بعد الحاجات الضرورية لبقاء الإنسان، كالهواء والماء والطعام، يرى علماء النفس أن هناك حاجتين تأتيان بعد تلك الأمور الضرورية مباشرة، في طلب كل إنسان، وهما:
1- الجنس.
2- الإحساس بالأهمية..
والإنسان يطلبهما بشعور.. وبلا شعور.. وبشكل مباشر.. وغير مباشر..
وكثير من تصرفات الإنسان في هذه الحياة.. ومن سكناته وحركاته.. تطلب هذين العنصرين.. وتدور معهما.. وتدمدم حولهما..
@ @ @
ومن أكثر الأشياء التي يطلبها الناس في هذه الحياة، المال والجاه، وهما يؤديان إلى تلك الحاجتين، مجرد سببين للجنس والإحساس بالأهمية، وإلا فإنه ليس لهما قيمة في ذاتهما، فالمال مجرد ورق، أو فضة وذهب، أو أرصدة وأرقام، والجاه مجرد شعور معنوي، وصلاحيات، وتعب ونصب وتكليف في الواقع، ومسؤوليات جسام، حسب مدى الجاه، ولكن الإنسان يطلب المال والجاه بشكل ملح، وتقوم حولهما حروب طاحنة، بادية وخافية، حارة وباردة..
@ @ @
وسوف نقصر حديثنا على الإحساس بالأهمية كحاجة لدى الإنسان، فإنه يطلبه الكبير والصغير، المرأة والرجل، الغني والفقير، على اختلاف في الكم والكيف، واتفاق في الطلب..
ولو أخذنا خصلة اجتماعية راقية جداً هي (الاحترام) لوجدنا الاحترام تعبيراً عن أهمية الإنسان الموجه إليه هذا الخلق الكريم، علماً بأنه لا توجد حياة اجتماعية سليمة، ولا حياة أسرية سعيدة، ولا أجواء عمل منتجة، ولا حضارة إنسانية بدون توفر ذلك العنصر الثمين: الاحترام..
@ @ @
وفي سبيل الحصول على ذلك المطلب الأساسي (الإحساس بالأهمية) يسلك الناس - على اختلاف مشاربهم - فِجاحاً مختلفة، ويتخذون وسائل عديدة، منها ما هو سليم ونافع، كالعمل الجاد، والخلق الراقي، والطموح المشروع، والكرم والسخاء.
ويسلك آخرون سبلاً مضِحكة، كالخلاف لمجرد الخلاف ومحاولة لفت الانتباه وإبراز الذات على طريقة:
"خالف تُعءرَفء"..
وهي طريقة مكشوفة، كأنها شيك بلا رصيد، خاصة إذا كان الخلاف سمة الإنسان، وكان واهي الحجة، شديد اللجاج بلا روية، فإنه يدعو الآخرين للنفور منه، والسخرية، وقفل باب النقاش..
وآخرون يسلكون طرقاً أخرى لمحاولة الحصول على الأهمية، كأن يبدون غريبين في ملابسهم، أو في كلامهم وحديثهم، فهم يتشدقون، ويتظاهرون بالمعرفة، ويلمِّحُون بغموض، ونحو هذا مما هو مكشوف أيضاً، فمن الصعب خداع كل الناس كل الوقت، بل هو مستحيل وليس صعباً فقط.. وهناك من يتفاخرون تفاخراً أجوف، ويحبون أن يُمءدَحُوا بما لم يفعلوا، ويدعون أشياء وأشياء، كل هذا في محاولة يائسة لجذب الاهتمام، وصنع هالة كاذبة، تشبع جوعهم الشديد للإحساس بالاهتمام.. وذلك التفاخر الأجوف يعود عليهم بعكس ما يأملون، فيصغرهم في أعين الناس وهم يريدون أن يكبرهم، ويحقرهم وهم يريدون أن يقدرهم، لأنهم يكذبون والكذب من أبواب الحقارة، ثم إن الفخر كريه مقيت ولو كان ما يفخر به الإنسان صدقاً فكيف إذا كان يفخر بأشياء كاذبة؟.. فوق هذا فإن الفخر مدح مباشر للنفس و(مدح الروح سماجة) كما يقول المثل الشعبي و(مادح نفسه يقرئك السلام" كما يقول المثل الآخر، ومعناه أن مادح نفسه "ما هنا أحد!!"
وقد قيل لسقراط ما الذي لا يحسن قوله ولو كان صدقاً؟
فقال:
مدح الرجل لنفسه..
فالذي يمدح نفسه بشكل مباشر، أو حتى بشكل غير مباشر ولكنه ملحوظ، هو إنسان عطشان للاهتمام، فاقد له، فاقد لقيمته في ذاته، وأعماله الحقيقية لا تُؤَهله للمديح الحقيقي أو الإحساس بالأهمية، لذلك يمدح نفسه بصوت عال، وكأنه الذي يصرخ من الألم، ولكن الكلام هنا مكان الصراخ، والألم المعنوي من الإحساس بفقدان الأهمية، مكان الألم الجسدي..
@ @ @
والاستكبار والزهو والخيلاء أساليب سخيفة جداً لصنع اهتمام من الآخرين مفقود، فما المستكبر في أعماقه إلا إنسان حاقد على الناس لأنهم لا يولونه الاهتمام الذي يعتقد أنه يستحقه، مع أنه في الواقع لا يستحقه، ولكنه يرى في نفسه ما لا يراه الناس فيه، وما ليس موجوداً فيه، والناس يرون فيه غير ما يرى، يرونه على حقيقته..
الكبر محاولة يائسة لجذب الانتباه، والإحساس بالأهمية والاهتمام، وهي محاولة فاشلة، بل قاتلة، تقتل سمعة صاحبها وتصيبه بالمقت والبغض وتجعلهُ يُبغض الناس ويبغضونه.. والدين والعقل والخلق القويم وطبيعة الاجتماع البشري كلها تذم الكبر والفخر والخيلاء فهي تدل على السوء والنقص ومحاولة ازدراء الناس ووضع النفس فوقهم بدون أي وجه حق..
وقد قال الله عز وجل:
{ولا تُصَعِّرء خدك للناس ولا تمشِ في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كُلَّ مختالٍ فخور، واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصواتِ لصوتُ الحمير}.
الآية 19من سورة لقمان.
وقال سبحانه وتعالى:
{كذلك يطبع الله على كل قلب متكبِّر جبار}.
الآية 35من سورة غافر.
وفي الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا يدخل الجنة مَنء كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر" فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنة؟
قال: "إنَّ الله جميل يحب الجمال، الكبرُ بَطَرُ الحق وغَمءطُ الناس".
بطر الحق: هو رده ودفعه..
وغمط الناس: احتقارهم.
وقال صلى الله عليه وسلم:
"من تواضع فهو في أعين الناس عظيم، وفي نفسه صغير، ومن تكبر قصمه الله وقال: إخسأ، فهو في أعين الناس صغير، وفي نفسه كبير".
وقال:
"إياكم والكبر، فإن الكبر يكون في الرجل وإن عليه العباءة"
أي يكون حتى في الفقير..
وهناك أحاديث كثيرة في النهي عن الفخر..
@ @ @
إن المرأة تحتاج إلى الأهمية بالنسبة لرجلها بشكل حاد، ودائم وإهمال رجلها لها يقتلها..
وإذا استطاع الرجل جعل امرأته تحس بأهميتها عنده فقد أسعدها وأسعد نفسه، لأنه حين يسعدها سوف تكون ممتنة له، محبة، ساعية لإسعاده، وإذا أرادت المرأة إسعاد رجلها قدرت على ذلك، وإذا أرادت اشقاءه فهو أسهل عليها، وكله بإذن الله عز وجل، ولكن الذي نريد قوله هو أن الإحساس بالأهمية حاجة ملحة جداً عند المرأة، ولها تلبس وتتزين وتحافظ على جمالها وقوامها وكلامها بكل السبل، فمن حق زوجها عليها أن يطريها ويغليها ويُلبّي لها تلك الحاجة الملحة وهي الحاجة إلى الأهمية وألا يتركها تموت ظمأ إلى الاهتمام فقد تجد من يشعرها بأهميتها غيره، وهنا تكون الكارثة..
إن شعار المرأة:
اقتلني ولا تُهءمِلني
للكاتب عبد الله الجعيثن