لماذا يا أنتم؟
تُحاصرني الكثير من الأسئلة، وتلحُّ عليَّ بإصرار، فلا أجد لها إجابة. فهل أجد إجابة لديكم؟
لماذا؟
يتعمَّد البعض أن يهديك الألم
دون أن يتوقف مع نفسه لحظة
ليتخيَّل ردَّة فعلك عند مباغتة الألم لك
بل إن البعض أصبح يتلذذ بإيــلام الآخرين
ويتفنن في اختراع سُبل وطرق الألم..
لماذا؟
أصبح الفرح كلبَنِ العصفور
وكمستحيلات الزمان التي زاد عددها في هذا الزمان
نسمع به
ونقرأه في الكتب
ونتابعه في الأفلام
لكننا لا نراه
ولا نشعر به أبداً..
لماذا؟
يصر البعض على أن يؤذي نفسه بغباء
كأولئك الذين يعيشون حكايات حب من طرف واحد
وأولئك الذين ينامون على بساط الشك
والذين تغمض أعينهم ولسان المظلوم يدعو عليهم
والذين يتهاونون في أداء الفرائض
برغم إيمانهم بالموت والقبر والآخرة..
لماذا؟
يتغابى البعض لدرجة تثير الشفقة
فيصمتون عندما يكون الصمت إهانة
ويبتسمون عندما تكون الابتسامة شكلاً من أشكال الذل
ويقتاتون الغباء بشكل قاتل
ويستهينون بما لا يجب الاستهانة به من الأمور التي تتعلق بحياتهم ومستقبلهم..
لماذا؟
لا يدرك البعض
أو يتعمَّد أن لا يدرك أنَّ السرقات الأدبية
لا تختلف عن غيرها من السرقات الأُخرى
بل قد تكون أبشع وأمـرّ..
لأن السارق يرتكب جريمة بشعة في حق نفسه وفي حق المسروق
فهو يُعرِّض نفسه لفضيحة كبرى في حال اكتشاف أمره
ويُعرِّض غيره للألم لأنه يسطو على أحاسيسه الخاصة ويسرق أحلامه
وكم أتمنى أن يقرأ هذه الفقرة أولئك الذين يُدخلونني في حالة من الألم والحزن والغضب
كلَّما زرت المنتديات الأدبية ورأيت كتاباتي وأحاسيسي منسوبة إلى سواي بقصد وتعمُّـد.
لماذا؟
وصل أهل الفن إلى هذه الدرجة من السقوط والانحطاط
ومازالوا يصرُّون على أنهم أصحاب رسالة سامية
مع أنَّ السمو لا يمتُّ إليهم وإلى أفعالهم بصلة
وأن الكثير من الأجيال قد تدنَّست وضاعت على أيديهم
فماذا ننتظر من أُنـــاس يُدمنون الكبائر والمعاصي
أن يقدموا إلى أجيالنا المقبلة.
وأي رسالة سامية قد تصدر عن محيطهم الملوث..
لماذا؟
تتباهى المذيعة حليمة بولند في أحد لقاءاتها الصحافية
بأن كل مَن يراها يُردد أمامها جملتها المشهورة:
"أبي أُمي... أبي أبوي.. أبي زوجي"
مع أنَّ الجملة انتشرت بين الناس وأصبحت تُقال من باب السخرية والاستهزاء
لماذا؟
ضاع الدور السامي والحقيقي لمعظم الاختصاصيين الاجتماعيين في المدارس
فأصبح يقتصر فقط على التفنن في إرهاب الطلبة وبــث الرعب في نفوسهم المطمئنة
وتوبيخهم على الأخطاء بدلاً من محاولة تصحيحها
والسخرية منهم بأُسلوب يبتعد كل البُعد عن التربية والتعليم
فالمعلم يهدد الطالب باصطحابه إلى الاختصاصي الاجتماعي
وكان الاختصاصي الاجتماعي، هو المرعب الموجود في المدرسة
مع أنَّ الوضع الطبيعي، هو أن يكون الاختصاصي الاجتماعي أقرب شخص في الهيئة الإدارية
والتدريسية إلى الطلبة..
لماذا؟
يظن البعض أنه سيعيش إلى الأبد
وأن الموت لن يأتيه يوماً
وأنه يملك حق امتلاك الشمس
وامتلاك القمــر
وأن في استطاعته تحريك الجبال
وتغيير مسرى الأنهار
فيدمّر كل الأشياء الجميلة أمامه
ويتحول مع الوقت إلى آلة دمار..
ولا يُكلِّف نفسه أن يقف لحظة ليتفكَّر في قوله تعالى: {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد} - (صدق اللَّه العظيم).
لماذا؟
ترفع القناة الفضائية (....)
شعار حرية الرأي
مع أنَّ معظم المكالمات المشاركة تُقطع قبل أن يُكمل المشارك كلامه
وتُعلل المذيعة انتهاء المكالمة بانقطاع الخط غير المقصود
الذي لا يخفى على المشاهد أنه مقصود..
لماذا؟
أسهمنا في القضاء على عاداتنا الجميلة
التي كنا نمارسها بمتعة وحــب
فتخلَّينا عن عادة إرسال الرسائل بالبريد واكتفينا بـ"الإيميل"
وتخلينا عن عادة التزاور والتهاتف في العيد واكتفينا بـ"المسج"
وتخلينا عن جليسنا الكتاب واكتفينا بـ"الإنترنت"
وتخلينا عن صديقنا القلم واكتفينا بـ"الكمبيوتر"
وأشياء أُخرى جميلة رحلت ولم نُكلِّف أنفسنا عناء البحث عنها وإرجاعها
على الرغم من أنها تركت خلفها ذلك الفراغ المخيف، الذي نتخبَّط فيه في لحظات حنينا الصادقة.
لماذا؟
يحتـفل العالــم
بعيــد الحــب
وعيــد الأُم
وعيد المعلِّم
ورأس السنة الميلادية
وأعياد أُخرى اخترعناها وابتدعناها
في الوقت الذي لم نعد نشعر فيه بالفرح حتى بالعيدين الحقيقيين في السنة..
لماذا؟
أصبح الهمُّ أكبر من الحزن
والحزن أكبر من الحلم
والحلم أكبر من الحنين
والحنين أكبر من البكاء
والبكاء أكبر من الكتابة
والكتابة في معظم الأحيان.. أضعف الإيمان..
وبعد أن أرعبنا الصباح:
إذا أردت أن تجيب عن هذه الأسئلة بحرية وصراحة تامَّــة
فلا تنسَ أن تغلق الأبواب جيداً
وأن تسدَّ آذان الجدران بالقطن
ثم احفر حفرة كبيرة وضع رأسك على باب الحفرة
واملأ الحفرة بإجاباتك وصوتك الخافـــت..
للكاتبة شهرزاد