

وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كثرة اتِّباع اليهود للدجال . ولعله لا جدال في أنهم أكثر المتبنين للتجرية الغربية من غير الغربيين ، ولا جدال أيضاً في أنهم أكثر المستفيدين منها .

كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يشتد افتتان النساء بالدجال ، وفي صورة تقريبية وتشبيهية أشار الرسول إلى أنه يبلغ من هذه الفتنة أن الرجل يعمد إلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها مخافة أن تخرج إلى الدجال .

وورد في الأحاديث أن المسيح الدجال يحقق ما يشبه المعجزات والخوارق . وفي تقديرنا فإن صورة ذلك تتمثل في المخترعات والمكتشفات التي ميزت التجربة الغربية ووفرت لها إمكانات هائلة في استثمار موارد الأرض وتسخير طاقات الكون . لقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن من فتنة المسيح الدجال أنه يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت وأنه يمر بأهل الحي فيكذبونه فلا تبقى لهم دابـة إلا هلكت ويمر بأهل الحي فيصدقونه فتحل عليهم الكثير من النعم ، وأنه يحيي الآباء والأمهات - ربما من خلال التصوير - كما أنه يمر بالخربـة فيقول لها أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل . ولعل ذلك يشير إلى استخراج البترول وسائر المعادن من الصحارى والوديان والقفار .

كما أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن سرعة المسيح الدجال كالغيث استدبرته الريح وأنه يطوي الأرض كطي الفروة . ولعل وسائل المواصلات تمثل تجسيداً لذلك .

وأشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن من فتنة المسيح الدجال أنه يركب حماراً ما بين أذنيه أربعين ذراعاً . ولعل الطائرة وما بين جناحيها من مسافة تمثل تجسيداً لذلك .

وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من فتنة الدجال أن معه جنتان أو واديان أو نهران أحدهما أو إحداهما جنته والآخر أو الأخرى ناره . والواقع أنه يمكن التمييز في إطار التجربة الغربية بين العلم والفلسفة كعنوانان ومساران واضحان لكل العطاءات التي حملتها تلك التجربة . فإذا اعتبرنا أن النار ترمز إلى الوقـود الذي يسيِّر تلك التجربة والمتمثل في العلم وسائر صنوف العطاء والبذل الإنساني - وهي أعمال مرهقة ومضنية - وأن الجنة ترمز إلى المتع والملذات وفلسفة الوجود والحياة من منظور تلك التجربة فإنه يمكننا فهم سبب توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤمنين بدخول نار المسيح الدجال وتجنب جنته .

ونتوقف عن تأويل أية أحداث مستقبلية تخص فتنة المسيح الدجـال ، نظراً لصعوبة تحديد طبيعة التقريب والتشبيه ودرجتهما مالم تتحقق تلك الأحداث على أرض الواقـع . ورغم ذلك فإنه يهمنا أن نشير إلى ما ورد في بعض الأحاديث من أن عيسى عليه السلام سوف يقتل المسيح الدجـال . فنحن نرجح أن ذلك يرمز إلى ما ستحدثه عودة عيسى عليه السلام من انتهاء جاذبية وشيوع المضمون السلبي الممقوت في التجربة الغربية ، وعلى رأس ذلك مادية الفكر وإباحية السلوك .[/ALIGN]










 

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:05 AM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية