حين كانت في المصنع الروسي قبل 30 عاما تلقى المهندسون طلبا بأن يضاف إلى أجهزة التحكم فيها زر (ضبط النفس) وحين وصلت إلى دمشق استدعى قائد المشاغل العسكرية خطاط الجيش كي يكتب على مؤخرتها: (نحتفظ بحق الرد) ثم أرسلت إلى الجولان بلا ذخيرة وتحولت مع مرور الأيام إلى علامة حدودية !.
نسي الجنود أنها دبابة حتى تلقوا أمرا عاجلا بإرسلها إلى حماة، شحنت بالذخائر وزودت بالوقود ودبت الحركة في أوصالها، كانت كمن يستيقظ من غيبوبة مفاجئة، استعادت عنفوانها وتعرفت في الطريق على عشرات الدبابات التي خرجت من المصنع ذاته، وما أن دخلت المدينة حتى بدأت تطلق قذائفها في كل اتجاه.. هدمت البيوت وقصفت المساجد وحطمت أسوار المدارس وشعرت أنها قد ولدت من جديد.
بعد عام واحد ذهبت في رحلة سياحية إلى لبنان.. عبرت السهل وتجاوزت الجبل حتى وصلت إلى شوارع بيروت، كانت مرحلة رائقة في تاريخها، صحيح أنها تحولت إلى سيارة شرطة ولكنها استمتعت كثيرا بلعبة الأمر والنهي، كان وجودها في هذا الشارع أو ذاك يحدد توجهات الأحزاب المتصارعة أما شحنها بالذخائر فيعني بداية مرحلة فاصلة في الحرب الأهلية اللبنانية، الشيء الوحيد الذي أزعجها خلال هجرتها إلى لبنان هو أن الجنود جعلوا من جوفها مستودعا للبضائع المهربة حيث كانت تغص بعلب السجائر وبنطلونات الجينز وأشرطة الفيديو
بعد أن خرجت من لبنان بقيت سنوات دون عمل، أزعجتها البطالة المقنعة ولكنها كانت تسلي النفس بقراءة الجرائد التي تتحدث عن الممانعة والمقاومة والصمود.. تعرفت على الكثير من الدبابات الصامدات في المعسكر ولم تعد بحاجة لقطع الغيار بعد أن أصبحت تمانع في مكانها !.
فجأة ودون مقدمات طلبوا منها أن تحاصر درعا، وما أن انتهت من مهمتها حتى جاءت الأوامر بأن تتوجه إلى أدلب ثم إلى حمص ثم إلى اللاذقية، لم تعد تملك أي وقت للراحة أو الممانعة، عادت إلى شوارع حماة كي تطلق قذائفها على البيوت ذاتها التي قصفتها قبل 30 عاما، كانت في سباق دائم مع سيارات الشبيحة تخترق الحقول وتقتحم القرى وتحول المدن إلى خرائب.
حين خرجت من المصنع قبل 30 قالوا لها إنها سوف تقاتل دبابة الميركافا الإسرائيلية ولكنها وجدت نفسها تقاتل عربة الخضار في حماة ودير الزور ودرعا وبانياس وباقس الوطن الحبيب السوري
وياليتني عدت الى مصنعي المكان الذي جئت منه ولا استخدمت لغير الغرض الذي جئت من اجله