المعركـة الفاصلة
{ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}..
في بداية الأمر كان أهل النور والحق غرباء ضعفاء، لكن لما كان الله معهم هو وليهم ونصيرهم صارت غربتهم إلى زوال، وتبدل ضعفهم قوة وثباتا، فصارت لهم من القوة والمنعة ما يقدرون به على الوقوف أمام أهل الظلم والكفر، وجها لوجه، ندا لند، بعزة وكرامة، كانوا قلة لكن:
{كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين}..
التقى المؤمنون والكافرون في معركة فاصلة في تاريخ الإسلام بل في تاريخ البشرية، لذا سماها الله تعالى {يوم الفرقان}..
فإنها فرقت بين الحق والباطل، بين الإيمان والكفر، وجعلت لمن آمن بالله هيبة ومنعة، وحجزت الطغاة عن استذلال الناس، وكانت إيذانا بزوال الظلم والظلمات..
معركة بدر كانت متواضعة في أحداثها وعتادها وأفرادها وزمانها ومكانها، المسلمون ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا وشيء قليل من الإبل والخيل، والمشركون ألف رجل معهم شيء كثير من الإبل والخيل، لم تكن فيها الدبابات والطائرات والصواريخ، لكنها كانت في ذاتها ونتائجها بالغة الأهمية، فالبشرية تعيش إلى اليوم في ظلال نتائج معركة بدر الكبرى..
فقد انتصر المسلمون على الكافرين، وظهر العدل والحق، وذل الشرك والظلم، فكل خير أصاب البشرية من بعد ذلك وإلى اليوم فإنما هو حسنة من حسنات معركة بدر، فماذا لو أن الكفر انتصر في تلك المعركة ؟..
إذاً لبقي الناس في الذل والمهانة والظلم، يتجرعون مرارتها ولايملكون ردها، كان الإنسان في ظل حكم الجاهلية مسلوب الكرامة، مسلوب العرض والمال والنفس، يعيش حياة يحكمها قانون الغابة: " القوي يأكل الضعيف"، وتلك الحالة لايدركها إلا من ذاقها، والبشرية اليوم تعيش طرفا منها حين غاب عنها نور الإسلام..
وقبل معركة بدر كانت البشرية تصلى بالبؤس على يد أفراد تؤمن بمصالحها الشخصية وتدوس على مصالح شعوبها، فجاء الإسلام لتحرير الإنسان من هذا الوهم والظلم، ولذا قال ربعي بن عامر قولته المشهورة مخاطبا رستم:
" إن الله ابتعثنا لإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة"..
كانت معركة بدر فيصلا في التاريخ، فهزيمة المسلمين تعني بقاء الظلمات وسيادة شريعة الغاب، لذا قال رسول الله : (اللهم إن تهلك هذه العصابة لاتعبد في الأرض)، حكى عمر بن الخطاب قال:
" لما كان يوم بدر نظر رسول الله إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا فاستقبل نبي الله القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه:
(اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لاتعبد في الأرض)..
فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبوبكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال: " يانبي الله كفاك مناشدتك ربك فإن الله سينجز لك ما وعد، فأنزل الله : { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين}، فامده الله بالملائكة" رواه مسلم ..
انتصر المسلمون فأطلقوا رسالة واضحة إلى كل طاغية مستبد يزاحم الناس في أقواتهم، ويدوس على كرامتهم أن شمسه جبروته إلى زوال، وأن مراتع طغيانه إلى تبدد..
وهذا ما كان، فقد ارتفعت معنويات المسلمين، وصاروا أعزة، وأقبل الناس على هذا الدين فدخل فيه من دخل، وما زالت الأيام تمضي حتى عم النور المبين، وضمر الاستبداد والاستعباد، والفضل يعود بعد الله تعالى إلى أهل بدر رضي الله عنهم.
ولن يعود الأمر إلى نصابه، والحق إلى أهله، إلا إذا عاد أحفاد أهل بدر، ليحملوا الراية من جديد، ويزيحوا أحفاد أبي جهل، ليزيحوا معهم الظلم والعدوان.
لم يبق في الناس إلا المكر والملق***شوك إذا لمسوا، زهر إذا رمقوا
فإن دعتك ضرورات لعشرتهــم***فكن جحيما لعل الشوك يحتـرق
منقووووووووووووووووول.