من وجد الله ،،، ماذا فقد ؟؟؟
ثلاثة آيات غيرت حياتي.
هذه القصة حقيقة،، وسمعت أحداثها بنفسي من صديقي (علي)،، وأحببت أن أرويها على مسامعكم.
عرفت (علياً) منذ سنوات معدودة،،، وأصبحنا أصدقاء منذ أول لقاء،،، ليتكم معي ترونه ويراكم،، فما أسرع ما يكتسب الأصدقاء.
وجه بشوش ضاحك،، خلقٌ رفيع،، وعلمٌ منيع،، وقلبٌ أسدٍ رضيع،، لا يرفض لك طلبا،، ولا ينتظر منك سؤالا،، يقرأ تعابير وجهك،، ويغوص في أعماق قلبك.
لم اجد صديقا مثله،، أجده متفائلاً دائماً،، يكره الضعف والجهل واليأس،، ويحاربهم قدر إستطاعته،، ويبحث عن ضحاياهم ليحاول بث الأمل في نفوسهم.
أجده دائماً يصلي على رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام،، كعادة أهل المدينة المنورة أثناء حديثهم،، ولابد أن تسمع منه كلاماً موصولاً ومقترناً بكتاب الله.
يحب الحياة،، ويحب الحياة الآخره،، ويعمل لإثنينهما معاً،، فهو معتدل في كل شيء.
كم هو رائع هذا الإنسان،، لطالما تمنيت أن يصبح كل الرجال (علياً).
سألته يوماً: "ما قصتك ؟،، وما هي فلسفتك في الحياة؟ "
أطلق تنهيدة طويلة،، وأطرق صامتاً يفكر،، يجتر الذكريات،،
"قصتي يا (عمدة) تتلخص بعلاقتي مع الله" ،، قال علي،، "ثلاثة آيات من كتاب الله غيرت مجرى حياتي،، أحسست أنها رسائلٌ موجهة لي من الله عز وجل"،،، وبدا (عليٌ) يستعيد الذكريات.
كان في بداية حياته الجامعية،، حين وصلت أولى الرسائل،، وكان قد تجاوز فترة المراهقة بقليل،، ولا تزال بعض آثارها تلحقه،، كان قد سافر إلى جدة، ليكمل تعليمه الجامعي هناك،، ونظراً لإجتهاده،، فقد تم قبوله في إحدى كليات القمة.
يقول (علي): " لم أرتكب كبيرة من الكبائر في حياتي،، ولم أدخن،، كنتيجة طبيعية للتربية السليمة التي نشأت عليها،، إلا أنني كنت قد سئمت الصلاة وتكرارها،، أصبت بالملل،، فلم اجد لها طعماُ يربطني بها،، وكنت مهووساً بالأغاني والأفلام والإطلاع والسفر والقراءة،، وكنت قد قرأت في صغري كتباً دينية كثيرة،، ولكن للقراءة فقط".
لم يكن يجد طعماً ولا أهميةً للحياة،، فاليوم،، مثل الأمس،، مثل الغد،، يمشي بغير هدى،، أهدافه دنيوية محددة،، ولم يكن ينظر أو يهتم بالنظر للأمام،،، للحياة الآخره،، حتى وصلته أولى رسائل الرحمن.
يقول (علي): " في مساء يوم من الأيام،،كنت أحضر إحدى محاظرات مادة الثقافة الإسلامية الإلزامية على جميع الطلبة،، وكانت المحاضرة مسائية يقطعها دخول وقت صلاة العشاء،، لا أتذكر موضوع تلك المحاضره،، فهي كغيرها،، وكنت أجلس في أول صف،، أنظر للدكتور بعينيى فقط بلا إدراك،، ووقعت عينايى على عينيه،، فأنتبهت فجاة أنه يتلوا قول الله تعالى (( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى(124) قال ربي لم خلقتني أعمى وقد كنت بصيراً(125) قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى (126)))" سورة طه.
تجمد (علي) على حالته،، وتردد صدى هذه الآية في وجدانه،، أي حياة هذه التي يحياها،، أي طريقٍ هذا الذي يسلكه؟؟،، هل سيحشر أعمى؟؟،، هل سيجد الجرأة ليسأل ربه لما حشرتني أعمى؟؟،، وماذا سيقول؟؟ ،، وماذا ستكون النهاية؟؟،، كم هو سخيف،، كم هو جاحد،، أنه أعمى فعلاً،، الله يحيطه بحبه ونعمه في كل مكان وهو يتذمر من شكره؟؟،،،،
يقول (علي): " إستمرت هذه الأسئلة تعصف بعقلي وأحسست بنور الله يملئ صدري،، وكنت لا زلت أحدق في عيني الدكتور،، حتى إغرورقت عيناي بالدموع،، ولاحظ هو ذلك،، لكنه إستمر بحديثه،، ولم يكد ينتهي،، وحانت لحظة الإنصراف،، حتى خرجت شخصاً آخر غير اللذي دخل،، لقد عرفت طريقي أخيراً،،".
عرف (عليٌ) بعدها طعماً لعلاقته بربه،، تذوق حلاوة شكر النعم،، أحس بالراحة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينشدها حين يطلب من سيدنا بلال أن يقيم الصلاة.
إستمرت حياة (علي) بعدها،، وبدأ نجمه بالصعود على المستوى الأكاديمي،، كان لا يعرف المستحيل،، يعشق التحدي،، ولا يقف في وجهه عائق إلا وتجاوزه.
يقول " كنت أثق في نفسي كثيراً،، وكنت صاحب همةٍ لا يجاريني إلا أصحاب النفس الطويل،، ولا يستطيعون أن يدركوني،، هو نوع من الغرور والإعتماد على الذات،، فانا أملك العديد من المواهب،، فلماذا لا أنجح؟؟،، حصلت على العديد من الجوائز في مجال دراستي،، وكنت لا أزال في منتصف حياتي الدراسية الجامعية،،وعلى إثر ذلك،، كثر حسادي،، وأزداد عدد الحانقين على كفائتي،، وخصوصاً من الأساتذة،، الذين طالما احرجتهم بمعلوماتي الغزيرة،، وكنت أستمتع بأن أظهر جهلهم للعيان،، وهذه هي الغلطة الكبرى.
تجمع ثلاثة منهم مع رئيس القسم،، وأتفقوا على كسر حدة غروري،، فأتفقوا جميعا على أن أرسب في جميع موادهم،، وهذا ما حصل".
كانت صدمة عنيفة تلقاها (علي)،، خصوصا أنه سيتخلف عن زملائه بسنة كاملة،، ماذا سيقول لأهله؟؟ ماذا سيقول الناس عنه؟؟،، ولم يسكت على حقه،، ولكن لمن يشتكي؟؟،، ومن سيشتكي؟؟،، فأساتذة الجامعة ليس لهم حسيب إلا الله.
يقول (علي)" حملت أحزاني معي،، وذهبت إلى إحدى الدول العربية المجاورة لأمضي العطلة الصيفية هناك في منزل العائلة،، كنت وحيدا هناك،، فلم يسبقني أحد إلى هناك،، وهناك وصلتني الرسالة الثانية."
كان يقرأ إحدى المجلات الأدبية التي تعود ان يقرأها،، وقعت عيناه على مقال لكاتب شهير،، يروى قصة إنسان معوق ذهنياً بنسبة بسيطة،، وكيف أن الله سهل له طريقة ووضع الفرص أمامه،،ليصبح من كبار رجال الأعمال،، وأختتم الكاتب مقالته بقول الحق عز وجل (( الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر)) الآية 26 من سورة الرعد.
يقول " ذهلت،، وأعدت قراءة المقال مرة اخرى،، إنه يتحدث إلى،، يقول لي من انت؟؟ وهل تعتقد أن الله يرزقك بسبب قدراتك الخارقة؟؟ ،، أنظر حولك وأسال نفسك،، الله يرزق من يشاء،، قويٌ كان أم ضعيف،، من أنت أيها الإنسان كي تعتقد أنك سترزق نفسك؟؟،، من أنت أيها الإنسان لتعتقد انك ستجلب الرزق لنفسك بحسن عملك؟؟،، تواضع قليلاً،، عُد إلى ربك،، فهو الرزاق وأنت العبد الضعيف".
وهكذا عاد،، أقوى من ما كان،، ولكن متواضع تواضع الفرسان،، فأكرمه الله ورفع شأنه،، وأنتصر له،، وتخرج من الجامعة وقد إكتسب سمعة أكادمية ومهنية عالمية،، وبدات معركته الكبرى مع الحياة.
يقول (علي)" قبل التخرج،، كنت قد تلقيت العديد من العروض من كبريات الشركات والوزارات وكبار الشخصيات داخل وخارج البلد،، وبعد التخرج،، تبخرت كل الوعود،، وأختفت كل الوسائط،، وأقفلت جميع الأبواب،، وأصبحت عاطلاً وسط عائلتي التي يعمل أكبرها وأصغرها.
كان رصيدي من الإيمان بقدرة الله سبحانه وتعالي يسلي وحدتي،، وكنت مؤمناً أن فرجه قريب،، ولكن القلق كان يقض مضجعي،، فقد كنت اكره الإنتظار،، حتى عز النوم،، وعزلت نفسي عن الآخرين،، واصبحت أيامي متشابهة،، إلى أن وصلت الرسالة الإلهية الثالثة".
كانت الساعة تقترب من الرابعة فجراً حين كان (علي) يشاهد التلفاز،، فلفت إنتباهه برنامج يستضيف محدثاً جليلاً هادئاً في طرحه،، رقيق الأسلوب،، واضح الحجة،، كان يتكلم عن معنى التوكل على الله،، واهمية الدعاء والإبتهال إلى المولى عز وجل في كل صغيرة وكبيرة،، فقد خلقنا الله للعبادة،، وتكفل هو بالرزق،، وأمرنا أن نهتم بالعبادة،، وأن تكون اعمالنا اليومية نوع من العبادة،، ولكنها لا تجلب الرزق،، فالرزاق هو الله،، وتحدث عن إنعكاس هذا المفهوم عن الناس،، حيث أصبح أكبر همهم ماذا سيأكلون غداً ،، ونسوا أو تناسوا موضوع العبادة،، الذي أصبح هامشياً،، ومهملاً،، وأستشهد بقول الله عز وجل (( وفي السماء رزقكم وما توعدون)) الآية 22 من صورة الذاريات.
يقول (علي): " كل ما فعلته بعد ذلك،، أن قمت وأحسنت الوضوء،، وصليت ركعتين،، وأطلت السجود،، ودعوت،، كنت موقناً أن الله ينزل في هذا الوقت إلى السماء الدنيا،، ليستجيب دعوة الداعين،، ويغيث الملهوفين،، ويقبل توبة التائبين،، وأنا منهم،، يا رب،، أنت ربي وانا عبدك،، لا تكلني إلا أحد من خلقك،، أغثني يالله،، أغثني".
توجه (علي) إلى ربه بالدعاء بكل جوارحه،، تجرد من دنياه وكبريائه،، وأستعان بملك الملوك.
لم يكد (علي) ينهي صلاته،، حتى شعر براحة عظيمة،، وأمل كبير،، تغيرت نظرته للدنيا،، أحس أنه ملك هذه الدنيا،، كيف لا،، وقد دخل في حمى رب هذه السموات والأرض،، وكان على موعد مع القدر.
يقول (علي): " بعد صلاة الفجر،، خطر ببالي ان أفحص بريدي في الإنترنت،، كنت قد قمت بمراسلة بعض الشركات،، أستفسر عن طبيعة اعمالها،، وعندما قرأت بريدي وجدت ردوداً من تسعين شركة عالمية دفعة واحدة،، تطلب أن أكون وكيلها في البلاد.
صعقت بهذه الرسائل،، ولم أجد نفسي إلا وانا أرفع كفي إلى الله عز وجل بالحمد والشكر،، فلم يمهلني كثيراً لكي يستجيب دعوتي".
بدأ (علي) عمله من منزله،، بدون رأس مال،، معتمدا على الاتصالات والرسائل،، وخلال شهرين أسس أول مكتب له،، وخلال ستة أشهر،، أصبح لهذه المؤسسة خمسة عشر فرعاً حول العالم،، وأًًصبح (علي) من كبار رجال الأعمال،، يطلب وده الجميع،، كباراً وصغاراً.
يقول (علي):" تذوق معي يا (عمدة) الطعم الحقيقي للتوكل على الله،، تمعن في كل آية من كتاب الله،، تخيل أنك المقصود بها،،، وسترى كيف ستتغير حياتك،، وتهون عليك الدنيا،،، أنظر إليى كيف كنت،، وأنظر كيف أصبحت،، إستمريت على نفس المنهج،، أصلي ركعتين قبل الفجر،، وأدعو وألجأ إلى الله في كل شيء،، وأي شيء،، ولم يرفض لي دعوة أبدأ."
لا تستغربوا أعزائي القراء،، حين أقول لكم،، أن أول ردة فعل لي بعد أن روي لي (علي) قصته،، طلبت منه أن يدعو لي،، وأعود وأقول كما بدأت (لطالما تمنيت أن يصبح كل الرجال مثل (علي).