من آيات الله البينات عن بيت الله الحرام ما ورد في القرآن الكريم عن مناجاة سيدنا إبراهيم -عليه السلام-، ودعائه لربه سبحانه وتعالى: "رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُون" (إبراهيم: 37).
واستجاب الله تعالى لنبيه دعاءه، وأمره أن يؤذن في الناس بالحج: "وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيق" (الحج: 27).
ومنذ ذلك الوقت والقلوب يستبد بها هوى جارف، وحنين طاغ، وشوق لهيف إلى بيت الله الحرام، وفي كل عصر وآن كلما أحست النفوس من ذلك ريًّا، إذا بها يستولي عليها ظمأ شديد، وعطش غلاب، يطالبها بمزيد من الري، وبأضعاف من الارتشاف.
والذين رزقهم الله موهبة التعبير عن مكنون أنفسهم بالشعر، رزقهم مع الموهبة رهافة الإحساس، ورقّة الشعور، وشفافية العاطفة، ومن أجل ذلك فإنهم لم يقفوا جامدين أمام حظهم من ذلك الهوى القلبي والعشق النفسي، وإنما ترجموه بشعرهم، وعبّروا عنه في قصائدهم، فكان من وراء ذلك فيض من الشعر الإسلامي، لو تتبعنا في دواوينهم لوجدنا من وراء هذا رصيدًا كبيرًا جديرًا بالدراسة والنظر إذا ضم بعضه إلى بعض.
ولسنا هنا في مقام الإحصاء والاستقصاء، فإن لهذا مكانًا غير هذا المكان وإنما نكتفي بالنظر في شعر شاعر واحد كانت له خواطر أوحى بها الحج حين أظل الناس زمانه، واستشرفوا مناسكه وشعائره.
هذا الشاعر هو أمير الشعراء أحمد شوقي الذي سجَّل بشعره كثيرًا من خواطره في المناسبات الإسلامية، فكان شعره رقيقًا حانيًا، يمس شغاف القلوب، ويصل منها إلى الأعماق، ويجعلها تحلق في جو عبق من أريج الذكريات، يعيدها إلى الماضي الحبيب، ويجتاز بها الآماد إلى حيث العصر الذي تنزل فيه الوحي من عند الله تعالى على قلب نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم).
ولأحمد شوقي قصيدتان تتصلان بالحج اتصالاً مباشرًا، وهو لم يصغهما من وحي أدائه للفريضة، وإنما قالهما من وحي أداء غيره، فكل منهما قيل في توديع ذاهب إلى بيت الله الحرام، وإذا تجاوزنا عن هذه المناسبة الشخصية الخاصة، فإننا نستطيع أن نعدّ كلاًّ من القصيدتين تعبيرًا عن خواطر الشاعر الذاتية نحو بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة