بسم الله الرحمن الرحيم
قالت لي عيب إن الكبار لايبكون ؛
فنفذت كلماتها إلى كطعنة السكين في القلب ودوت بين جوانحه كالقذيفة ، فاخترقت فؤادي فشقته نصفين فراح يئن ويتوجع ففعلت به كما يفعل المذهول حين يتلقى صفعه وأيقظت الطفل الذي بداخلي فأصبح يصيح ويتأوه فصارت ضوضاء بين ضلوعي وراح قلبي يتخبط بين جنبيه وجن جنونه وأصبح يرفرف كالطير المذبوح في صدري وحركت فيه عواصف ورياح وبات جوفي فوضاوياً فكنت اسمع الصراخ والنحيب والبكاء بداخلي ولا أستطيع له شيئاً فغدى كل حيّ فيّ يئن ويتألم يصرخ ويهتف يتأوه ويسأل هل الكبار لا يبكون ؟ هل صحيح أن الكبار لا يتألمون ؟ وهل معقول انهم لا يئنون ؟ فخرجت كلها مجتمعه من بين شفتي :
الا يحق للكبير أن يئن ويتألم ؟
حتى ولو عصفت به رياح الحياة وتاه في زوبعة الظروف وضاع في فوهة الزمان . فتمضغه الايام و تلفظه الاشجان وتلتهمه الحزان وتأكله الشهور وتطحنه الساعات بين دقائقها وثوانيها 0
فيكون خالي الوفاض صفر اليدن يعيش على فتات الزمن وبقايا الالم ويبتلع الذل دفعةً واحده فينتهي في داخله ويعيش بغربتان غربه بين ضلوعه وغربه بين الناس فينتهي به المقام الى الميت الحيّ فيعيش معوزاً يترقب كرم الناس عليه واحسانهم فتصعب عليه نفسه وتهون عليه مكاربه وتوجعه كرامته وحينها يتجرع ذل الحاجه بهذا ألا يحق له أن يئن ويتألم ؟
الا يحق للكبير أن يئن ويتألم ؟
ألا يحق له ان يئن حين يرجع الى الوراء الى الذكريات الحلوه المره الى سعادته وبؤسه الى مرحه وشقائه الى تلك الايام الخوالي التي تكتنز بالذكريات فتحرك بداخله تلك الشجون وتلك الاماني الهاربه 0
وحين يفقد وليف الروح وصاحب الدرب والقلب العطوف واليد الحانيه 00وحين تفقد العين بصرها والاذن سمعها والانفُ حاستها 00وحين يمسي يتيما فقيرا الى احبابه فتركله الايام في زاويه حقيره يجتر فيها آلاّمه وتعذبه احلامه وتوجعه ايامه 00بهذا الا يحق له أن يئن ويتالم ؟
الا يحق للكبير أن يئن ويتألم ؟
وحين يتجرع مرارة الظلم وذل القهر وقلة الحيله فلا يستطيع أن يدرأ عن نفسه الظلم ولا ان يتوسل الى اهله الحاجه 00ويغدو تحت رحمت الظروف وحيثما تصفعه الايام فيبتلعها في جوفه ويتحامل على نفسه فهو ليس بيده حيله00 فيتحمل الظلم ويعتبر الاهانه مديحاً ويبتسم حين يُركل ويضحك متى أراد الأخرون ويتراقص على نغمات بكائه 0 في هذا ألا يحق له أن يئن ويتألم ؟
الا يحق للكبير أن يئن ويتألم ؟
وانا حين فقدت كنزي الكبير وتاجي العظيم وراحت النفس وعمري الضائع وحين غدوت اكبر من شخصي ألا يحق لي ان ابكي وأتأوه 0
الا يحق لي ان ابكي موت والدي وبعده عني ألا يحق أن أتألم لعدم قدرتي على رؤيته بمرور الايام ، ألا يحق لي أن أئن حين افقد جملة الحضن الدافي0
بعد هذا كله ألا يحق للكبير أن يبكي ويئن ويتأوه ؟