لا يزال العالم كله العلماء والفلاسفة والمفكرون والحكماء والمؤرخون يتعجبون عندما ينظروا في سر نجاح دعوة النبي صلي الله عليه وسلم وكيف بلغ دينه هذه الجملة من الأرض في سنين معدودات ولم يكن يتبعه إلا رجال فقراء ليس معهم من الدنيا شيء لم يتثقفوا بثقافة عصرهم
ولم يهتدوا بتفكير الفلاسفة السابقين لنبيهم وإنما جاءوا من البادية ليُقيموا هذه الدعوة الكاملة العالية ويقضوا على الأمم المتجبرة يقضوا على الأكاسرة والقياصرة وغيرهم ويبلغ ملك دعوته من الصين شرقاً إلى فرنسا غرباً في سنين معدودات ما السر في ذلك؟ وكيف تم لهم ذلك؟
نحن جميعاً نحتاج إلى معرفة بعض ذلك لعل الله يكتب لنا النجاح كما كتبه لهم ويُسخر لنا الأرض والخيرات كما سخرها لهم ويجمع شملنا كما جمع شملهم ويُعلي شأننا كما أعلى الله شأنهم
إن النبي الكريم صلي الله عليه وسلم وضع الله له منهجاً إلهياً في تربية أتباعه إذا صاروا على هذا النهج مكَّن الله لهم نواصي العباد والبلاد وجعل النجاح حليفهم في كل واد جعل لهذا النهج الكريم في القرآن الكريم أمور يقول فيها الله {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} البقرة151
مدرسة النبي صلي الله عليه وسلم من دخلها كان يبدأ معه النبي بتلاوة الآيات آيات كتاب الله التي أنزلها عليه الرحمن وتفصيلها في الأكوان فكان يقرأ عليهم علامات قدرة الله في البر والبحر والجو ويُوضح لهم آثار قدرة الله في أنفسهم {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} فصلت53
يقول في ذلك سيدنا أبو ذر رضي الله عنه
{لَقَدْ تَرَكَنَا رَسُولُ اللَّه ِصلي الله عليه وسلم وَمَا يَتَقَلَّبُ فِي السَّمَاءِ طَائِرٌ إِلا ذَكَّرَنَا مِنْهُ عِلْمًا}[1]
أمرهم بالنظر {أَفَلَا يَنظُرُونَ} وكان يراعيهم صلي الله عليه وسلم في كل مجالسه باستيعاب ومعاودة هذا النظر {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ{17} وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ{18} وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ{19} وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ{20} فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ{21} الغاشية
فكان يُذكِّرهم بهذه الحقائق حتى قَوِي اليقين في الله واطمأنت القلوب بقدرة الله فوَلَّد الإيمان في القلوب الرهبة من الله والخشية لجلال الله والخوف من الله جل في علاه فدخلوا في قول الله {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} فاطر28 فكانوا أهل خشية لله
وبعد ذلك يتطور بهم وينقلب بهم إلى طهارة النفوس وهي التزكية لا بد من تزكية النفوس وتزكيتها أي طهرتها من الأحقاد والأحساد والغل والكره والشح والجهل وكل الصفات التي نوَّه عنها كتاب الله وبيَّنها في مجالسه رسول الله وبعد ذلك يدعوهم للوقوف بين يدي الله لأداء العبادات لله ولذا قال لنا الله {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى{14} وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى{15} الأعلى
[1] مسند الإمام احمد
منقول من كتاب [الأشفية النبوية للعصر]