لو لم أكن كوريا.. لوددت أن أكون كوريا!
عندما اشتد الاستعمار الإنجليزي على مصر، وزادت التحديات حتى سعى بعض الضعفاء إلى اتخاذ التقاليد الإفرنجية شعارا وغطاءً لهم، ذكّر الزعيم الوطني المصري مصطفى كامل المصريين بوطنيتهم الحقيقية التي هي سلاحهم، وقال مقولته الشهيرة: "لو لم أكن مصريا لودِدْتُ أن أكون مصريًّا".
وأمام الهجمة الأمريكية العنترية الحالية على العراق وخضوع الحكومات العربية لرغبات واشنطن بلا قيد أو شرط، ذكّرنا بعض الغيورين ممن أغضبهم هوان حكام الأمة بما فعله الكوريون الشماليون على طريقة "خذوا الحكمة من أفواه المجانين"، وقالوا .. "خذوا القوة والعزة من موقف الكوريين"!
وحتى يكون الصمود على درب الزعيم الوطني المصري سخر البعض أكثر من حال الأمة العربية الضعيف حتى قالوا: "لو لم أكن كوريا لودِدْتُ أن أكون كوريا"!!
فالكوريون الشماليون لم يتحدّوا واشنطن ووضعوها في موقف الدفاع فحسب، ولكنهم -كما يقول الدكتور محمد السيد سليم خبير الشئون الآسيوية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة- وضعوا سابقة جديدة في عالم ما بعد 11 سبتمبر.
ثم إن كوريا الشمالية التي تحدَّت واشنطن، وأعلنت امتلاكها سلاحا نوويا، وطردت مفتشي الأمم المتحدة، ثم انسحبت من معاهدة الأسلحة النووية، هي أول دولة صغيرة في عالم ما بعد 11 سبتمبر تقف ضد العملاق الهائج، وتتحداه لحد التهديد بتدمير واشنطن ونيويورك وشيكاغو!
والأدهى أن رد الفعل الأمريكي لم يتعدَّ الحديث عن الرغبة في حل سلمي ودبلوماسي، وفتح قنوات للحوار، ومع كل تهديد كوري -وليس أمريكيا!- تعرض واشنطن مزيدا من التنازلات والترضيات للكوريين كي يقبلوا الحوار، ويوقفوا تصعيد النزاع على عكس ما يحدث مع العراق تماما من ترضيات وتنازلات عراقية وعربية مهينة يقابلها مزيد من الصلف والشروط الأمريكية. وأصبحت مسألة المقارنة بين الموقف الأمريكي من كل من كوريا والعراق لا محل لها من الإعراب، وتثير الدهشة، وتحولت الحالة الكورية إلى حالة محل دراسة مراكز البحوث الغربية للاستفادة من دروسها مستقبلا!
فمن عجائب هذه الحقبة الزمنية ما بعد 11 سبتمبر أن دولا كبيرة أصبحت خاضعة لأمريكا ولا تعارض مشيئتها، في مقابل دول صغيرة (مثل كوريا الشمالية) تتحدّاها، ومن العجائب الأخرى أن الدول الصغيرة في عالم اليوم باتت تلعب دورا هامًّا في التأثير على القرارات الإستراتيجية في العالم ولها دور في رسم التاريخ والمستقبل، كما هي حالة قطر التي أصبحت محور التحركات الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة العربية على حساب الدول العربية الكبرى، وإريتريا التي أصبحت محور حل أو تعطيل حل الكثير من القضايا الأفريقية رغم أن هناك دولا أفريقية أخرى أقوى كانت تملك في السابق مفاتيح التحرك الإستراتيجي للمنطقة؟!
محمد جمال عرفة**