من هنا الدرب أيها التائهون
الحمدُ للهِ القائل ِفي مُحكم ِالتنزيل : ( يا قومَنا أجيبوا داعيَ اللهِ وآمنوا بهِ ، يَغفِر لكم من ذنوبـِكُم ويُجـِركُم من عذابٍ أليم {31} ومَن لا يُجب داعيَ اللهِ فليسَ بمعجزٍ في الأرض ِوليسَ لهُ من دونهِ أولياءُ ، أولئكَ في ضلال ٍمبين {32} ) الأحقاف
ويقول : ( ومَن أعرضَ عن ذكري فإنَّ لهُ معيشة ً ضنكاً.... {124} ) طه .
ويقولُ الرسولُ الأكرمُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ : ( تركتُ فيكم ما إنْ تمسَّكتم بهِ لنْ تضلوا بعدي أبداً ، كتابَ اللهِ وسنـَّتي )
ويقولُ ( تركتكم على مِحَجَّةٍ بيضاءَ ليلِهَا كنهارِهَا لا يَزيغُ عنها إلاَّ هالكٌ ولا يَتنكـَّبُها إلاَّ ضالٌ أومُضل ) .
أيُّها المسلمون:
إنَّ من أكبَرِ المصائبِ وأشدِّ البلايا التي تنزلُ بالشعوبِ والأمم ِ، أن يتولى أمورَهَا شِرارُهَا ، وأن يَسودَهَا فسَّاقـُهَا ،
فالأمَّة ُإذا أسندَ تدبيرُ شؤونِها إلى هؤلاءِ المجرمينَ حينها تنكفئُ الموازينُ ،
وتنقلبًُ المكاييلُ ،
وتنفلِتُ المعاييرُ ،
فيصيرُ الكاذبُ صادقاً ،
والصادقُ كاذباً ،
وقد تغيرتِ المفاهيمُ لدى العامَّةِ.
فصارَ الأمينُ لدى فسَّاقِهَا خائناً ، والخائنُ أميناً ،
وتوقفَ الناسُ عن الأمرِ بالمعروفِ والنهي ِعن المنكرِ ، مخافة َبطش ِولاةِ الأمورِ واتقاءً لِشرِّهِم . إلاَّ مَن رَحِمَ الله، وقد امتثلوا بأمرِ رسول ِاللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ : ( ألا لا يمنعنَّ أحدَكُم رهبة ُالناس ِأن يقولَ الحقَّ إذا رآهُ وتابعهُ ، فإنهُ لا يُقرِّبُ من أجَلِ ٍولا يُباعِدُ من رزق ٍأن يقولَ بحق ٍ، أو أن يَذكرَ بعظيم )
ويقولُ أيضاً : ( ما من قوم ٍيكونُ بينَ أظهُرِهِم من يَعملُ من المعاصي ، هُم أعزُّ منهُ وأمنعُ من أن يُغيِّرُوا إلاَّ أصابَهُمُ اللهُ منهُ بعذاب ) صدقَ عليهِ السلام .
وهذا مِمَّا ابتليَتْ بهِ أمة ُالإسلام ِمنذ أكثرَ من خمسةٍ وثمانينَ عاماً .
وبالتحديد بعدَ أن فقدت إمامَها الذي تحِبُّهُ ويُحِبُّهَا وتصلي عليهِ ويُصلي عليها.
ومِن يومِهََا يَسوسُ الأمَّة َفجَّارُهَا.
ومتى توقفَ أهلُ الخيرِ عن الأمرِ بالمعروفِ والنهي ِعن المنكرِ، أوشكَ اللهُ أنْ يَعُمَّّهُم بعقابٍ من عندهِ فيدعونَ فلا يُستجابُ لهُم .
هذا واللهِ ما هو حالٌّ بنا !!
ومن يومِهَا صارَ التافِهُ الجاهِلُ هو المُمثلُ للناس، وهوَ المُتكلمُ بلسانهم فيرضخونَ لِمَا يُريد .
ويسعى دائماً لكي يُبقيْ لنفسهِ تلكَ المكانة ، ولو على حسابِ الحُكم الشرعيِّ ومَضرةِ الناس ِالذينَ يُمثلهُم ،
فهوَ لا يَرى العملَ المنكرَ منَ المسئولينَ مُنكراً ، حتى ولا التصرُّفُ الضَّارُّ لمصالح ِالمسلمينَ ضرراً .
لذلكَ لا يأمُرُ بمعروفٍ ولا ينهى عن منكرٍ ، لأنَّ فاقدَ الشيءِ لا يُعطيه ، وقد أصبحَ جزءً من النظام ِالفاسدِ ، واصطبغَ بهِ .
فصارَ يُردِّدُ وراءَ المسؤولينَ ما يقولونَ ، ويعملُ ما يَعملونَ ، فأصبَحَ من يُمثلُ الناسَ ضدَّهُم ، وغدا عِبئاً ثقيلاً عليهم .
وهذهِ أمورٌ أخبرنا الرسولُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ بها قبلَ حُدوثِها ، فقالَ عليهِ الصلاة ُوالسلام : ( سيأتي على الناس ِسنواتٌ خداعات ٌ، يُصدَّقُ فيها الكاذبُ ويُكذبُ فيها الصادِقُ ويؤتمنُ فيها الخائنُ ويُخوَّنُ فيها الأمينُ ، ويَنطقُ فيها الرُويبضه . قيلَ وما الرُويبضَه ؟ قالَ : الرجلُ التافهُ يَتحدثَ في أمرِ العامَّة ) . صدقَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ .
إخوة َالإيمان :
ها أنتم ترونََ بأمِّ أعيُنِكم ما أصابَ أمَّة َخيرِالأنام ِ، من ذلٍ وهوان ، وقد تكالبتْ عليها وعلى عقيدتِها قـُوى الشرِّ، وتداعى عليها الكفارُ من كلِّ حَدْبٍ وصوب .
وإنْ لم يعمل ِالمخلصونَ لتغييرِ واقع ِالأمَّةِ المرير، وإنقاذِهَا من الهلاكِ والضياع ِوإعادتِها لحظيرةِ الإسلام ِ فستكونُ طامَّة ٌكبرى .
وإن لمْ تـَدَّارَكِ الأمة ُ الكريمة ُ فتعودَ لأصل ِمعدنِهَا .
فتستجيبَ لأبنائِهَا العاملينَ لرفعتهَا ،
وإعلاءِ شأنِهَا ،
وتعيَ ما يُحاكُ لها ولِمبدئِها وتوقنُ ذلك ، فستكونُ مصيبة ٌعُظمى .
من أجل ِذلكَ كانَ العملُ لِتغييرِ الواقع ِالسيئ ِمن أهمِّ الأعمال ِوأجلـِّهَا عندَ الله .
لذلكَ لم يبقَ للقادرينَ على تغييرِ الأوضاع ِالفاسِدَةِ من عُذرٍ إلاَّ الإلتزامُ التـَّامُّ بطريقةِ الهادي عليهِ السلام .
وهُم من هذهِ الأمَّةِ كرجُل ٍيقفُ على رأس ِرابيةٍ ويرى حشداً كبيراً من الناس ِيتوجهونَ إلى صحراءَ قفراءَ ،
ضلتْ بهمُ السُبُلُ ،
وتفرقتْ بهمُُ الطرُقُ ،
حتى أوصلتهُمُ الهاوية َ،
ويَعِدونهُم أنهُم أمامَ بحرٍ لجْىٍّ فإذا قطعوا شوطاً عسيراً من المسيرِ
فإذا بهم أمامَ السَّراب ِ,
ويُمَنونَهُمْ بجنان ٍفيها لبَنٌ وعسلٌ ورخاءٌ وازدهارٌ
فأوصلتهُمْ إلى لـُجَج ِالرمال .
فتاهوا ولم يَهتدوا السبيل .
واستوى عندهُمُ العسيرُ واليسيرُ ،
فلمْ يُفرقوا بينَ الغَثِّ والسمين ،
ولا بينَ طريق ِالهُدى والضلال
فلمْ يزالوا في تِيِّهم حتى نفدَ شرابُهُم وطعامُهُم ,
والأدهَى من ذلكَ والأمَرُّ أنَّ مَعَهُم أطفالهُم يتساقطونَ من الظمَأِ وشدَّةِ الجوع ِ،
وقد أعياهُم طولُ المسيرِ
يُفاجَئونَ عندَ كلِّ مُنعطفٍ منَ الأرض ِبقطيع ٍمنَ الذئابِ
إذا غدَتْ عليهمُ افترسَتْ بعضَ أطفالِهم ,
فتتقطَّعَ لذلكَ قلوبُهُم أسىً وحسرة ً فلمْ يَزَلْ هذا حالهُم إلى جانبٍ من الأرض ِموحِش ٍمُقفِرٍ
لمْ يَسمعوا فيهِ إلا عُواءَ الذئابِ
فأيقنوا بالهلاكِ
فعادوا يَستغيثونَ ،
وباللهِ يَستجيرون .
ومِنهُم من استسلمَ للواقع ِ،
وقدْ فقدوا بوصَلة َ النجاة .
وفي المقابل ِفي الطـَّرَفِ الآخَرِ هناكَ رجالٌ أمينونَ حريصونَ على قومِهم أكثرَ من أنفسِهم وقد رأوا ما حَلَّ بأهلِهم فوقفوا أمامَهُم ناصحين َ،
وخاطبوهُم راشدينَ ،
مِن هُنا الدربُ أيُّها التائهونْ ليمنعوهُم منَ السيرِ في غيِّهم لِيُنقِذوهُم ويمنعوهُم منَ الهلاكِ ,
تـُرى ؟
أيُوجدُ في الدُنيا أجرٌ أعظمُ من هذهِ النصيحة ؟
وقدْ دلوهُم على طريق ِالنجاةِ ,
وألقوا لهم المرساة ,
فإنْ استجابُوا نجَوْا ونجَوْا جميعاً .
إنَّ مِثـَلَ الأمَّةِ الآنَ كمِثل ِهذا القطيع ِ, ومِثلُ هذا القطيع ِ,
ومِثلُ القادرين َعلى تصحيح ِالأوضاع ِكمِثل ِالرَجل ِالذي يَقفُ على جَبل ٍويرى ما يَجري لهُمْ ,
وهوَ قادِرٌ على أنْ يقولَ لهُم : مِن هُنا الدربُ أيُّها التائِهون .
أيُّها الإخوة ُالعقلاء :
روى أبو هُريرَة ُ رضيَ اللهُ تعالى عنهُ أنهُ سَمِعَ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يقولُ : ( إنمَا مَثلي ومَثلُ الناس ِكمَثل ِرجل ٍاستوقدَ ناراً ، فلمَّا أضاءَتْ ما حولهُ جعلَ الفراشُ وهذهِ الدَّوابُّ التي تقعُ في النارِ يَقعْنَ فيها ، فجَعَلَ الرَجلُ يَنزِعْهُنَّ ويَغلِبنهُ فيقتحِمْنَ فيها ، فأنا آخِذ ٌ بحُجَزِكُم عن النار وهُم يقتحمونَ فيها وفي روايةٍ يَزَعَهُنَّ ) أيّ : يُبعدهُنَّ .
أرأيتمْ مَعشرَ القادرينَ على تصحيح ِالأوضاع ِلو كنتم على علم ٍ بحال ِهؤلاءِ الناس ِوأنتم قادرونَ على إنقاذهِم فتركتموهُم يَهلكون !!!!
أيكونُ ذنبٌ أكبرُ من ذنبكُم ؟
وإثمٌ أعظمُ من إثمِكُم ؟
وجريمة ٌيُعاقبُ اللهُ عليها فاعليهَا أفظعَ من جريمَتكم ؟ ( وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً {32} ) المائدة .
أرأيتمْ إخوتي في الله وأحبتي :
لو أنكُمْ سارعتم لإنقاذِهِم وهبَبْتم لنجدةِ أطفالِهم ,
بالرُغْم ِ من وعورةِ الطريق ِواستهدافِ الأخطارِ,
أيَكونُ ثوابٌ أعظمُ من ثوابكُم ؟
وعَملٌ يَمدَحُ اللهُ عليهِ فاعليه ,
أجَلَّ من عَمَلِكُم ؟
إنكُم بعملِكم هذا تنقذونَ أمَّة ً من الهلاكِ .... وتخلـِّصُونَ شعوباً تائهة ًمنَ الدمارِ والضياع .
فهلْ هناكَ عملٌ يثيبُ اللهُ عليهِ أعظمُ من العمل ِلإعادَةِ سلطان ِالإسلام ِبعدَ أنْ دُثِرْ؟
وإحياءِ القران ِبعدَ أنْ هُجر؟
وعملكُم هذا لا يَقتصِرُ على إنقاذِ أمَّةِ الإسلام ِوحسبْ ،
بلْ يُنقِذ ُ البشرية َجمعاء مِمَّا هيَ فيهِ من ظلم ِالرأسماليةِ ،
وطغيان ِالإشتراكيةِ
وجَورِ النـُّظم ِالوضعيةِ ,
وبهذا جَعَلكُمُ اللهُ خيرَ أمَّةٍ أخرجَتْ للناس ِلأنكُم حَمَلة ُ دعوةٍ ونورٍ وهدىًَ للناس ِ جميعاً.
فهَلمُّوا أيُها المؤمنونَ :
لعمَل ِما أوجبَهُ اللهُ عليكم, وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربِّكُم وقد وَعَدكُم لـَيستخلفنكم في الأرض ِكما استخلفَ الذينَ من قبلكم ، وليُمَكِننَّ لكُم دينكُمُ الذي ارتضى لكُم وليُبَدِّلنكُم من بعدِ خوفِكم أمناً .
وفي الختام ِمسكُ الختام ِقولُهُ تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ {24} وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {25} ) الأنفال .
والله أسأل أن نكون وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه