لا شك أنه قد مرت بكم حكاية زرقاء اليمامة وحتما جال بخاطركم كيف أن عينيها القويتين النافذتين لا يمكن اعتبارهما عاديتين ، إذ من غير المعروف وجود كائن بشري يستطيع أن يرى على امتداد مسيرة ثلاثة أيام ، إذا وضعنا في الاعتبار تقوس الكرة الأرضية وخصائص فوتونات الضوء التي تسير باستقامة ...
قصة عمر بن الخطاب وسارية والجبل !!
كما تقول كتب الأخبار والتراجم والمؤلفات التاريخية أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان في خطبة من خطبه ثم قطعها صائحا أمام المسلمين :
يا سارية الجبل .. الجبل فغمر المسلمين ذهول شامل ، وتحركت في أنفسهم أسئلة شتى في معنى هذه الصيحة الخطابية .
وقبل أن يستفيق المسلمون من هذا الذهول المفاجئ تابع سيدنا عمر خطبته حتى أتى على آخرها .
وبعيد الصلاة اندفع إليه نفر من الصحابة والمصلين واستفسروا منه عن معنى صيحته برجل ليس بين المصلين .
فروى رضي الله عنه أنه كان في خطبته فإذا به " يرى" جبلا قد سهى عنه سارية فخاف على المسلمين و قائدهم من انسلال أعداء الإسلام إليه ، واتخاذه موقعا ضد سارية ورجاله .. فكان ما كان ..
حتما أنتم تتساءلون أين كان سارية حينئذ ؟؟
لقد كان خارج الجزيرة العربية كلها أي على مسافة آلاف الكيلو مترات .. أو مسيرة أشهر
وماذا حدث بعد ذلك ؟
بقي السؤال في أذهان الناس حتى جاء سارية ، فسئل عن معاركه حتى جاء إلى إحداها . فقال بما معناه :
بينما كنت في غمرة معركة من المعارك والاشتباك قد اتسع مداه ، إذا بهاتف يصيح بي قائلا : الجبل يا سارية .. فاستدرت يمينا وشمالا .. باحثا في الأصل عن مصدر الهاتف فرأيت جبلا منيعا ، لم أتردد لحظة في دفع المسلمين إليه واتخاذه حصنا لهم . وبالسيطرة عليه فتح الله على المسلمين وشتت أعداءهم "
أي أفق هذا الذي انكشف أمام الخليفة العظيم فدفع عن أحد جيوشه الفاتحة خطرا محتملا ؟؟
وما نوع تلك الرؤية التي أنطقت زرقاء اليمامة فتمثل لها المشهد في الذهن كأنها ترى في مدى بصرها المحدود ؟
وهل يكفي أن نقول إن هذين الحادثين التاريخيين جزء من قدرة بعض الناس على الشعور بالخطر ؟؟
وإلى أي مدى نفهم هذين الحادثين أو غيرهما هل هما جزء من ظاهرة دماغية شاملة ؟ أم أن المسألة لا تخرج عن كونها مجرد مصادفة نادرة الوقوع أوجدتها سلسلة طويلة ومعقدة من مقدمات الأحداث والأحاسيس ؟
أية حاسة من الحواس الخمس تستطيع أن تمدنا بمعرفة من نوع " قدوم شخص" إلى منزلنا أو .. من نوع " إحداث شعور" بالكآبة والانقباض في ذات اللحظة التي يصاب فيها شخص عزيز علينا ويبعد عن مكاننا مئات .. أو آلاف الكيلومترات ؟
قد يكون الإنسان سائرا فيا لطريق فإذا به – ومن حيث لا يدري- يتذكر شخصا يعرفه .. وما هي إلا لحظات معدودة ويصبح ذلك الشخص الذي لمع ذكره في الذهن واقف أمام العينين مباشرة .
·وقيسوا على هذا المثال أشياء كثيرة مما يحدث معنا
·مثلا لما تفكر بشخص معين وفجأة تلقاه يتصل عليك أو يرسل لك رسالة على الجوال احنا نقول في هذه الحالة : " القلوب عند بعضها "
أيضا نسرد لكم بعض القصص من الواقع المعاصر ....
رجل قانون اسمه كوناي ........ لحظة كوناي بالياء وليس كونان
" كان كوناي يستقل قطارا إلى موسكو حين شرع – على هدهدته – يحلم بواحد من قدامى أصدقائه " لاجشنيكوف " . رأى هذا الأخير يمد يده وينظر إليه بتضرع . و استيقظ كوناي . لم يكن قد التقى بصديقه هذا منذ عهد بعيد ، ولم يكن يفكر به كثيرا . نظرا إلى سن لاجشنيكوف ، فقد قرر كوناي بينه وبين نفسه أنه يفعل حسنا إذا ما ذهب لزيارته بلا تأخر . وعلى هذه الفكرة غط في النوم من جديد . ومن جديد أيضا تبدى له لاجشنيكوف في الحلم . في هذه المرة أمسك به صديقه من يده ، وطلب منه شيئا ودعم طلبه بمقتضيات كثيرة . ولم يتمكن كوناي من أن يتذكر بدقة ما كانت طبيعة الطلب ، لكن الإلحاف الشديد الذي اقترن به ترك فيه بالغ الأثر حتى أنه عزم على الذهاب ، بمجرد وصوله إلى موسكو لزيارة صديقه القديم بلا توانٍ .
اتجه في الحال إلى كشك لبيع الصحف يعلم أنه يستطيع الحصول فيه على دليل للعناوين . لكن الكشك كان مغلقا . وتذكر كوناي بغيظ أن اليوم يوم أحد " يعني عطلة " ومن المستحيل العثور على العنوان الحالي لاجشنيكوف "
من الواضح أن القصة لم تكتمل . ولكن ينبغي التأمل في الجزئيات السابقة :
حالة حلم ، راحة عقلية لا تعترضها الشواغل ، نهوض اسم الصديق مثل حالات التذكر المختلط بالوعي ، وتكرر ذلك وبإلحاح .
وفوق كل هذه السلسلة المنطقية كان الدكتور الكسندر كوناي من " ذوي الفكر النقدي " ومن مميزاته " الحس السليم الذي لا ميل عنده البتة إلى الصوفية " وهذه ملامح من صفاته كما وردت في التقرير الذي حرره أستاذ علم الأحياء جليرشتاين عام 1956م عن هذه الحالة التخاطرية العفوية .
المهم
" أمام كشك بيع الصحف كان الدكتور كوناي يبحث عن وسيلة لمعرفة عنوان صديقه بعد أن فقد وسيلة دليل العناوين . فماذا حدث ؟
لنتابع القصة :
" وكما لو ( كان ) بغير إرادته ، توقف كوناي ونظر إلى باب المنزل الذي توقف أمامه .
وأمكنه أن يقرأ على لوحة الباب اسم " إ. إ . لاجشنيكوف " وقدمت امرأة عجوز لتفتح له الباب ولتقوده إلى الطابق الأول .
قالت له : " لقد أتيت بعد فوات الأوان " .
كان لاجشنيكوف راقدا في نعشه . وأردفت قائلة : أتعلم لقد فكر بك قبل أن يفارق الحياة . كان يقول : لو كان الكسندر هنا لأمكنه أن يساعدني " .
وبسهولة ويسر نستطيع أن نقول أن سبب الإثارة التخاطرية ( العفوية ) في ذهن كوناي إنما يرتد إلى عملية ( الإرسال ) الملحة التي صدرت عن صديقه لاجشنيكوف والتي أنجزت نجاحها – كعملية إرسال – الحالة الهادئة القابلة للاستقبال كما يظهر من عرض كوناي ذاته لحلمه في القطار " .
قصة أخرى يرويها الدكتور ليونيد فاسيلييف
حالة امرأة –معلمة مدرسة – توهج فيها (( الحال الخاطري العفوي )) بينها وبين ابنها المريض بالسل ؛ والذي وضع في معهد كييف على بعد 300 كلم من مكانها .
وفجأة بعد مرحلة من علاج الابن شعرت المرأة ذات مساء وهي تقرأ قصيدة تربوية لماكاركنو أن تيارا كهربائيا قد اخترق جسمها تراءى أمامها ابنها الذي أنهكه مرضه ، ولقلقها المفاجئ عليه سألت عن حالته فعلمت أن ابنها فارق الحياة في تلك الساعة تحديدا .
قصص للأزواج
يروي كولن ولسون في كتابه ( الإنسان وقواه الخفية ) ما يلي
مررت بتجربتين من الاستجابة التليباتية الواضحة مع شخص آخر .فقد كنت قد انفصلت عن زوجتي الأولى لبضعة شهور رغم أنه كانت ما تزال بيننا وشائج عاطفية قوية .. ثم راح يروي كيف حدث أنه في ذات اللحظة التي أصيبت فيها زوجته بحالة تسمم غذائي تعرض هو لأعراض تشابه هذه الحالة .
التجربة الأخرى يقول :
" كنت أشعر بابتهاج غامر واضح حينما بدأت الرحلة لأن الطقس كان جميلا ولكن بعد نصف ساعة من مغادرتي سانت أندروز بدأت أشعر بانقباض غير متوقع ولم أعرف سببا واضحا له وبعد نصف ساعة سألت زوجتي لماذا كانت تبدو مجهدة محزونة فأجابتني بأنها كانت تعاني من ألم في أسنانها منذ غادرنا سانت أندروز "
والآن وبعد سرد كل تلك القصص نعود لنسأل :
هل هناك حاسة سادسة ؟
لقد ظهر من التجارب والشروح العديدة أن الحاسة السادسة ليست وظيفة محددة مثل وظائف الحواس الخمس المعروفة وإنما هي " إيقاظ لما يمتلكه الإنسان من قدرات إشعاعية – بعضها يدخل في التليباثي والبعض الثاني يستخدم في كشف المياه الكامنة تحت سطح الأرض والبعض الثالث في قدرات بعض العيون على " حرق " شيء ما .. والخ " .
ولا شك أن القارئ يحتفظ بسؤال وجيه وهو :
كيف يمكن إثبات ذلك ؟ أو في وجه آخر : كيف بإمكان أي إنسان أن يستفيد من قدراته الكامنة ؟
جوابا على السؤال الثاني يبدو لنا أن التدريب مهم للغاية في بعث القدرات الكامنة ولكن ما نفع التدريب إذا بلغت حدا بالغا من الضمور !!
وأما إذا كانت كل التجارب في هذا الحقل باطلة أو هي من صنع خيال مؤلفيها – رغم شهرتهم العالمية – فهذا يعني على بالتعيين مايلي :
لم يصل الإنسان بعد إلى فهم ملايين الموجات الكهروطيسية للتي يبثها دماغه أو يستقبلها من جهة أخرى ..
وفي أقل التقديرات : لا يجرؤ أحد على الشك في نتائج " رسام المخ الكهربائي "
وأما ما هو هذا الشيء الذي نجح الإنسان في تدوينه على الورق ، فتلك مسألة يبدو أننا مازلنا نقف على طرف من سواحل محيطها العظيم .
ولا يمكن للشك أن يتطرق إلى اعتبار " دماغ " بني البشر محطة لاستقبال والإرسال معا . وأما ما يداخلنا الشك فيه فهو قدراتنا على " وصف " طريقة لتحقيق الظاهرة في كل البشر . وربما يكون هذا جوابا على السؤال الأول .
لمن يطمع بالمزيد
لقد تم نقل الموضوع بتصرف من عدة صفحات من كتاب
هل هناك حاسة سادسة ؟
لصاحبه محمود إبراهيم الصغيري - دارالكتاب العربي
أأسف على طول الموضوع لكن ما كتبته لا يذكر أمام هذه الظاهرة العجيبة وتفاصيلها المذكورة بهذا الكتاب
أتمنى إنه يعجبكم .. ومن ناحية أخرى أن يحقق لكم بعض الإثارة
أيضا أتمنى ممن لهم تجارب في هذا الصدد من واقع حياتهم اليومية ذكرها هنا لتكتمل صورة الموضوع وسلامتكم .
العرض العادي
