يحي أبوزكريا
3/11/1423
تعيش دول شمال أوروبا وهي السويد والنرويج وايسلندا والدانمارك وفنلندا شبح الانتحار المنتشر بين صغار السن والشباب على وجه التحديد، وتحاول مختلف المؤسسات الاجتماعية والنفسيّة دراسة هذه الظاهرة المتفشيّة وسط الشباب في محاولة لوضع حدّ لها, وكان الاعتقاد السائد أنّ موجة الانتحار في دول شمال العالم تكثر في فصل الشتاء، حيث الغياب شبه الكامل للشمس والظلمة الحالكة والبرودة غيرالمتحمّلة , غير أنّ دراسات عديدة عن ظاهرة الانتحار -صدرت في السويد والدانمارك- أشارت الى أنّ عدد المنتحرين في فصل الشتاء مساوٍ لعدد المنتحرين في فصل الصيف أو بقيّة الفصول، وحسب الدراسات عينها فإنّ المنتحرين لا يعانون إطلاقا من مشاكل ماديّة, إذ إنّ الحكومات في شمال العالم تقدم دعما كبيرا للطالب الشاب وصغار السن، والأغرب من كل ذلك فأنّ جريدة أفتونبلادت Aftonbladet السويدية الذائعة الصيت نشرت موضوعا يتحدث عن تفكير مئات التلاميذ في المدارس السويدية في الانتحار, وهي المعضلة نفسها السائدة في بقيّة دول شمال العالم, والذين ليس لهم الجرأة على الانتحار بدأوا يميلون إلى تعاطي المخدرات بمختلف أصنافها والتي تؤكّد دراسات سويدية جديدة أنّ المخدرات بدأت تروج بشكل فظيع في دول شمال العالم, وتذهب الدراسة نفسها إلى القول إنّ بعض المدن السويدية التي لا يتجاوز عدد سكانها المائة ألف نسمة، فإنّ نسبة الأطفال فيها والذين يتعاطون المخدارت دون سن الرابعة عشرة جاوز 17بالمائة، والدراسات التي حللت نفسية المنتحرين وقدمت ماكتبه المنتحرون من رسائل يبررون فيها إقدامهم على وضع حدّ لحياتهم, كشفت أنّ اسباب الانتحار موزعة بين التيه والضياع, الرتابة والملل, الفراغ, خيانة الحبيبة والعيش بلا رفيقة أو رفيق, وبعبارة أخرى كما يقولها باحث نفساني من فنلندا هو الفراغ الروحي الدافع الأساس إلى هذا الانتحار، ويستدل على ذلك بقوله إنّ معظم المنتحرين لا علاقة لهم بالدين، ولا يترددون على الكنيسة ولا يؤمنون بخالق لهذا الكون .
وتبينّ الدراسات مجتمعة أنّ الأجيال المهاجرة بدأ يسود بينها الانتحار والمنتحرون الذين هم من خلفيات مهاجرة أو هم مهاجرون بالأساس تختلف مبررات انتحارهم عن مبررات انتحار المواطن السويدي والدانماركي والفنلندي وغيرهم من مواطني شمال العالم، ويلجأ العديد من الإيرانيين والعراقيين والبوسنيين والعرب إلى الانتحار في مراكز اللجوء بعد أن ترفض طلبات لجوئهم السياسي أو الإنساني، أو اللجوء لاعتبارات أخرى ويطلب منهم الاستعداد للرحيل, وحتى لا يتم إجبارهم على الرحيل ينتحرون والبعض يتظاهر بالانتحار جلبا للشفقة والرحمة، حتى يبقى في موطن ينتحر مواطنوه الأصليون، ولأجل إعطاء معنى لحياة الناس في شمال العالم، وإعادة تفعيل دور الدين في المجتمع تطالب الأحزاب المسيحيّة السياسية ذات الصبغة الدينية المسيحيّة بإعادة تدريس الديانة المسيحية بشكل رسمي وإلزامي في المدارس، وهذه الدعوة يتبنّاها الحزب الديموقراطي المسيحي في السويد وجلّ الأحزاب المسيحية في بقية دول شمال العالم .
والمفارقة في الدراسات التي وضعت في دول شمال العالم لبحث موضوع الانتحار أشارت إلى لجوء أشخاص يتمتعون بمستويات ثقافية عالية بما فيهم كتّاب ومبدعون إلى الانتحار، ومنهم الكاتب السويدي الشهير "وليام موبيري" الذي وضع حدّا لحياته بعد أن أصبح عاجزاً عن الإبداع والكتابة كما قال في وصيته .