عالم بوش السري يتعرض اريك لوران لما اسماه بـ «المعتقد الديني» وعالم الاعمال والشبكات الخفية، كما جاء في العنوان الفرعي للكتاب، التي يعتمد عليها الرئيس الاميركي الحالي جورج دبليو بوش في ادارة شئون بلاده وفي تحديد السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ويرى بأنه ليس بين رؤساء اميركا كلهم من امتلك نفس القدر من السلطة او من أبدى نفس القدر من الغطرسة بمقدار الرئيس الحالي؟ هذا على الرغم من انه قد وصل الى البيت الابيض بعد انتخابات كانت موضع جدل كبير بالنسبة لعملية عد الاصوات، لكن وعلى الرغم من السلطة التي يمتلكها فإن هناك الكثير من الاسرار التي تحيط بمسيرته التي عرفت تحالفات تثير التساؤل بالاضافة الى عمليات مالية ليست واضحة، وبناء على هذا كله يطرح هذا الكتاب عدداً من التساؤلات حول: من يحكم اميركا حقيقة؟ هل هم الايديولوجيون ام ارباب المال أم المتزمتون الدينيون؟ انه يطرح مثل هذه الاسئلة ويحاول ايضا تقديم عناصر الاجابة.
ويشير المؤلف بداية الى كتاب تم نشره بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001 تحت عنوان: «هل بوش رئيس بالصدفة؟».
ويجيب لوران معلقاً: «كان جورج دبليو بوش كل شيء ما عدا كونه نتيجة لحادث انتخابي عرضي». ويؤكد على واقع ان الكثيرين من رؤساء الولايات المتحدة قد ألحوا في خطاباتهم على المرجعية الدينية ولكن: لم يكن للمعتقد الديني مثل هذا الوزن الساحق قبل وصول جورج دبليو بوش الى البيت الابيض، ويرى لوران في هذا السياق بأن الرئيس جورج دبليو بوش كان على عكس النموذج الجمهوري الجديد، الذي اكد طيلة حملته الانتخابية الرئاسية بأنه يريد ان يجسده ذلك ان «التحالف الجديد» الذي كان يدعمه قد ادار ظهره للقيم وللقناعات التقليدية للحزب الجمهوري على الاقل تلك التي دافع عنها اثنان من زعاماته التاريخية هما ابراهام لنكولن ودوايت ايزنهاور. وحيث يقوم اليوم تحالف بين السلفيين المسيحيين الذين يصفهم المؤلف بأنهم عنصريون غالباً ومعادون للسامية وبين المحافظين الجدد واليهود القريبين جداً من الليكود، اي اليمين الاسرائيلي الحاكم.. وهؤلاء وأؤلئك يتفقون على ضرورة ان تكون المواجهة على مستويين الداخلي والخارجي.
على المستوى الداخلي يتم العمل على تفكيك نظام الضمان الاجتماعي ودعم الاقليات والمعمول به منذ عدة عقود وفرض القيم الدينية الاكثر محافظة على المجتمع الاميركي كله. وعلى المستوى الخارجي يتمثل الهدف في استخدام القوة الاميركية وخاصة العسكرية منها من اجل فرض اعادة صياغة المشهد الجيوسياسي من جديد بحيث تصبح واشنطن هي السيدة المطلقة للعبة، وهذا ما عبر عنه الصقور الذين يحيطون بجورج دبليو بوش اليوم حيث ينقل المؤلف عنهم: علينا ان نفعل كل شيء كي نمنع ان يطرح اي بلد أو اي مجموع اقليمي نفسه كمنافس لاميركا.
وكان الرئيس الاميركي الاسبق ايزنهاور قد تحدث في خطاب شهير له القاه في شهر يناير 1961 عن وجود مجمع عسكري صناعي واعتبره يشكل خطراً على الديمقراطية الاميركية. واذا كان الحديث قد استمر حول وزن هذا اللوبي وما يحمله من تهديد خلال العقود الاخيرة المنصرمة، فإن مؤلف هذا الكتاب يؤكد بأن هيمنته قد بلغت اوجها عبر السيطرة على ادارة جورج دبليو بوش، ويضيف بأن الرجال الذين يعدون السياسة الدفاعية ويطبقونها والذين يرسمون ايضا اطار السياسة الخارجية الاميركية انما يقيمون علاقات حميمة مع عالم السلاح وشركاته الاساسية.
ويشير اريك لوران الى الآراء التي اكد فيها اصحابها عدم اهتمام الرئيس الاميركي بالشأن الثقافي والفكري كثيراً، وينقل عنه تصريحه للصحفي بوب وودوارد «في شهر اغسطس من عام 2002 قوله: انني لست انساناً يستقي اعماله من بطون الكتب وانما اعتمد على غرائزي.. وهذا ما يترجمه الصحفي الاميركي بالقول: ان غريزته تشكل عمليا معتقده الديني الثاني ان اريك لوران يرى مثل هذا الرأي مهما ولكنه ليس كاملاً ويؤكد القول ان بوش لا يقرأ فعلاً وبأن الكتاب الوحيد الذي بقي لاشهر طويلة على مكتبه في غرفة نومه هو «سيرة حياة سام هوستون» مؤسس تكساس الذي احب جورج دبليو بوش ان يتشبه به.
لكن الكتاب الذي بدل شخصيته جذرياً ونظرته للعالم كان الانجيل. ويؤكد المؤلف في هذا السياق الى ان الشاب بوش كان يعاني في سن التاسعة والثلاثين من ازمة تعاطي الكحول وانه قد خرج منها، كما يبدو من شهادات العديد من اصدقائه بمن فيهم بوب ايفان صديقه القريب آنذاك ووزير ماليته حالياً، بفضل التعليمات الانجيلية اذ اقلع تماماً عن الشراب منذ بلوغه سن الاربعين بل ويؤكد المؤلف في هذا السياق ايضا بأن جورج دبليو بوش قد خاض اول معركة انتخابات لمنصب حاكم تكساس، ثم المعركة الرئاسية الاميركية على قاعدة اعتقاده بأنه مكلف ب«مهمة عليا» عليه تأديتها، كما ان المرجعية الدينية زادت في خطابات الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001 عبر حديثه عن «الشر» و«محور الشر».
ويركز المؤلف في تحليلات ايضا على وجود ثقافة حرب حقيقية في ظل ادارة جورج دبليو بوش يزكيها اليمنيون الاميركيون المتزمتون، وذلك في مواجهة ما يعتبرونه بمثابة الافكار الانحطاطية التي يدعو لها الليبراليون ومن لف لفهم وتجد صداها على صعيد الهيئات التربوية والاعلامية والثقافية والسياسية وغيرها في المجتمع الاميركي وفي مواجهة مثل هذه الحالة يرى المحافظون المتزمتون الاميركيون بأن الرد المناسب هو الحرب هذا ما توصل اليه الكاتب والمحلل الاميركي نورمان ميلر في قراءته للظاهرة حيث ينقل عنه المؤلف قوله:
في نظر المحافظين الوطنيين المتزمتين تشكل الحرب الحل الافضل الممكن حالياً، ولسان حالهم يقول: حاربوا الشر، حاربوه حتى الموت واستخدموا الكلمة خمس عشرة مرة في كل خطاب، وفي عام 2001 استطاع اليمين المتزمت الاميركي ان يتذوق بالفعل ثمار انتصاره وهذا ما عبر عنه الصحفي ويل هوتون في ال«اوبزرفر» عندما كتب: ان البريطانيين والاوروبيين الآخرين يصرون على ألا يفهموا ان الولايات المتحدة قد تغيرت ومركز ثقلها السياسي قد انتقل من ضفتيها الليبراليتين «الشرقية والغربية» نحو ضفتيها الجنوبية المحافظة الى حد كبير والتي لاتريد اقامة اية علاقة مع العالم الخارجي (...) ومنذ سنوات الستينيات اعلن المحافظون الاميركيون الحرب الشرسة ضد الليبرالية وهم يسيطرون اليوم على الدولة الاميركية وهم ينوون بأن يجنوا ثمن هذا الانتصار.
ويشرح المؤلف في هذا الكتاب الدور المهم والمركزي الذي يلعبه رجال المال والاقتصاد الاميركيون في الحياة السياسية لبلادهم اليوم.. ومن الامثلة الساطعة على ذلك «ريتشارد سكيف ميلون» الذي اكتسب لقب «الأب المالي لليمين الاميركي» وهو ابن السيدة سارة ميلون وريثة المصرفي الملياردير اندرو ميلر الذي كان بمثابة احد اكبر اغنياء اميركا الى جانب جون روكفلر ومن اهم الصفات التي يطلقها المؤلف على ريتشارد ميلون هو انه ملياردير ومتحفظ عرف كيف يكسب معركة الافكار عبر تأسيسه وتغريره مؤسسة هيريتاج التي تضم قوات الطليعة المقاتلة في الثورة المحافظة. ويركز المؤلف في هذا الاطار على شرح النفوذ الذي تتمتع به بعض المؤسسات أو علب الافكار في توجيه السياسات الاميركية الداخلية منها والخارجية.
من جهة اخرى يؤكد اريك لوران على الدعم الكبير الذي يقدمه الاصوليون المسيحيون للدولة العبرية لليهود والمثال الذي يقدمه هو رجل الاعمال الاميركي جيري فالويل الذي قدمت له اسرائيل طائرة جيت خاصة كهدية من اجل الخدمات العديدة التي قدمها لقضية اسرائيل كما قال له ذات يوم موشي ارينز وزير الدفاع الاسرائيلي السابق واحد الاعضاء الهامين في حزب الليكود ويعتبر لوران بان فالويل هو احد قادة تيار المسيحيين الصهيونيين والذي له وزن كبير لدى القادة السياسيين الاميركيين وينضوي هؤلاء جميعهم تحت لواء الحركة الاصولية المسيحية التي اتخذت منذ منتصف القرن العشرين صيغة عدائية ومتشددة من البروتستانتية واكدت على ضرورة النضال ضد الانحطاط الثقافي واللاهوت الليبرالي، بل ويرى عدد كبير من اعضاء مختلف الحركات الاصولية الاميركية بأن هناك سلسلة من الاحداث التي ستعلن نهاية العالم تمشياً مع المقولات التي طرحها القس الانجليزي جوني داربي منذ القرن التاسع عشر.
ويؤكد لوران في هذا السياق بأن التحالف المبهم بين اسرائيل والمسيحيين المحافظين في اميركا قد بدأ فعلياً عندما وصل مناحيم بيغن الى رئاسة الحكومة الاسرائيلية عام 1977 والذي كان يريد ان يعيق بأي ثمن مبادرات الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر الخاصة باطلاق المفاوضات من اجل الاعتراف بحق الفلسطينيين بأن يكون لهم وطن، هكذا سعي حزب الليكود الاسرائيلي من اجل تعزيز جبهة الاصوليين والمحافظين المسيحيين الداعمين للخط المتشدد الذي انتهجته الحكومة الاسرائيلية آنذاك، وهكذا ايضا تم حرمان جيمي كارتر من عدد من الناخبين.. الامر الذي كان احد اسباب هزيمته في انتخابات عام 1980 ضد رونالد ريغان وفي عام 1980 اتصل بيغن هاتفياً ب«جيري فالويل» قبل ان يتصل برئيس الولايات المتحدة الاميركية وفي عام 1982 ومن اجل تحضير غزو جنوب لبنان ذهب ارييل شارون الذي كان آنذاك وزيراً للدفاع الى اميركا لضمان دعم المسيحيين المحافظين.
من جهة اخرى واذا كان الناخبون اليهود قد مالوا تاريخياً الى المرشح الديمقراطي فإن نسبة كبيرة قد تحولت اعتباراً من الانتخابات الرئاسية الاميركية عام 2000 نحو تأييد المرشح الجمهوري، كما دلت عمليات استطلاع رأي جرت في عدة ولايات مثل فلوريدا وميتشيغان وبنسلفانيا، بل وان نيويورك المعروف بأنها احد معاقل الديمقراطيين، اظهرت في الانتخابات الرئاسية الاخيرة بأن اغلبية اصوات اليهود فيها قد ذهبت الى المرشح الجمهوري جورج دبليو بوش وينقل المؤلف عن وليام كريشول المفكر اليهودي المحافظ الجديد وريتشارد بيرل وبول وولفويتز كتابتهم في مجلة ويكلي ستاندارد ما مفاده نعتقد انه من الملازم بالنسبة للولايات المتحدة ان تقف الى جانب حليفتنا وصديقتنا اسرائيل. ونريد ان نطلب منكم توقيف الضغط على رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون كي يمتلك الوقت الكافي لانجاز المهمة التي حددها لنفسه والمتمثلة في اجتثاث الخلايا والبنى الاساسية الارهابية من الضفة الغربية.
ويشرح اريك لوران ضمن نفس السياق بأنه يوجد في الادارة الاميركية ايضا عدد من اليهود القريبين من حزب الليكود الاسرائيلي والمطالبين باستخدام السبيل الصارم حيال القضية الفلسطينية وان البيت الابيض يعير اراءهم واطروحاتهم آذانا صاغية وبانهم ليسوا بعيدين عن تبني سياسة خارجية اميركية قائمة على نزعة التدخل وعلى القوة لكن اريك لوران يشير بالوقت نفسه الى ان روابط هؤلاء مع اسرائيل ومع قسم من طبقتها السياسية تطرح اسئلة جدية حول حقيقة الموقف الاخلاقي لاعمالهم وحول الاسسس الصحيحة التي تقوم عليها هذه الاعمال.
الفصلان الاخيران من هذا الكتاب مكرسان لدراسة العلاقات الوثيقة بين السلطات السياسية والسلطات العسكرية الصناعية في اميركا وحيث يمثل نائب الرئيس ديك تشيني احد رموز هذه العلاقات والذي يؤكد لوران بأنه لا يقيم علاقات خاصة مع اسرائيل على عكس ريتشارد بيرل وبول وولفويتز ودوغلاس فيت واليوت ابرامس كذلك يهتم شيني حيث يتواجد البترول ومها كانت الانظمة السياسية القائمة وفي المحصلة العامة يرى اريك لوران بأن اغلبية الفريق الاميركي الحاكم اليوم يعيشون في عالم مغلق ولا يمكن المساس به ولكن مهما كانت التحزبات والمنافسات داخل الادارة فإن كل عضو فيها يتجنب ان يدفع الآخر نحو المنزلق خشية ان يكون هو نفسه الشخص المقبل على اللائحة.
lemonde secret de bush
Eric laurent
دمتم بود