>>[[ ما أثقل السنين حين تكون رصيداً من الآلام ]]<<
آه ما أثقل السنين وما أمر الأيام وما أطول الليالي، أيام وليال يغتر بها الجاهل وتسلب عقل اللبيب يعيش فيها الإنسان يصارع الزمان ولا يدري أن الغلبة للزمان.
آه على أيام قضيناها وآه على ليال طويناها بفرحها وحزنها مرت علينا سراعاً وقطعناها شبرا وذراعاً ثم التفتنا وراءنا لنجد رصيدا ثقيلا من سنوات العمر نعجز عن احتمالها، إنها أيام وليال مرت علينا لا نحس لها ثقلاً ولا نقيم لها وزناً فإذا بها اليوم تركض وراءنا لا تدعنا بل إنها معلقة في رقابنا تزداد ثقلاً كل يوم حتى لا نطيق حملها.
ما أثقل السنين حين تكون رصيداً ضخماً من الآلام، وما أثقل السنين حين تكون صفحات لسفر ضخم وسجل مليء بالذكرى الحزينة آه، ثم آه حين تجتمع السنون وتنقض على قلب ممتلئ بالعاطفة في لحظة من الزمان قصيرة لتنكأ جراحه وتستدعي آلامه الساكنة فتنهمر الدموع كالسيل وبدلاً من أن تخفف من الأسى تزيد لهيب القلب اشتعالاً.
آه على هذه السنين حين تمضي وتطوي معها أحباباً كنا نحسب أنا لا نعيش دون وجودهم معنا فإذا بنا نعيش من غيرهم نتجرع الأسى ونتغصص بالحسرة.
آه على سنين ذهبت وهي باقية يزيدها الإدبار إقبالاً ويزيدها الابتعاد اقتراباً فلا هي تركتنا ولا نحن ودعناها ولا نحن عشناها ولا نسيناها، فهل حين نضج بالآه وحين نصيح يا الله يا الله وحين تنهمر الدموع وتتحشرج الصدور بالبكاء، هل ينفع ذلك في رفع ثقل السنين؟! هذه السنون يا قلبي ليست أياما وليالي فقط إنها أثقل من ذلك وأعظم إنها دموع وابتسامات ووفاء وخيانات وموت وحياة إنها لقاء وفراق وأعداء ورفاق إنها وجد وفقد وعزل وذل إنها صحائف من الأعمال حسنات وسيئات، أفلا تكون ثقيلة هذه السنون؟ بلى فرحماك يا الله.
يا من غره الأمل تذكر ثقل السنين ويا من أثقله الألم ليكن عزاؤك في انقضاء الزمان.
يثقل على القلب الضعيف احتمال السنين حين تكون أيامها أحزانا ولياليها آلاما وتكون هذه السنون قاسية أبلغ القسوة حين تكون الأحزان أسراراً في القلوب لا يملك الإنسان أن يشكوها ولا لأقرب الناس له أن يعينه على حملها فتبقى هذه الأحزان تعتصر القلب حتى يشيب قبل شيب الرأس.
ما أقسى السنين حين تستدعيها الذكرى على عجل فتأتي مسرعة كأنما تنحط من عل في لحظة لم يستعد لها القلب بالتبصر ولا العقل بالحكمة ثم تصيب هذه الذكرى مقاتل القلب ويموت القلب في لحظة قصيرة ساكنة أكثر من ميتة ويا عجباً حين يكون داعي الذكرى رسولاً خفيا من رائحة مكان أو صورة في الخيال لزمان أو كلمة مرت على الآذان.
تعطيني الذكرى ولا تأخذ أبد
تحكي لي الذكرى ولا تسمع لحد
وأنا عندي كلام ممنوع
حتى عن الخاطر
لا يأخذه أمسي
ولا يقبله باكر
كتبه أخي العزيز : محمد بن سعود الجذلاني..
العرض العادي
