الهدهدُ والجنُّ وزعماءُ فلسطين
الحمدُ للهِ القائل ِفي محكم ِالتنزيل ِ: ( قـُل الحَمْدُ للهِ وَسَلامٌ عَلى عِبَادِهِ الذِينَ اصْطفَى آللهُ خيرٌ أمَّا يُشْرِكُونَ{59}) النمل .
الإخوة ُالعقلاء :
إن سورة َالنمل ِتحمل بينَ ثناياها قصة َسليمانَ عليهِ السلامُ مَعَ الهُدهدِ , ومُعظـَمُكم يَعرفـُها إن لم نقل كلـُّكم , وسأسرُدُ عليكمُ القصة َباختصارٍ شديد ,
وكما تعلمونَ فإن سليمانَ عليهِ السلامُ حينما تفقدَ الطير فقال : ( مَا لِيَ لا أَرَى الهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الغائِبِينَ {20} لأعَذبَنَّهُ عَذاباً شدِيداً أَو لأَذبَحَنَّهُ أَو ليَأتِيَنِّي بسُلطان ٍمُبِينٍ {21} فَمَكثَ غيرَ بَعِيدٍ فقالَ أَحَطتُ بِمَا لم تـُحِط ْ بِهِ وَجِئتـُكَ مِن سَبَإٍ بِنبَإٍ يَقِينٍ {22} ) سبأ .
فالهدهدُ كان قد ذهب من القدس ِإلى اليمن فقال لسليمان عليه السلام : ( أحَطتُ بِمَا لم تـُحِط ْ بِهِ وَجِئتـُكَ مِن سَبَإٍ بِنبَإٍ يَقِين ٍ)
ما هو هذا النبأ اليقين ؟ قال : ( إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ {23} وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَن السَّبِيلِ فهُمْ لَا يَهتَدُونَ{24}).
العبرة الأولى :
التي نستخلصها من جوابهِ الأول ,
وعادة ما تكون العبرة الأولى أهم من العبر اللاحقة ,
فالهدهد كان موجوداً في القدس ـ ولا نقول هو إنسٌ أو جان ,
بل هدهدٌ موجود ببيت المقدس
ومشغول فكره باليمن وأحوالها ,
وخاصة بالناس الموجودين هناك , فهم يعبدون الشمس من دون الله !
وأما نحن اليوم فمشغولون ؟
وبأيِّ أمر؟!
مشغولون بدولة فلسطينية ديمقراطية علمانية تستقي أفكارها وأنظمتها وتشريعاتها عبر صناديق الإقتراع بالإستفتاء الشعبي ؟؟!!
وحتى نحن كمسلمين ما وصلنا لعقلية ـ الهدهد ـ إلاَّ من رحم الله.
لأن ذهننا ليس مشغولاً بكيفية العمل على عودة الإسلام وتطبيقه وحمله للناس جميعاً.
والعمل على إزالة الحواجز بين الناس وبين الإسلام ,
وهي والله حواجز عظيمة تحول دون الوصول للعلاج الناجع الصحيح لإزالتها,
هذه الأمور الهامة زالت من أذهاننا, إلاَّ من رحم الله
أما زعماؤنا اليوم وقياداتنا وأصحاب المناصب فذهنهم مشغول بأمور عظيمة أعظم من فلسطين,
وأعظم من دماء الشهداء,
وأعظم من الأقصى الحزين,
وفكرهم مشغول بالأموال,
والمعاشات,
واللقاءات مع المبعوثين الأوروبيين,
والمبعوثين من بعض دول الطوق,
ومشغولون كذلك :
بالعمل الجاد الدؤوب للإعتراف بيهود وبحقهم في الوجود !
فانتبهوا إخوة الإسلام والإيمان لهذه الدروس والعبر المستخلصة منها ,
فما هي والله إلاَّ تذكرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ,
تذكرة جاء بها القرآن الكريم
وقلما ينتبه إليها المسلم عندما يقرأ القرآن ,
فمثلاً الجن خلق عجيب ,
وهو من عجيب صنع الله ,
فهو يرانا ولا نراه ,
مع أن صنع الخالق كله بديع عجيب ,
وصدق الله : ( فتبارك الله أحسن الخالقين {14} ) المؤمنون .
وللجن إمكانيات وقدرات تفوق إمكانيات البشر من نواحي معينة ,
فهم وكما جاء في قصتهم مع سليمان عليه السلام , وقصته مع ملكة سبأ ,
قال الله على لسان سليمان عليه السلام : ( قالَ يَا أيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأتِينِي بعَرشِهَا قبلَ أَن يَأتونِي مُسلِمِينَ {38} ) ـ وسليمان كان ببيت المقدس , وعرش الملكة باليمن ــ وقبل ذلك كان سليمان عليه السلام قد أرسل من قبل رسالة لهم يقول فيها : ( أَلاَّ تعلوا عَليَّ وأتـُونِي مُسلِمِينَ {31} ) فطلب سليمان من الجن أن يأتيه أحدهم بعرشها كما بين القرآن الكريم: ( قَالَ عِفريتٌ مِّنَ الجنِّ أَنا آتِيكَ بِهِ قَبلَ أَن تقـُومَ مِن مَّقامِكَ وَإِنِّي عَليهِ لَقــُوِيٌّ أَمِينٌ {39} ) ـ
هذا عفريت واحد من الجن ــ
والآن هذا الجن وهذا الخلق العجيب الذي استعدَّ بإحضار عرش الملكة من اليمن إلى بيت المقدس قبل أن يقوم نبي الله من مقامه ,
وهنا تكمن العظة والعبرة , فقد أهانهم الله سبحانه وتعالى وأذلهم ,
كيف كان ذلك ؟!
هذا ما بينه الله تبارك وتعالى بسورة سبأ : ( فلمَّا قضَيْنَا عَليْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّة الأرْضِ تأكُلُ مِنسَأَتَهُ )
لأنه وكما جاء ببعض التفاسير أن الجن بخلقه العجيب ,
وهم الذين كانوا يقعدون مقاعد للسمع بين السماواتِ والأرض,
يتنصتون ويتسمعون إلى خبر السماء ,
ويتصلون بالكهنة والعرافين مُدعين معرفة الغيب.
وهذا الخلق العجيب الذي كان يطوف الأرض شرقاً وغرباً , وشمالاً وجنوباً بطرفة عين .
وهذا الخلق العجيب وكما جاء ببعض التفاسير كانوا ساجدين لسليمان عليه السلام , فمات وهم سجود ,
وكانوا خاضعين له, لأن الله تبارك وتعالى سخرهم له عليه السلام , وكان متكئاً على عصاه .
العبرة الثانية :
هذا الجن بقي في العذاب مسخراً وخاضعاً لسليمان رغم موته !
وما علم بموت سليمان عليه السلام إلاَّ بعد أن أكلت الأرضة ـ دودة الأرض ـ منسأته ,
فكسرت العصا وسقطت فخرَّ سليمان ووقع على الأرض ميتا .
فكم من السنوات تـَطلـَّبَ هذا الأمر ؟؟
والجن لا يعلمون بل وظلوا خاضعين في العذاب المهين .
والآن أنظر أخي :
يا عبد الله لإعجاز الله سبحانه وتعالى وقد قال الله جل في علاه : ( فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلاَّ دابة الأرض تأكل منسأتـَه , فلما خرَّ تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين {14} ) سبأ .
وتعنى أن الجن لا يعلمون الغيب وحسب !
بل , ولا يعلمون الحاضر أيضاً !
هذا حال الجن العجيب !
وأما العبرة الثالثة :
فهناك خلق أغرب من الجن وأعجب ,
أنظر أخي إلى بعض عظيم خلق الله : ( قالَ الذِي عِندَهُ عِلمٌ مِّنَ الكِتابِ أَنا آتِيكَ بِهِ قَبلَ أَن يَرتدَّ إِليكَ طرفـُكَ ) ــ يعني قبل أن ترمش ! ثم رمش عليه السلام فوجد العرش أمامه ــ ( فلمَّا رَآهُ مُستقِرّاً عِندَهُ قالَ هَذا مِن فضلِ رَبِّي ليبلوني أأشكر أم أكفر, ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم {40} ) النمل .
ــ سبحان الله , ما أعظم خلق الله .
وأما أنا الإنسان المخلوق الضعيف فعاجز وناقص ومحتاج ,
ثم أقف وأبارز الله في المعاصي !
وأنا الإنسان الضعيف ,
ألجأ لغير الله سبحانه وتعالى ,
فأطلب من المَهين الوضيع المدد والنصرة !
وألجأ إليه فأعطيه الولاء ,
بدل أن أتوجه إلى الله لأطلب منه العون والمدد .
ترى لو كنت جنيـَّاً فماذا سأصنع ؟!
ولو كان بعض أهل فلسطين من العصاة والمذنبين ,
والمقبلين على أمريكا ,
والمقبلين على أوروبا ,
والمقبلين على يهود يستجدونهم للجلوس معهم للتفاوض ,
ماذا كانوا سيفعلون ؟
لربما والعياذ بالله تعالوْا على الله سبحانه وتعالى وطلبوا عرشه الأكبر والعياذ بالله .
هذا لو كانوا ـ جنـَّا ـ
فكيف يكون الحال وهم بشر ضعاف !
محاصرون, ومذلولون , ومقهورون,
لا حول لهم ولا قوة ,
لا يستطيعون التحرك بمدنهم وقراهم ,
ولا حتى بشوارعهم !
فالدخول إلى منطقة والخروج منها لا يكون إلاَّ بإذن الإحتلال,
حتى لو كان هذا الشخص من أصحاب المناصب العليا .
أمثال هؤلاء أدعياء السيادة !
الذين لا يستطيعون الخروج من خربة إلى أخرى بينهما حاجز,
إلاَّ بأمر من مجندة !
لا تملك رتباً عسكرية أو نياشين !
ولربما تكون زانية أيضا !
آهٍ ثم أهٍ ثم آهٍ :
كم أذلنا هؤلاء الرويبضات !
ورغم هذا يبارزون الله في المعصية وفي الخيانة .
فبالله عليكم لو كانوا جـِنـَّاً ؟
ماذا كانوا سيصنعون ؟
وأنت أيها الإنسان الضعيف :
يجب أن تكون لديك القناعة بأن الرزق بيد الله ,
وأن الأجل بيد الله ,
ونفسك وسكناتك وحركاتك بيد الله ,
لا تأكل ولا تشرب إلاَّ بأمر الله ,
لا ترى ولا تسمع إلاَّ بأمر الله ,
والكلمة التي تنطقها بأمر الله ,
وهي محسوبة عليك ,
فإن كانت خيراً ,
فخيراً قدمته لآخرتك ,
وإن كانت شراً
والعياذ بالله فلا تلومن إلاَّ نفسك .
فالإنسان يموت بأقل جزء من الثانية !
وهو رغم ذلك يُقبل على الله بالمعصية ,
ويطالب بما حرَّم ,
والعجيب الغريب
ورغم هذا كله أنهُ يطالب بما نهى الله عنه ,
ويقبل على عدوه بالولاء والرضا التامين ,
والمصيبة أنه يصرُّ على معصيته !
وصدق الله : ( قتل الإنسان ما أكفره {17}) عبس.
أيها الإخوة الأكارم :
سورة النمل فيها الجواب , وفيها التعليق الكافي على الأخبار التي ذكرتها لكم , والتي تناقلتها وسائل الإعلام .
وفي الختام إخوة الإيمان :
قول الله سبحانه وتعالى ومن سورة النمل أيضاً :( أَمَّن يُجيبُ المُضْطَرَّ إِذا دَعَاهُ وَيَكشِفُ السُّوءَ وَيَجعَلُكُمْ خـُلفاء الأرض أإِلهٌ معَ اللهِ قلِيلاً مَّا تَذَكـَّرُونَ {62} ) النمل .
فإن كنت مضطراً أيها المسلم في فلسطين,
أو في العراق, أو في أوزباكستان, أو في الشيشان ِ, أو في أفغانستان, أو في أي مكان ,
فمن يجيب المضطر؟ إنه الله , ولا أحد سواه , فإنه لا ملجأ منه إلاَّ إليه .
ومع كل هذا السوء الذي نحن فيه :
سيجعلنا الباري خلفاء الأرض إن صبرنا واحتسبنا أمرنا عنده .
وقد نهانا أن نجعل معه إله آخر, أإلهٌ مع الله ؟!
فهل أمريكا تجيب المضطر إذا دعاها أحد ؟!
أم أنها تكشف السوء ؟!
أم بيدها أن تجعلنا خلفاء الأرض ؟!
فالمسلم التقي النقي المخلص الورع يقول لا , وألف لا ,
لا لمبادرة سلام عربية تعيد الحقوق ,
لأنها لن تقربنا من الله زلفى ,
ولن تجعلنا خلفاء الأرض ,
ولن ترزقنا ,
ولن تعِزَّنا ,
ولن تنصرنا ,
ولن تغيث مكروباً ,
ولن تجير محروماً ,
وإنما تزيدنا ضغثاً على إبالة .
ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم .
ولكن حكامنا ولا نستثني منهم أحداً يقولون: نعم .
لأنهم ما وُجدوا أصلاً إلاَّ ليحولوا دون عودة الإسلام السياسي ومطاردة حملته .
وللأسف فهناك أيضاً من هم من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا وقد وُلـُّوا علينا جبراً عنا ,
يقولون ما ينادي به أسيادهم من الكفار المستعمرين ,
فهم لسان حالهم ومقالهم !
وهم يُصرون على اعتراف من الجامعة العربية ,
حتى يكونوا أصحاب حكومات شرعية في بلاد العرب والمسلمين ومعترف بهم ,
فقالوا :
نعم للشرعية الدولية
نعم : للديمقراطية والعلمانية ,
نعم لقرارات مجلس الأمن المتعددة ,
وهيئة الأمم الطاغوتية ,
نعم : لإستفتاء شعبي بمظلة التعددية الحزبية .
نعم : للصلح مع المحتل ,
نعم : للدولتين ,
نعم : للمصالح الوطنية !
فهم يكونون بهذا قد جاهروا الله بالمعصية بذريعة أنهم مضطرون !
ونسوا أو تناسوا:
أن الله هو وحده الذي يجيبُ المضطر,
وهو وحده الذي يكشف السوء ,
وهو وحده الذي يجعلنا خلفاء الأرض ,
وهو وحده الذي له الحكم والأمر وإليه ترجعون .