الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد،
فهذه نصيحة نقدمها لطلابنا الكرام سائلين المولى سبحانه أن يثبتنا وإياهم على الطريقة السلفية، والملة الحنيفية، في عصر قلَّ فيه أهل الحديث، يهزأ بهم أعداء الحديث والسنة ويسخرون منهم، فعمَّ البلاء، واستفحلت الأهواء، ولاحت مبادئ رفع العلم وقبضه من الناس، وتصدّر الجهّال مجالس الناس، وهم ما بين مقلِّدٍ متنكرٍ للنصوص والآثار، ومتجرئٍ متنكر لجهود أهل العلم والشأن، فرحم الله امرأً أقبل على شأنه، وأكثر من تلاوة قرآنه، وأدمن النظر في الصحيحين، وعَبَدَ الله قبل أن يبغته الأجل، اللهم فوفق وارحم .
وقف البخاري الخيري
من صفات طالب العلم
لطالب العلم صفات وأحوال شتى ومقامات لابدَّ من استعمالها:
1ـ فهو يطلب العلم لينفي عن نفسه الجهل، وليعبد الله عز وجل كما أمره، ليس كما تهوى نفسه .
2ـ يمشي برفق وحلم ووقار وأدب، يستعيذ بالله من شرِّ سمعه وبصره ولسانه ونفسه وشيطانه .
3ـ لم يصاحب إلاَّ من يعود عليه نفعه، قد أقام الأصحاب مقام ثلاثة:
إمَّا رجل يتعلم منه خيراً إن كان أعلم منه، أو رجل هو مثله في العلم فيذاكره العلم لئلا ينسى ما لا ينبغي أن ينساه، أو رجل هو أعلم منه فيعلمه يريد الله عز وجل بتعليمه .
4ـ طويل السكوت عما لا يعنيه حتى يشتاق جليسه إلى حديثه، خائف على نفسه أن يشتغل بغير الحق .
5ـ همه في تلاوة كلام الله عز وجل الفهم عن الله فيما أمر ونهى، وفي حفظ السنن والآثار والفقه لئلا يضيع ما أمر به، ولأن يتأدب بالعلم .
6ـ إذا أحب مجالسة العلماء جالسهم بأدب وتواضع في نفسه، وخفض صوته عند صوتهم، ويكون أكثر سؤاله عن علم ما تعبده الله به، إن غضبوا عليه لم يغضب عليهم ونظر إلى السبب الذي من أجله غضبوا عليه فرجع عنه واعتذر إليهم. لا يضجرهم في السؤال، ولا يناظرهم مناظرة من يريهم أني أعلم منكم .
7ـ إذا سئل عن مسألة، فإن كان عنده علم أجاب وإلاّ سأل من هو أعلم منه، أو قال للسائل سل غيري، لا يستحي أن يقول لما لا يعلم لا أعلم .
8ـ يحذر من المسائل المحدثات في البدع ولا يصغي إلى أهلها بسمعه، ولا يرضى بمجالسة أهل البدع ولا يماريهم، أصله الكتاب والسنة وما كان عليه الصحابة ومن بعدهم من التابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين، يأمر بالاتباع وينهى عن الابتداع (1).
نصيحة عالم
قال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى:
أنشدنا محمد بن علي الأصبهاني لبعضهم :
إِعْــمَلْ بِعِلْمِكَ تَغْنَمْ أَيُّهَا الرَّجــُلُ لا يَنْفَعُ العــِلْمُ إِنْ لَمْ يَحْسُنِ الْعَمَلُ
والْعِلْمُ زَيْنٌ وَتَــقْوَى اللـهِ زِيْنَتــُهُ والمتَّقُوْنَ لَهُـــمْ في علْمِهِمْ شُغـُلُ
وَحُجَّةُ اللهِ يا ذا اْلعِـــلْمِ بالِغَـــةٌ لا المــكْرُ يَنْفَعُ فيها لا وَلا الْحِيـَلُ
تَعَلَّمِ الْعِلْمَ واعْمَل مَا اسْتَطَعْتَ بــهِ لا يُلْهِيَنّـــَكَ عَنْهُ اللَّهْوُ والْجَـدَلُ
وصية جامعة
قال شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني في وصف أصحاب الحديث:
"ويتواصون بقيام الليل للصلاة بعد المنام، وبصلة الأرحام على اختلاف الحالات، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والرحمة على الفقراء والمساكين والأيتام، والاهتمام بأمور المسلمين، والتعفف في المأكل والمشرب والملبس والمنكح والمصرف، والسعي في الخيرات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والبدار إلى فعل الخيرات أجمع، واتقاء شر عاقبة الطمع، ويتواصون بالحق وبالصبر، ويتحابون في الدين، ويتباغضون فيه، ويتقون الجدال في الله والخصومات فيه، ويتجانبون أهل البدع والضلالات، ويعادون أصحاب الأهواء والجهالات.
ويقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه الذين هم كالنجوم بأيهم اقتدوا اهتدوا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله فيهم( 3 ).
ويقتدون بالسلف الصالحين من أئمة الدين وعلماء المسلمين، ويتمسكون بما كانوا به متمسكين من الدين المتين والحق المبين .