العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام الثقافية والأدبية ]:::::+ > المنتدى الثقافي
إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22-02-2013, 02:57 AM   رقم المشاركة : 1
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور


لا تكن مضياعا لوقتك
الحمدُ لله ربِّ العالَمين، وصلَّى الله وسلَّم وباركَ على عبدِه ورسوله نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.


أمَّا بعدُ:


يُمضي كثيرٌ مِن النَّاس أوقاتَهم ما بينَ المقاهي، والطُّرُقات والشَّوارع، ووسائلِ اللَّهو؛ بل في رَدهات المصالح العامَّة والخاصَّة، يَنتظرون مرسومًا، أو معاملةً، أو مراجعةً تَخصُّهم بلا شيءٍ يَفعلونه، ولا فائدةٍ يَستفيدونها.


ونجد آخَرين، قليلي الانتفاعِ بأوقاتهم، وفَوضويِّين في الإفادة مِن ساعات زمنهم، فلا جَدولَ يضعونَه؛ لكي يُنظِّموا أوقاتَهم، ولا خُطَّة يرسمونها؛ لكي تَتضِّحَ لهم أعمالُهم، مع التَّقصير الشَّديد في المحافظة على الوقت والاهتمام به.

لقد قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((نِعمتانِ مَغبونٌ فيهما كثيرٌ مِنَ النَّاس: الصِّحة والفَراغ))؛ أخرجه البخاري من حديث ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - في كتاب الرقاق برقم: (6412).

لكنَّنا نجد أنَّ كثيرًا مِنَ النَّاس لا يُعطون لهاتينِ النِّعْمتَين (الصِّحة والفَراغ) قَدرَهما، ولا يُولُونهما الاهتمامَ والرِّعاية، وإنَّه لَيحزُنني كثيرًا حين أُشاهد أُناسًا يَبقَوْن بلا شيءٍ يستثمرونه في ساعاتِ الانتظار، أو صالات الاستقبال، أو سيَّارات الأُجرة، أو أوقاتِ السَّفر، أو حالةِ جلوسِهم في بيتهم تجد أحدهم "يفشّ غلَّه" بأولاده وزوجتِه بكثرة الشَّتائم والصِّياح، ثمَّ يَشْكُون قائلين: بأنَّ حياتَهم قاتلةٌ ومملَّةٌ غير سعيدة!

هذا "الإنسان الفارغ" يعيش بلا هدفٍ في حياته، ولا غايةٍ مُرضية، بل نجد أنَّ حياتَه مملَّةٌ أشبه بـ"الرُّوتين" القاتل، حيث يَقضي بعضُ النَّاس على أنفسِهم بهذا الفراغ، والفراغُ يجعلهم يُجيدون فنونَ التَّثاؤُبِ والكسل، ومِن أشكالِ الملل والهمِّ والغمِّ الشيءَ الكثير.

نعمْ، ليس هنالك وقتٌ نستطيع أن نسمِّيَه وقتَ فراغٍ، ولكنَّ حالة الشَّخص هي حالةُ الفراغ، فالعادة أنَّ الإنسانَ منذُ أن ينتهيَ مِن عملٍ، يقوم بأداءِ عملٍ آخَرَ ينشغل به، لكنَّ هذا ليس هو الإشكالَ، بلِ المُشْكِل أنْ يكون المرءُ غيرَ مستثمرٍ لوقته، ومُستغِلٍّ لدقائق عُمُره.

وفي الطَّرف الآخَرِ نجد مقابلَ المُضيِّعين لوقتهم، أولئك القومَ المهتمِّين بأوقاتهم مِنَ العُلماء، والمُصلحين، والمفكِّرين، ورجال الأعمال النَّاجحين، الذين يُقدِّرون قِيمةَ الوقت، وساعةَ الزَّمن، فيخرجون مِن هذه الدُّنيا، وقد ملؤُوها عِلمًا، أو حِكمةً، أو مشاريعَ بنَّاءةً، يترضَّى عنهم النَّاسُ زمنًا بعدَ زمن.

ولو دقَّقْنا التَّأمل في سيرتهم، لوجدنا أنَّهم ما كانوا يُضيِّعون ثانيةً مِن أوقاتِهم هدرًا، فالإمام المَجْدُ بنُ تَيميةَ يَطلبُ مِن خادمه أنْ يقرأَ عليه كتابًا وهو في داخل الخلاء (دورة المياه)؛ حِرصًا على وقته!

وذاك الشَّيخ يقرأ وهو يمشي، حتَّى إنَّه قد ارتطم بجدارٍ، فمات أو سقط في حفرة، وهو لا يَشعر!

والإمامُ ابن القَيِّم يؤلِّف كتابين وهو في السَّفر مِن أَروعِ ما ازدانت بهما رُفوف المكتبات، وانتفع بهما طَلبةُ العِلم، وهما: "بدائع الفوائد"، و"زاد المعاد"!

والإمام السَّرخسيُّ يُسْجَن، فَيُؤلِّف كتابًا حافلاً في الفقه الحنفيِّ، واسمه: "المبسوط"، ويقع في أكثرَ من ثلاثين مجلَّدًا.

وشيخ الإسلام ابنُ تَيميةَ يُسجَن، فَيَجلس لتعليمِ النَّاس أُمورَ دِينهم، ويؤثِّر عليهم، حتَّى إنَّ بعضَ اللُّصوص تابوا على يديه وصاروا مِنَ الصَّالحين!

وذاك العابد يُمضي وقتَه في الاستغفار والتَّسبيح، ورجلُ الأعمال الصَّالح يَبني المساجدَ، ويُعين المحتاجَ، ويُغيث الملهوف.

إنَّها أوقاتٌ عاشها هؤلاءِ القومُ، وقد تكون ضائعةً إن لم تُستغلَّ، إلاَّ أنَّ المُفلحينَ النَّاجحين الذين يَعرِفون أنَّ للوقتِ قِيمةً كبيرةً، وأنَّه أنفاسٌ لن تعودَ، وأنَّ الوقت كالسَّيف؛ إن لم تَقطعْه قَطعَك، وأنَّ الوقت ليس مِن ذهب فحسبُ، بل هو ذَهاب شيءٍ من عُمُر الإنسانِ، فهو الحياة؛ لهذا أدركوا قيمةَ الوقت، فلم يدعوه يذهب هباءً منثورًا، وقد علِمُوا أنَّ مَن لم يَستغلَّه في مرضاةِ الله، فسيندم على التَّفريط فيه؛ وقد قال - تعالى -:{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 99 – 100].

يحدِّث الصَّحابيُّ الجليلُ أبو ذرٍّ - رضي الله عنه - فيقول: قلتُ: يا رسولَ الله: أيُّ الأعمالِ أَفضلُ؟قال: ((الإيمانُ باللهِ، والجِهادُ في سبيلِه))، قال: قلتُ: أيُّ الرِّقاب أفضلُ؟ قال: ((أَنفَسُها عندَ أهلِها، وأَكثرُها ثمنًا))، قال: قلتُ: فإنْ لم أفعلْ؟ قال: ((تُعين صانعًا، أو تَصنعُ لأَخرقَ))، قال: قلت: يا رسولَ الله: أرأيتَ إنْ ضَعُفتُ عن بعض العمل؟قال: ((تَكفُّ شَرَّكَ عنِ النَّاس، فإنَّها صدقةٌ منكَ على نفسكَ))؛ أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" (1/62).

والأخرق: هو الذي ليس بصانعٍ، يقال: رجل أخرقُ، وامرأةٌ خرقاءُ لمَن لا صنعةَ له.
إنَّ في هذا الحديثِ لَعِبرةً وذكرى لكلِّ مَن كان له قلبٌ، أو ألْقَى السَّمع وهو شهيدٌ، فليتَ بعضَ النَّاس حالةَ فراغِهم يَقتصرون على ذلك، فلا لهم ولا عليهم، ولكنْ أَن يَستزيدوا على أنفسِهم بهذا الفَراغِ مِن السِّباب والشَّتائم، والغِيبة والنَّميمة، والكلام في أعراض النَّاس، أو بأنماطِ التَّفكيرِ السَّلبيَّة، التي تَزرع الهَمَّ والنَّكدَ، أو الانشغال بأحاديثَ جانبيَّةٍ، ضررُها أكثرُ مِن نفعِها.

إنَّ هذا الحديثَ يُعلِّمنا كيفَ أنَّه لو لم يَستطعْ بعض النَّاس أن يُقدِّموا الخيرَ للآخَرِين، ويزرعوا لهم بذورَ الخير ليقتطفوها، فخيرٌ لهم أنْ يَكفُّوا أذاهم وشرَّهم عنِ النَّاس، وهذا - مع شديدِ الأَسى - حالةُ كثيرٍ من النَّاس اليومَ، فَهُمْ مع ضعفِ استغلالهم لوقتِهم، يستثمرونه بما لا يُرضي اللهَ – تعالى - وصدق مَن قال:


لَقَدْ هَاجَ الْبَلاءُ عَلَيْهِ شُغْلاً وَأَسْبَابُ الْبَلاءِ مِنَ الْفَرَاغِ






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:55 PM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية