عشق الشَّمس ضحىً لمَّا رآها
تهتدي الدُّنيا وتحيا بِضِياها
شَفَّهُ الوجد وَأَضْنَاهُ الهوى
وَسَبَاهُ الحسن من نور سناها
طلعةٌ تاهتْ على الكون بِما
أنعم الله عليها وَحَبَاهَا
نهضت من نومها ناعسةً
غَضَّةَ الألحاظِ كالورد رداها
والجبين السَّمح قد زيَّنه
من لُجَيْنِ النُّور تاجٌ في ضحاها
فهي (بلقيس) على العرش استوت
وقديماً ظَنَّها النَّاس إِلَهَا
والحبيب الْوَامِقُ الصَّبُّ على
أرضه يَرْنُو إلى عرش عُلاَها
وَدَّ أن يَرْقى إليها لو غدا
ذرةً تُصْهَرُ في حرِّ لظَاها
يَرْجِعُ الطَّرفَ حسيراً كلما
رجع الطرفَ إليها في سماها
كم تغَّنى بهواها وَالِهاً
وَشكا ما كان يلقى من هواها
فإذا ما غاب عن ناظره
ضوءُ عينيها وأغفتْ مقلتاها
يسهر اللَّيل إلى الفجر عسى
يشرق النُّور وتصحو من كراها
قال يوماً يا ملاك الحسن هل
لَفْتَةٌ توقظ في النَّفس مُنَاها؟
أنا مَنْ رَدَّدَ ألحان الهوى
بالتي لا يُسْعِدُ القلب سواها
عِشْتُ في الأرض وأبناء الثَّرى
لِخَسيسِ الحب يحنون الجباها
أَمْقَتُ الحب تراباً ليس في
جسمه روحٌ من الله بَرَاهَا
مسرحُ الشَّوق وَمَجْلىَ ناظري
في سماءٍ أعجزَ الظَّنَّ مداها
أعشق النَّور وفي آفاقها
نبعهُ مُذْ خالقُ الكون بناها
يا ذُكَاءَ الفلك الأعلى وَمَنْ
لجميع الخلق قد فَاضَ عطاها
إنني أشقى ومن ذات البهى
بسمة تمحو عن النَّفس شقاها
قالت الحسناء قولاً ظَنَّهُ
همسَ وحيٍ أرسلته شفتاها
ضاع عقدي فَهَوَى في أرضكم
وهَوى القلبُ مع العِقْدِ وتاها
رُدَّ لي عِقْدِي وقلبي تَلْقَنِي
خير مَنْ مَدَّتْ إلى الحب يداها
فمضى الْخُلْدُ وفي خافقه
أملٌ يَشْحَذُ في النَّفس مَضَاها
يحفر الأرض كسهمٍ نافذٍ
في حناياها ويمضي في حشاها
غاص في التُّربِ فما رَوَّعَهُ
ظلمةٌ يَذْهَبُ باللب دُجَاها
وسعى فوق ثراها ضارباً
مستهاماً باحثاً تحت ثراها
نفقٌ من نفقٍ يَبْدَؤُهُ
مبتدى غايتِه من منتهاها
رَبَّةُ الحسن عزيزٌ مهرها
يرخص العمر على درب خطاها
يفتديها بصفا أيَّامه
وَيَوَّدُ الدَّهرَ لو ظلَّ فِداها
وَيُمَنَّي النَّفس بالحلم الذي
يدفع النَّفس إلى مهوى رداها
وصَدَى همستها في أذنه
فهو لا يهوى سوى همس صداها
فَعَشَتْ عيناه من طول السُّرَى
في السَّراديب فأضحى لا يراها
وهو ماضٍ مُخْلِصٌ في حبِّه
عَلَّهُ يهدي لها أغلى حُلاَها
ويردُّ العِقدَ للصَّدر الذي
لا يدانى في سموٍ أو يضاهى
ويرى النَّور فيهفو صاعداً
نحو ذات الحسن شوقاً للقاها
(أسير الشوق)