نـزول هذه السورة، وهذا السياق قد يُوهم أن نـزول هذه السورة بالمدينة، وليس كذلك، وإنما هي مكية.
وقوله في هذا السياق: إن بين نـزول أولها وآخرها ثمانية أشهر -غريب؛ فقد تقدم في رواية أحمد
أنه كان بينهما سنة.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو أسامة، عن مِسْعَر، عن سِماك الحنفي،
سمعت ابن عباس يقول: أول ما نـزل: أول المزمل، كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان،
وكان بين أولها وآخرها قريب من سنة.
وهكذا رواه ابن جرير عن أبي كُرَيْب، عن أبي أسامة، به.
وقال الثوري ومحمد بن بشر العَبدي، كلاهما عن مسعر، عن سماك، عن ابن عباس: كان بينهما سنة. وروى
ابن جرير، عن أبي كريب، عن وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثله.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا مِهْرَان، عن سفيان، عن قيس بن وهب، عن أبي عبد الرحمن قال:
لما نـزلت: ( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ) قاموا حولا حتى ورمت أقدامهم وسُوقُهم، حتى نـزلت: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ قال: فاستراح الناس.
وكذا قال الحسن البصري.
وقال ابن أبي حاتم: [حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا عُبَيد الله بن عمر القواريري، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنا أبي] عن قتادة، عن زُرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام قال: فقلت -يعني لعائشة-: أخبرينا عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: ألست تقرأ: ( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ) ؟ قلت: بلى. قالت: فإنها كانت قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حتى انتفخت أقدامهم، وحُبس آخرها في السماء ستة عشر شهرًا، ثم نـزل.
وقال مَعْمَر، عن قتادة: ( قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا ) قاموا حولا أو حولين، حتى انتفخت سوقُهم < 8-255 > وأقدامهم فأنـزل الله تخفيفها بعد في آخر السورة.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن حُميد، حدثنا يعقوب القمي عن جعفر، عن سعيد -هو ابن جبير-قال: لما أنـزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم: ( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ) قال: مكث النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحال عشر سنين يقوم الليل، كما أمره، وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه، فأنـزل الله عليه بعد عشر سنين: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ إلى قوله: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ فخفف الله تعالى عنهم بعد عشر سنين.
ورواه ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن عمرو بن رافع، عن يعقوب القمي به.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا * [أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا ) فأمر الله نبيه والمؤمنين بقيام الليل إلا قليلا] فشق ذلك على المؤمنين، ثم خفف الله عنهم ورحمهم، فأنـزل بعد هذا: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ إلى قوله: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ فوسع الله -وله الحمد-ولم يضيق.