البارحة اتصلت عليَّ الوالدة تُهنئ وتُبارك بعد أنْ منَّ الله عليَّ أمراً طيّباً طال انتظاره حتّى بلغني اليأس منه ، وتسألُ عن حالي وأحوالي ، وماذا فعلتُ وماذا جرا لي ، فطمئنت قلبها أحسن اطمئنان ، و وعدتها بالزيّارة متى ما سمحت الحال ؛ إنَّ الوالدة – أطال الله بقائها – تُطالبني بالزواج في كل مرّة أسمع فيها صوتها أو أجلس معها ، حتّى مللت كثرة إلحاحها وصرتُ أتحجج بالعمل والأشغال لأجل التهرب من سؤالها الذي أمسى همَّاً مؤرقا ، ولعلها في الفترة الأخيرة أصبحت تُهددني بأنها سوف تزوّج أخي الأصغر منّي قبلي ! ، ظنَّاً منها – يا لبّها قليبها – أنَّ ذلك سوف يجعلني أتراجع عن قراري بشأن العزوبيّة ، فقلت لها ( زوجوه ومني له المهر ) ! ، فقالت ( أنت مالك طبّ ) ! ، فأسدلتُ ستائر اليأس على قلبها الطيّب وغادر جمهور الأفكار إلى لا رجعة بإذن الله .
في عُرفنا تكون نظرة النَّاس للرجل الذي نضج وأصبح قادراً على الزواج خصوصاً من الناحية الجسدية والمادية ولم يفعل نظرة رهيبة ! ، تجعل صاحبها يُحرم على نفسه صلة الأرحام خوفاً من السؤال ( وراك ما أعرستْ ؟ ) ، ويعلن مقاطعة المناسبات الاجتماعيّة رهبةً من التساؤل ( هاه ، بشرنا ، جاك عيال ؟ ) مع أن السائل يعرف أنك لم تتزوج أصلاً ، لكنه يريد أن يورث في قلبك الهلع والفزع ، أو أنه يُخطط عليك ! .
أتصدقون ! ، أصبح النَّاس يخطبون لبناتهم قبل أولادهم وقد أوضح ذلك القدماء في أمثلتهم ، لكن ليس بهذا المقدار من البجاحة ، وضعف الحيلة ، وقلّة الأدب ! ؛ فالرجل الذي اكتمل نصاب عمره ومرتبه صار هدفاً لأقوام يحملون همَّ بناتهم في أعناقهم ، ولا ألومهم في ذلك ، فالعوانس أصبحن بالرطل ، والعاطلون أكثر من حبّات اللب المصري المتناثرة في ملعب الملزّ بعد مباراة النصر والهلال ، والوظائف بنفس مقدار أمطار هذه السنة على نجد ، لا شيء ! .
عموماً ، فأنا لو تزوّجت فلن أرضى بأقل من أربع ، فأنا أكون قد اصطدت عصفورين بحجر ! ، فأحقق نصف الدين وأكون عضواً فعالاً في حل المشكلة الاجتماعيّة الكبيرة المتمثلة في تكدّس العوانس ، أعرف أن الكثير من النساء وبعض الرجال لا يعجبهم هذا الكلام ، بل يستأن ويستاءون من أمر التعدد ، وأولهن والدتي التي فاتحتها بالفكرة فأبدت امتعاضها الشديد وحملت قهوتها ومضت إلى غرفة أخرى وهي تقول ( ألله ياخذك لا تفتّح عيونن مغمضة ) وتقصد هنا أبي ، فاستدركتها وقلت ( يمّه ، هذا شرع في القرآن ) ، فوضعت القهوة على المنضدة وأردفت قائلة ( جعله ما يوفقك ، وشوله تتزوّج على أم عيّيلك ) ! ، فقلت لها ( ماذا لو كانت أم العيال هذه مريضة أو عقيماً أو أي سبب وجيه آخر للزواج بأخرى ، ماذا أفعل ) ، فقالت وهي غير مقتنعة بما تقول ( أنت توكل على الله وما بيجيك إلا الخير ) ، نحن متعلقون بالتوكل متشبثون به ، لكن ماذا عن الأسباب ؟ ، سُحقاً مثنى وثلاث ورباع .
أذكر جارة لنا اسمها ( بدريّة ) تُجيد الطبخ أكثر من أي شيف في العالم أجمع ، ولا دليل على هذا كأنابيب البوتاجاز في مطبخهم التي تلونت بمختلف أنواع الأطعمة ، حتّى أن صديقي بندر وهو ابن بدريّة البكر يقول لي بأنه يعرف مذاق الطعام عن طريق ( لحس ) البوتاجاز !! ، كان يجيء لهذه الجارة ( بدريّة ) امرأة أخرى لا أعرف اسمها حتّى اليوم وقد كانت عانساً منتكساً ، كانت تبلغ من العمر عتيّا وقد ظهرت علامات التصحر على مفاصلها ، وتتأفف دوماً من كثرة خطّابها !! ، وأنها تردُّ في اليوم كذا وكذا ، وقد كنت أتساءل – برغم صغر سنّي – قائلاً ( يلعن أم العالم ، مالهم عيون ذولي اللي يجون يخطبونها ؟ ) ، وقد أكملت مشوار حياتها وحيدة في غرفة نومها فاتحة النافذة وهي تحلم بأن فارس أحلامها سيأتي يوماً ما على حصانٍ أبيض ذي جناحين ليدخل مع النافذة ويأخذها بقميص نومها القطني الذي تفوح منه رائحة طبخ بدريّة ليذهب بها بعيداً حيث لا عوانس ! مثل سندريلا ، مع أن الدلائل تُشير وبقوّة إلى أنَّ هذا الفارس لن يأتي ولو على – حصان أخوي خضير – أو حتّى – حمار القايلة - ، ولا دليل على هذا كرأسها الذي صار مثل ( ليفة مواعين ) أُخرجت للتو من محلول ( فيري ) العنيد ! .
نقف أمام عائق كبير لحل مشكلة الآنسات العانسات أبكاراً أو مطلقات ألا وهو التحجج والتمنع و ( التصريفات ) الواهية والفاهية ، يتحججن بالدراسة أو بقولها ( يوه ، توني صغيره ) وقد تناست المثل الذي يقول ( من تغلى تخلى ) ، فيفوتهن قطار الزواج ، ولأن هذا القطار سريع جداً – إكسبريس - ، بل أسرع من قطار ( جي تي في ) ، فهو لا يقف ولا ينتظر الركاب ويتحرك في موعده المحدد حتى ولو بدون ركاب ! ، ومن ناحية أخرى فالرجل ( ناقل عيبه ولا يعيبه إلا جيبه ) فإن النساء في النهاية هن الخاسرات .
فالعانس المسكينة أم 28 عاماً لا يتقدم لخطبتها إلا من هو في سن الخمسين ومتزوج أيضاً ! ، أعرف أن المسلسلات والأفلام الأجنبية قد لعبت لعبتها في عقولهن السنجابيّة الصغيرة ، خصوصاً أن بعضهن يحلم ب4 أعوام للتفاهم و3 للتأقلم و2 للتجربة وكأننا في غابات السافانا ! ، أمَّا المطلقة ولو كانت بنت عشرين لا يتقدم لخطبتها إلا كهل عنين ، أما من يكون في عمر مقارب لعمرها – أي 20 – لو يتزوج بعد أو أنه مطلق هو الآخر ، تجده لا يريد إلا بنت بنوت ، يريد بكراً ( ما حبْ خشيشتها إلا أُميمتها ) ، وهكذا ففكرة التعدد أصابت كبد الحقيقة ، كيف لا والقرآن الكريم هو من أشار لهذا ! .
بندر ولد بدريّة وقبل شهر تقريباً خطب ، وتملّك ! ، وسيتزوج في منتصف هذا العام !! ، عملاً بالقول ( ما عندك دراهم ، تزوّج وييسرها لك ربك ) ، ألم أقل لكم ؟ نحن متشبثون بالتوكل ، لكننا نغفل عن الأسباب ! ؛ هذا البندر كما وردني سيجعل زوجته في غرفة مع دورة مياه مشتركة مع أخته !! ( ألله لا يحدّنا ) ، الرجل موظف لكنه من ذلك الصنف الذي في آخر الشهر جيبه منظف ! ، أنا ضدّ هذا النوع من الزواج والذي يكون عادة بهدف ( التناسل والمحافظة على الجنس البشري فقط ) ! ، يقول لي أحدهم ( إذا ما لعنت زوجتك أيَّامها في بيت أهلها ، تراك ما دللتها ) ! ، نظريّته راقت لي كثيراً ، فبنت الناس هذه خرجت من بيتها معزّزة مكرمة ، ليس من الإنصاف أن تأخذها ( لتغربلها ) ، وعليه قِسْ أفعال فرّاش المدرسة ، ومن سار على نهجه من الذين لا يستطيعون إعالة أنفسهم فما بالك بأربعٍ ، وقد قال الشاعر واصفاً :
عَدِّد إذا ما شئْتَ
ذاكَ مباحُ
يُصْرِخْكَ منْ أظفارهنَّ
جراحُ
يا أيُّها الدكتور
جَرِّب مَرَّةً
إنْ شئتَ ، فالتجريبُ
وَيْكَ مُتاح
البعضُ في ماءِ البُحيرة
سابحُ
والماءُ صَفْوُ
والمذاقُ قَراحُ
والبعض يا دكتور
جَرَّبَ سابحاً
فأتى إليه – مُرَحِّباً –
تْمساحُ .. !
الدِّينُ – في توجيهِهِ –
قال : انكِحُوا
فأباحَ عَقْداً
كي يزول سِفَاحُ
والدِّيْنُ أوْضَحَ
إذْ أبَانَ شُروطَهُ
فإذا قَدرْتَ فليْسَ
- ثَمَّ – جُناحُ
شككْتَ فلا
تكنْ ظَلّامةً
فالظُلْمُ في
صَدْر الظَّلومِ رِمِاحُ
وإذا عجزْتَ فلا
يُكلَّفُ عاجزٌ
اقْعُدْ فدْيتُكَ
فالقُعودُ فَلَاحُ
ولا زلتُ أقول أن المرأة – أو الحرمة – التي تحملُ الديرمة أفضلُ بكثيرٍ من حاملة الماجستير عندما يتعلق الأمر بالزواج ، فحاملة الديرمة تغار كثيراً إنْ هي أحبّت ولا ترقى في غيرتها إلى الشكّ والارتياب ، ذلك أنَّه ليس لدى من تحملُ الديرمة علم أو نحوه يساعدها ويعينها في ذلك .
*لو رأت والدتي هذا الطرح لجعلت مني ( حتت ) بيوز .