الجزء ( السادس )
كانت تلك هي آخر أنفاس مطلق في هذه الحياة
لفظها وهو يبكي الحسرة على عاشقته المتوفاة
ليذهب إلى العالم الآخر حيثُ تكون , ليقدم لها مراسم المحبة ويزف لها أجمل لقاء !!
توفي مطلق أثر أزمة قلبية أزهقت روحه من شدة حزنِ الفراق
وجاء عهد الأبناء ...... ليكملون المشوار الذي بدأ
كانت زوجته حاملاً بابنه , الذي لم يفرح بخبر قدومه إلى هذه الدنيا
انتهت حكاية وبدأت أخرى في حياة الفتاة المُدللة
وانتهى وقت العزاء .......
وانتقلت الفتاة للعيش في دنياها المُخملية مرة أخرى
وذهبت إلى منزل والدها وهي تحمل في أحشائها همٌ آخر
بينما ذهبت العجوز أم مطلق للعيش مع أخيها في القرية المجاورة
دخلت الفتاة المُدللة إلى قصرها بعدما تعودت على العيش في بيوت الطين وبين الماعز
كانت تستغرب الحياة المُخملية , ولم تستطع النوم في الليلة الأولى !!!
وفي الصباح بينما كان والديها يجلسان على طاولة الطعام
طلبت منهما أمراً لم يجداه عقلانياً في رأيهم
وشككوا في صحتها العقلية وبأنها أُصيبت بالجنون
حيثُ قالت :
أبي أريد أن أعود إلى القرية لأبقى مع خالتي أم مطلق وأربي أبني ( مطلق ) حيثُ تربى أبيه وعاش في تلك القرية
فقال أبيها :
هل تريديني أن أصبح علكة يلوكها الناس في كل مكان ؟
هل أنتِ أبنتي التي عرفتها , تحب حياة الرفاهية والعز وكانت ترفض الذهاب حيث البساطة والفقر !!
الآن أنتِ حرةً في مكانكِ الذي ترغبين , ماذا تردين أكثر ؟!!
فقالت :
ولماذا لم يكن كلامك هذا منذُ البداية ؟
أنت من أجبرني على تغيير حياتي في الزواج من شخصٍ يعيش في بساطته
فلا ترفض عودتي لواقعٍ أعتدت عليه وأنت السبب !!
فقال :
لا أريد نقاشاً في هذا الموضوع , الآن دعي أبنك يأتي ولكل حادثٍ حديث !!
فقالت :
لن أرضى لا أن يولد أبني إلا بقرب أبيه في قريته وفي مكان ولادته
فقال :
لن أدعكِ تذهبين , أفهمي كلامي , ولا تجادليني أكثر !!
تدخلت الأم , بكبريائها كالعادة وقالت :
دعها تذهب يا أبا سعيد , أنظر إليها وهي تلبس البرقع أمامنا وفي وسط المنزل وكأنها مجنونة !!
أبنتك هذه قد تغيرت تماماً عن سابق عهدنا بها دعها تكمل حياتها هُناك كما تريد
فهي الآن تحمل لنا أبناً قروي , لن يقوى العيش في المدينة ولا تناسبه أجواءها !!!
أذهبي أيتها البدوية , إلى حيث ماعزكِ ودجاجكِ وبيتكِ الطيني ولكن أحذري أن تعودي لنا مرة أخرى وأنتِ تشكين الفقر والحاجة !!
وضحكت ضحكة كبيرة جداً , وهي تستهزئ بالتغيير الذي طرأ على واقع أبنتهم المُدللة
قالت الفتاة :
صدقيني يا أمي أن تلك الحياة وجدتُ بها سعادة لم أجدها يوماً في زوايا قصركم هذا
وجدتُ أماً حنونة نستني أنكِ أنتِ أمي وأن هذا أبي , وأصبحت هي كل شيء !!
أتعلمان أنني لم أندم على زواجي من مطلق رحمه الله , بقدر ما ندمت أنني عشتُ معكما في هذا المكان سنين عمري كلها بعيده عن تلك السعادة !!!
قامت الفتاة من على الطاولة وهي غاضبة من تعليقات والديها وضحكاتهم المستهزئة
وصعدت إلى غرفتها , وكانت تبكي وتبكي وتفكر كيف تخرج من هذا القصر وتعود لأحضان أم مطلق تلك العجوز الطيبة .
مرت الأيام تشكوا الحزن وتبحث عن شعاع الأمل والسعادة
وكان يومٌ تاريخي في حياة ( هيا ) يحمل نبأً سار وآخر ضار
أما السار فهو ولادة أبنها الأول , والضار هو وفاة أم مطلق الطيبة
في يومٍ واحد كُتب لهيا أن تعيش الفرح والحزن معاً بدموع مُختلطة
أصبحت الآن أماً لمولود ذكر ليس له في هذه الدنيا سواها
قررت أن تُسميه على أسم والده ( مطلق ) حفاظاً على ذكرى عهده من الضياع والنسيان
كانت هيا أماً جيدة وزوجة وفيه جداً لزوجها المتوفى
كل يومٍ يمر على هيا تخسر من شبابها الكثير ساهرةً على راحة ابنها الصغير
تحملت من أجله كثيراً وذاقت المرّ في تربيته
ورفضت الزواج من أجله وضاع شبابها
وهي تربي وتربي , وتذرف من الدموع الكثير
وبعد مرور خمسة عشر عاماً
كبر أبن هيا وكبر معه الهم وتضاعفت المسئولية
وكانت ثقيلة جداً على عاتقها الهش والضعيف كأي امرأة مكسورة
كان ابناً مُشاغب كثير المشاكل في المدرسة وبين الجيران وفي مراكز الشرطة
حيثُ تربى هذا الابن في حياةٍ مُخملية ورفاهية كبيرة جداً
ولم يعرف من حياة القرية شيء , التي عاشها والده !!
ولم يتعود إلا إجابة طلباته التي لا تنتهي
من سيارات وأجهزة محمول وجوال وغيرها من أمور عصرية لم يكن ليعرفها لو ولد في القرية بين الماعز وبيوت الطين !!!
كان أبناً مُدلل يخرج أوقات كثيرة من المنزل
ولا يجد من يحاسبه على تصرفاته الخاطئة
كان جده مريض منذّ سنوات ولايقوى على المشاركة في تربيته
وجدته مازالت تعيش في كبريائها وعزتها في حياتها الخاصة البعيدة عن إهتمامات العائلة والأولاد
وكانت هيا هي من تحاول السيطرة على مراهقة أبنها والاهتمام في شؤونه وحيدة بلا عون ولا سند !!
جاء يومٌ من الأيام وكانت الفرصة ثمينة أمام هيا
حيثُ تقدم لها أحدهم طالباً يدها للزواج
وجدت أنها فرصة قد تستطيع إعانتها على تربية ابنها المراهق
ففكرت كثيراً وطلبت السماح من روح زوجها المتوفى
وتوكلت على الله ووافقت على هذا الزوج وابتدأ معه مشواراً آخر
كان زوجٌ عطوف وحنون , متعلم ووسيم .. يعمل مُعلماً في أحد المدارس ومتزوج سابقاً وقد أنفصل عن زوجته بسبب عدم إنجابها
وكان يقدر محبتها لأبنها وخوفها عليه , وكان ويخاف عليه من أجلها
رُغم أن ابنها لا يحبه ولا يطيق رؤيته على الإطلاق
حيثُ كان يسبب لزوج أمه مشاكل لا تنتهي مع الجيران وغيرهم
إلا أن هذا الرجُل كان طويل البال ويحسن التصرف مع المراهقين
حيثُ كان يمتص غضب هذا الابن في هدية ويعطيه المال ويحببه فيه إلى أن تقبل وجوده في حياته
وكان هذا من حُسن حظ هذه المسكينة
لكن كما يُقال أن الجميل أو الجمال لا يكتمل في أحيان كثيرة
وكان عيبُ هذا الزوج أنه إنسان يهوى النساء ويبحث عنهن في كل زمان ومكان
وكان يخون زوجته كثيراً وهي لا تعلم , إلى أن جاء يومٌ واكتشفت خيانته وصارحته بالأمر إلا أنه كان ينكر وينكر إلى أن تعودت هيا على خيانة زوجها الخائن !!!
لدرجة أنه تمادى في خيانته معها ووقاحته إلى أن وصل فيه الأمر إلى التحدث مع النساء أمامها في الجوال , يحدد المواعيد ويكلم هذه وتلك بكلام الحب والغزل
وكانت تعترض أحياناً على كلامه هذا , لكنه يجد الرد عليها جاهزاً
في كل مرة ويقول :
أنتِ من تحتاجين وجودي إلى جانبكِ ولستُ أنا من يحتاجكِ أنتِ وأبنكِ المراهق الذي أقلق راحتي معه !!!
فتصمت هذه المسكينة أمام الحاجة لرجُل يساندها في إكمال مشوار تربية ابنها
وكانت تتحمل الإهانة والخيانة من أجله ومن أجل مستقبله المجهول
إلى أن جاءت أبنتها الأخرى من هذا الرجُل الخائن وكانت بدايةً جديدة
وبشرى لسعادةٍ أخرى مجهولة النتائج !!!
يتبع الجزء ( السابع )