أخواتي..
من منكن من ترغب في ألا يطول مقامها في هذه الحياة الدنيا بعد رحيل زوجها عنها، لتلحق به سريعا؟
لاشك في أنه مهما بلغ حب الزوجة لزوجها، فإنه قلما يبلغ حدا تتمنى فيه أن تموت سريعا بعد موته.
اقرأن معي هذا الحديث الشريف:
أخرج الشيخان (البخاري ومسلم) عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا ". قالت: "كنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش، وكانت امرأة قصيرة، ولم تكن بأطولنا، فعرفنا حينئذ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد طول اليد بالصدقة، وكانت زينب صناع اليدين (ماهرة) فكانت تدبغ، وتخرز، وتتصدق به في سبيل الله".
ولنتأمل أخواتي في الكلمات التالية:
1- "فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نمد أيدينا في الجدار". وفي هذه العبارة دلالة على أن هذا العمل من أمهات المؤمنين كان متكررا "إذا اجتمعنا في بيت إحدانا" ولم يقمن به مرة أو مرتين أو ثلاثا فحسب، وتكرارهن هذا العمل يشير بوضوح إلى شوقهن للحاق بالنبي المصطفى الحبيب صلى الله عليه وسلم.
2- " نتطاول " وهذه الكلمة تصور أمهات المؤمنين وكل منهن- رضي الله عنهن- تمد يدها عاليا، وربما تدوس بأصابع قدميها وترفع كعبيها لتزداد طولاً. وهذا يعني أنهن كن- رضي الله عنهن وأرضاهن- يتنافسن في أن تكون كل منهن هي المعنية بقوله صلى الله عليه وسلم : "أطولكن يدا" أي أنهن يتنافسن على الموت أولاً.
فهل بين الأرامل الضرائر اليوم من تتمنى أن تكون أول من تموت لتلحق بزوجها وتترك لضرائرها الحياة وما فيها؟.
3- "فلم نزل نفعل ذلك " إشارة أيضا إلى استمرار قيامهن بذاك التطاول؟ يدفعهن إليه الشوق للقيا الحبيب واللحاق به صلى الله عليه وسلم دون أن يخفف من هذا الشوق مرور الأيام، أو يشغلهن عن ذاك التطاول مشاغل الحياة.
4- "فعرفنا حينئذ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد طول اليد بالصدقة" ونفهم من هذه العبارة حكمة جهلهن بمراد النبي صلى الله عليه وسلم من "طول اليد"، فلو أن أمهات المؤمنين عرفن مراده منذ وفاته لما أبقت الواحدة منهن شيئا لنفسها تأكله، إذ لن يكون تسابقهن عندها بتطاولهن ومد أيديهن في الجدار، إنما سيكون بتسابقهن في الصدقة تسابقا غير عادي؟ تسابقا يحرمهن من أساسيات لا استغناء عنها، إلى حد قد يهلكن أنفسهن فيه. فلقد وجدنا أمهات المؤمنين متصدقات باذلات وهن لم يعرفن بمراد النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف لو عرفن بمراده صلى الله عليه وسلم؟
فأي حب أكظم من هذا الحب؟! وأي شوق أقوى من هذا الشوق؟
وأي أثر أعمق من هذا الأثر الذي تركه النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس أزواجه؟! وأي ذكرى أجمل، وأسمى، وأحب من هذه الذكرى التي تحملها أمهات المؤمنين لإمام المرسلين، صلى الله عليه وسلم؟
منقول من كتاب (رساله الى مؤمنه)