حكم الإسلام في القومية والوطنية
حتى نصدر حكما على فكرة ما،
يجب علينا أولا أن نفهم معنى هذه الفكرة وواقعها والغاية التي تهدف إليها ،
وبعد ذلك نصدر حكمنا من خلال الاسلام على تلك الفكرة.
فما هو معنى فكرتي القومية والوطنية، وما هو واقعهما، وما هي غايتهما ؟
اما القومية، ففي اللغة العربية "قوم الرجل : شيعته وعشيرته" هكذا في لسان العرب لابن منظور.
ولكن في الاصطلاح الحديث هي ترجمة لكلمة nationalism المستعملة في اللغات الأوروبية.
وهذا الاصطلاح الحديث دخيل على اللغة العربية، ودخيل على فكر المسلمين.
وبناء علي اصطلاح الأوروبيين هذا،
فهي تعرض على أنها رابطة للمجتمع تربط بين مجموعة من البشر يشتركون بخصائص وصفات مشتركة.
فما هي العناصر التي تؤلف تلك الخصائص والصفات؟
لم يستطع أصحابها أن يتفقوا على مجموعة العناصر التي تشكل "القومية"
ولا أن يحددوا مدلولها بشكل منضبط.
فمنهم من قال إن مقومات القومية هي الدين،
ومنهم من قال هي العادات والتقاليد المشتركة،
ومنهم من قال هي اللون أو العرق البشري،
ومنهم من قال هي المنطقة الجغرافية،
ومنهم من جمعها كلها،
ومنهم من جمع بعضها ورفض البعض الاخر.
وإذا نظرنا إلى هذه العناصر :
اللغة
والرقعة الجغرافية
والتاريخ المشترك
والمصالح المشتركة...
نجد أنها نتائج وليست سببا.
إنها نتائج توجد عند الناس الذين تكون بينهم رابطة تربطهم،
وليست هذه العناصر هي التي تشكل الرابطة.
الذي يوجد الرابطة بين الناس هي وحدة أفكارهم،
وخاصة الأفكار الأساسية.
ولتوضيح ذلك نأخذ المجتمع المكي قبيل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.فقد كانت قبيلة قريش تشكل المجتمع المكي (كان هناك ناس من قبائل أخرى ولكن كانوا تبعا لقريش ويحملون الولاء لها ).
هذه القبلية كانت ذات لغة واحدة، وتاريخ واحد ورقعة جغرافية واحدة، وعرقية عصبية واحدة، ومصالح مشتركة.
وكانت في الوقت نفسه تحمل أفكارا مشتركة.
جاء الاسلام ولم يتعرض إلى لغتهم ولا تاريخهم ولا عرقيتهم ولا جغرافيتهم ولا مصالحهم ،
وإنما تعرض لشيء واحد، هو أفكارهم بدءا بالعقيدة الأساس، مرورا بالعقائد الفرعية وصولا إلى سلوكهم وقيمهم
ومقاييسهم ومعاملاتهم.
بعد مدة حصل انشقاق في المجتمع المكي : فريق مسلم وآخر مشرك.
وهاجر قسم من المسلمين إلى الحبشة
وصبر قسم آخر على الأذى والمقاطعة،
ثم هاجروا إلى المدينة.
ثم وقعت حروب طاحنة بين الفريقين.
لماذا حصل الانشقاق؟
مع أن كل العناصر التي يزعمون أنها تشكل الخصائص والصفات التي توجد الرابطة موجودة ،
ما عدا عنصر الوحدة الفكرية؟
ثم بعد فتح مكة ودخول قريش إلى الاسلام عادت الوحدة الفكرية إلى المجتمع المكي،
ولكن هذه المرة على أساس الاسلام ومفاهيم الاسلام، فعادت اللحمة إلى مجتمع مكة من جديد.
وهذا المثال الواضح يرينا أن الذي يوجد الرابطة والوحدة والاندماج والانسجام هو وحدة الأفكار.
وكلما ازدادت نسبة الأفكار لمتفق عليها في المجتمع قويت الرابطة واشتدت أواصرها،
وكلما ازدادت نسبة الأفكار المختلف عليها تشقق المجتمع وتفكك.
ولا نظن أن شخصا عاقلا نزيها يماري في هذا الرأي.
إن فكرة القومية التي انتشرت في بلادنا هي القومية العربية فلنلق الضوء عليها بشكل خاص.
فالقوميون العروبيون يرون أن "العرب" يشكلون "أمة واحدة" مستقلة عن غيرها من الشعوب والأمم،
فهم "أمة عربية" وليسوا "أمة اسلامية" ولا جزءً من "أمة اسلامية"،
إذ لا وجود "لأمة اسلامية" بنظر هؤلاء.
ويرون أن الرابطة التي تجمع هذه "الأمة" هي اللغة العربية بشكل أساسي.
فما هو الموقف الشرعي من تلك الفكرة؟
إن النظرة النزيهة إلى التاريخ لا تحتاج إلا إلى قليل من الوعي حتى تدرك أن اللغة العربية لم تكن يوما لتشكل رابطة للمجتمع.
فها هي في الجاهلية كانت منتشرة في الجزيرة العربية كلها،
فلماذا لم تجمع العرب؟
ألم تكن القبائل العربية متفرقة متناحرة رغم وحدة اللغة ؟
إن العرب لم يتحدوا ويجتمعوا إلا بعد ان نزل الاسلام وانتشر في الجزيرة العربية،
وها هو الله سبحانه وتعالى يذكر المسلمين بالنعمة التي أسبغها عليهم بالإسلام قائلا : واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا, وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ..سورة آل عمران - آية 103
إذن فإن الاسلام بوصفه دينا للبشر كافة ونظاما للحياة والمجتمع هو الذي جمع العرب وليس اللغة العربية .
"وألف بين قلوبهم : لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم" سورة الأنفال آية 63
وهناك من القوميين العروبيين من يقول إن مقومات القومية العربية هي العروبة والاسلام معا.
ويستدل على ذلك بأن القرآن عربي ، فالله سبحانه وتعالى يقول "إنا أنزلناه قرءانا عربيا لعلكم تعقلون".. سورة يوسف آية 2
وينسب بذلك القومية العربية إلى الاسلام.
فهؤلاء نقول لهم ، إن الله سبحانه وتعالى يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا" .. سورة الأعراف آية 158
ويقول عز وجل: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" سورة الأنبياء آية 107
ويقول سبحانه : وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ..سورة سبأ آية 28
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر و أسود.
فرسالة الاسلام رسالة عالمية وليست للعرب وحدهم ،
والأمة تضم المؤمنين من العرب وغيرهم .
فقد كان في نص الوثيقة التي كتبها الرسول صلى الله عليه و سلم فور وصوله إلى المدينة وقيام الدولة الاسلامية الأولى أن "المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس" سيرة ابن هشام
فالأمة الاسلامية حين انتشرت وتوسعت ضمت في رحابها من العجم وسائر الشعوب أكثر مما ضمت من العرب.
وها هي الامة الاسلامية اليوم تربو على مليار نسمة, لا يزيد العرب عن ربعهم والباقون من غير العرب.
ولنتذكر وصية الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: " يا أيها الناس ، ألا إن ربكم واحد، ألا إن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي, ولا لأسود على أحمر , ولا لأحمر على أسود, إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم"
نعم لقد تمسك المسلمون باللغة العربية ، إلا أنهم لم يتمسكوا بها بدافع قومي أو عنصري،
وإنما تمسكاً بالاسلام نفسه الذي نزل بلغة العرب ،
وهي اللغة التي يحترمها جميع المسلمين عربا وغير عرب،
ويسعون إلى تعلمها وإتقانها .
وها نحن نرى أن اللغة العربية انتشرت مع انتشار الاسلام ما بين الخليج شرقا , والمحيط الأطلسي غربا، و تصل إلى حدود الأناضول شمالا، بعد أن كانت حبيسة الجزيرة العربية.
فهل كان لتلك اللغة أن تنتشر لولا ظهور الاسلام؟
لذلك فإن الدعوة إلى القومية هي دعوة إلى عصبية جاهلية جدية،
وليست من الاسلام في شيء.
والداعي إلى القومية مرتكب لمعصية كبيرة وآثم عند الله تعالى.
منقول من منتدى العقاب
::::::::::::::::::::::::::::::::
التعقيب :
وصدق الله العلي العظيم إذ يقول : وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول : من قاتل تحت راية عِمِّيةٍ , يدعو إلى عصبية , أو يغضب لعصبية , فقتلتهُ جاهليه
وروى أحمد في صحيحه عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه أن رجلاً اعتزى بعزاء الجاهلية فأعضـَّه ولم يكنه ! فنظر القوم إليه ! فقال للقوم إني قد أرى الذي في أنفسكم , إني لا أستطيع إلاَّ أن أقول هذا , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا إذا سمعنا من يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوهُ ولا تكنوا
وفي رواية أخرى عن الحسن عن عتي أن رجلاً تعزَّى بعزاء الجاهلية فذكر الحديث قال أبي : كنا نأمر إذا الرجل تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهنَ أبيه ولا تكنوا .
ومعنى الحديث : أي قولوا له إذهب وعض إير أبيك صراحة دون تشبيه
وما ذلك إلاَّ لقبح القول , فيستحق بذلك أقبح الرد
وما قضى على دولة الإسلام إلاَّ هذي الدعاوى القومية والوطنية وأضرابها من وطنية عفنة وعصبية مقيتة وقبلية مهلكة !
فهذا عربي وذاك تركي
وهذا أردني وذاك فلسطيني
وهذا خليلي وذاك غزاوي
وهذا حُسيني وذاك هملاوي
وهذا من المدينة وذاك بدوي
وهذا سُني وذاك شيعي
وهذا شافعي وذاك حنبلي
والعياذ بالله أعاذنا الله وإياكم من هاتيك الدعاوي المقيتة
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
اللهمَّ أعزَّنا بالإسلام , وأعزَّ الإسلامَ بنا , وأعزَّ الإسلامَ بقيام ِدولةِ الإسلام , وأعزَّ دولة َالإسلام ِبالجهادِ , ليعزَّ بها كلُّ عزيزٍ , ويُذلَّ بها كلُّ ذليل , واجعلنا اللهمَّ وإيَّاكـُم شُهداءَ يومَ قيامِها , واجعلنا مولانا ممن يستمعونَ القولَ فيتبعونَ أحسنهُ .
اللـهمَّ آمـين , اللـهمَّ آمين , اللهمَّ آمين ,
ربِّي , ربَّ العالمين .
--------------------