ميزانية آخر الشهر
هايل العبدان
بنهاية كل شهر يدخل رب الأسرة في صراع مع الراتب، ليخرج منه مهزوماً وموشحاً بمعادلة ناقصة كالعادة، يتخللها عجز متكرر مستفحل على وضعه المادي خاصة بعد انهيار الأسهم. لذا دائماً ما يحاول أن يوازن بين التزاماته، ولكن غالباً يكون"الشق أكبر من الرقعة"!
وعن نفسي وبرغم أن دخلي الشهري لا بأس به، إلا أنني كغيري أواجه مشكلة في تنظيم ميزانيتي، ربما كوني أحد أفراد مجتمع يعتمد مبدأ "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب"، أو لأننا لا نحب أن نضع لاحتياجاتنا سقفاً محدداً.
ومع الوقت تكبر العائلة وتكبر معها المسؤوليات، ويقابل ذلك زيادة في المصروفات كما هو الحال في الأسعار، فأجد نفسي مجبراً على تحديد مخصصات كل التزام من الدخل الشهري.
فالقرض البنكي يقتطع ما يتجاوز 30% من الراتب، والبطاقة الائتمانية لها نصيبها هي الأخرى بما نسبته 15% من كعكة الراتب. أما الإيجار الشهري فقد تفهم المالك وضعي من هذه المعمعة ليعلن تضامنه ويبادر بتخفيض الإيجار ليشكل 10% من إجمالي الراتب ببدلاته وعلاوته وخصوماته.
فاتورة الكهرباء - وبحسب مزاج قارئ العداد ذلك الشهر - تنهب ما متوسطه 2.5%، وهذا الرقم أشبه ما يكون بعمولة سمسرة، لكنها أخف وطأة من فواتير الجوال والهاتف الثابت التي تغتصب نحو 20% من إجمالي الراتب.
أما الترفيه فقد تم اتخاذ قرار بشأنه، فلا داعي للذهاب إلى المدن الترفيهية، وسأعتمد بدلاً عنها وسائل ترفيه بدائية لأبنائي كتسلق جدران ومواسير المنزل - كما كنا نفعل صغاراً - فطفولتهم ليست بأكثر براءة من طفولتنا، وإن شممت رائحة عصيان في المنزل فالخروج إلى البر وأطراف المدينة لا بأس به. وستصبح الرحلات الترفيهية من قبيل الماضي، وإن اشتد الحنين إليها فيكتفى بمشاهدة الصور الخاصة بالزيارات السابقة إليها!
أما الاحتياجات المنزلية ونظراً لارتفاع الأسعار - برغم مسلسل النفي لمسؤولي التجارة - إلا أنني لا أستطيع الوفاء بمعظم متطلبات "أم العيال"، وسأكتفي بالضروريات، فيما عزمت على أن أستغل جزءاً من باحة منزلنا "العامر" للاستصلاح الزراعي للوصول إلى "الاكتفاء الذاتي" من الخضار والفواكه!
الملبس أمر لابد منه، وبحكم أننا مجتمع يحب التباهي ويعشق المظاهر حتى الثمالة أو بالعامية "المهايط" بغض النظر عن الظروف المادية، فإنني مجبر على أن أجعل مثل هذه الأمور في مقدمة أولوياتي بتخصيص ما نسبته 5% من الموازنة لذلك.
الصحة مهمة لكن سأعتمد "استراتيجية" جديدة لها، بإغلاق ملف المستشفى الخاص، وأتجه إلى الحكومي متحملاً الطوابير الطويلة، والمواعيد الجائرة، وتصرفات (بعض) منسوبيه للوصول أخيراً إلى نافذة الصيدلي الذي غالباً ما يصرف علاجاً موحداً برغم اختلاف العلل.
طبعاً ستلغى مفردات اقتصادية من قاموسي لعدة سنوات كـ "تحويشة العمر" و"فائض الراتب"، وستحل محلها مفردات أكثر شيوعاً هذه الأيام مثل " عندك سلف؟" و"السداد على الراتب"
في النهاية أجد نفسي وقد انتهيت إلى حيث بدأت، بعجز متكرر حتى قبل أن أنتهي من حصر بقية الالتزامات من قسط السيارة، ورواتب السائق والخادمة، والالتزامات الاجتماعية المتعددة، ليتم ترحيلها إلى ميزانية الشهر القادم كالعادة.
http://www.alwatan.com.sa/daily/2007.../writers02.htm
لله درك يا هايل كم تكتب عن معاناة شعب كامل بسبب محرقه الاموال السعوديه
العرض الشجري
