بناء الكعبة وقضية التحكيم
بعد خمس وثلاثين سنة من مولده صلى الله عليه وسلم قامت قريش ببناء الكعبة
وذلك لأن الكعبة كانت ردماً فوق القامة .
ارتفاعها تسع أذرع من عهد إسماعيل ولم يكن لها سقف ، فسرق نفر من اللصوص كنزها
الذي كان في جوفها ، وكانت مع ذلك قد تعرضت – باعتبارها أثرا قديما – للعوادي التي
أدهت بنيانها ، وصدعت جدرانها ، وقبل بعثته صلى الله عليه وسلم بخمس سنين جرف مكة
سيل عرم ، انحدر إلى البيت الحرام ، فأوشكت الكعبة منه على الانهيار ، فاضطرت قريش
إلى تجديد بنائها حرصا على مكانتها ، واتفقوا على أن لا يدخلوا في بنائها إلا طيبا ،
فلا يدخلوا فيها مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد من الناس ، وكانوا يهابون هدمها
فابتدأ بها الوليد ابن المغيرة المخزومي ، وتبعه الناس لما رأوا أنه لم يصبه شئ ،
ولم يزالوا في الهدم حتى وصلوا إلى قواعد إبراهيم ، ثم أرادوا الأخذ في البناء فجزأوا
الكعبة وخصصوا لكل قبيلة جزء منها. فجمعت كل قبيلة حجارة على حدة وأخذوا يبنونها ،
وتولى البناء بناء رومي اسمه باقوم ، ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن
يمتاز بشرف وضعه في مكانه واستمر النزاع أربع ليال أو خمسا واشتد حتى كاد يتحول
إلى حرب ضروس في أرض الحرم ، إلا أن أبا أمية بن المغيرة المخزومي عرض عليهم أن
يحكموا فيما شجر بينهم أول داخل عليهم من باب المسجد فارتضوه ، وشاء الله أن
يكون ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأوه هتفوا : هذا الأمين ، رضيناه ،
هذا محمد ، فلما انتهى إليهم ، وأخبروه الخبر طلب رداء فوضع الحجر وسطه وطلب
من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جميعاً بأطراف الرداء ، وأمرهم أن يرفعوه
حتى إذا أوصلوه إلى موضعه أخذه بيده ، فوضعه في مكانه ، وهذا حل حصيف رضي
به القوم
من قراءات اخوكم الهدار