بالأمس ..كنت مرافئ الأمان التي تحط عليها سفن ضياعك المبحرة في عباب البحر الصاخب على كل شيء
على حبنا الثائر خلف جدران سجن من الحرمان ..أسواره عالية ..حكامه حجاجي الطبع ..قرقوشي المزاج
على لقائنا الممزوج بسخرية القدر ..وشوق القلوب يتناغم مع أوتار الحب التائه ..في زمن ..اللاعشق
على دمعي الثائر على كل هجر ..وكل فراق ..وكل لوعة في البعاد ..
* * *
بالأمس ..كنت أراقب عينيك اللازورديتين بشوق غريب ..وحزن غريب ..وخوف معشش في أنفاسي المحترقة منذ اللحظة الأولى التي رمقتك بها عيناي فاشتعلت نيران دمي ..واستقريت في الشرايين ..تسللت إلى أغواري لتتربع على عرش قلبي الذي نتأ كل راغب في اقتحامه ..وكأن عيونك هي كل العيون ..وقلبك الدافئ ..هو الأمن والسلامة ..
* * *
بالأمس ..كنت طفلي المدلل ..وأبي الحنون ..وشقيق روحي المبتهجة ألقاً بك ..وقلمي ودواتي ..وكلماتي .. وأغنياتي ..شكي ويقيني ..حلمي وصحوتي وأنيني ..وجعي و دوائي
* * *
بالأمس ..تذكرت تلك اللوحة التي بكت فيها ورود الشوق , وأنّت خطوطها المرسومة بريشة من عذاب الانتظار الطويل ..كطول عذاب انتظاري معك ..كم احببتها ..وكم أشفقت على ألوانها الممتزجة بدم الفراق..
وأنا أعرف أنني أشفق من خلالها على وجعي الدفين في مغاور العدم ..حتى صار وجهي أكثر لوحة تعبر تعبيراً محزناً عن الشقاء
أتذكر ..بالأمس ..كم بكيت على أصوات أنغام ضحكاتك وهي تدندن في أذني الغائبتين عن الوعي ..إلا عنك..حتى كاد يرقص قلبي فرحاً من رؤية اللآلئ المصطفة في فمك الناطق بالحب ..واليوم كم أحن إلى تلك الضحكة ..علها تعيد إلى قلبي الفرح ..
* * *
بالأمس ..في تاريخ لقائنا الأول ..الذي كان حكماً قاطعاً على قلبي البريء ..بالسعادة الموؤودة ..احتفيت وحدي ..بطقوس جديدة للفرح المنغمس بالدمع ..كنت أجلس خلف مائدة بشطرين ..على يميني شمعة قلبي المتئدة حباً لا يمكن أن تذيبها كل النيران الملتهبة ..حتى من فرط حبي
تراقصت ألسنة اللهب ..معلنة عن بدء الاحتفال ..الحلو ..المر ..
انقسمت الذكريات ..وتداخلت الكلمات ..جابت الغرفة سحابات الحب ..تخللتها رياح الغضب القوية ..فاقتلعت الزينات ..واللافتات المكتوبة بتبر أيامي ..والتي تعهد بالحب الأبدي ..والتوحد ..حتى إلى ما بعد اللقاء
تسمرت عيناي المغرورقتين بدمع مختلط ..بين حزن وفرح ..بين شوق وصراخ على الأمس ..ومن الأمس ..وإلى الأمس
* * *
بالأمس ..كنت أنظر إلى كفي الذي يحمل قلبك الهارب من ضجيج الأيام ..وفحيح أفعى العذاب ..استقبلت أذني اعذب صوت حرّك مسامعي واستقر كمنابع الأنهار في لب قلبي المشتاق ..كنت أسمعك ولا أسمعك
نداء عقيم ..وحلم بعيد المنال ..فكبريائي الذي انتشأت على وجوده في ذاتي الحرة ..يصفع كل أحلامي الميتة على يديك الهاربتين من سخط البشر واللتين قررتا الابتعاد عن زهوة الأمس
حتى صرت سراباً ..نعم ..بل لم تكن أكثر من سراب ..خيم على عمري وسرقني مع الوقت ولم أفق إلا والعمر قد ارتحل وصرت أنت ..الطيف الوحيد الذي أعيش من أجله ..فلمن سأعيش ؟
* * *
واليوم ..بقيت كما في الأمس ..عليلة حب ..نبت في الفؤاد ..وارتوى من الدموع ..وترعرع في النفس
لكن صرخة صامتة تحشرج حلقي المتعب ..تستأذن قلبك الذي طالما أحببت ..أن تعلن عن بدء مواسم الفراق ..وجني ما حصدته يداي بالأمس , من وفاء لم يقدّر ..وعطاء ليس له مثيل
كان علي أن أتخلص من طيبتي التي عرفتها ..فأكننت في صدرك الحنون مطامع التزود والارتشاف من نبع حبي الصافي ..دونما شبع ..وكان بإمكاني أن أروي نفسك العطشى إلى الحب ..بكل ما اوتيت من مشاعر نبيلة .. غذتها أنفاس حبك ..الذي عرفت بالأمس ..طوال عمري
* * *
اليوم ..عمري صار دفيناً في مقبرة الغدر ..يسعى وراء تحنيط ذكرياته المعبقة بورود الوفاء العقيم ..والمسمومة بسيوف الخيانة والغدر ..وكأن وجهاً جديداً أضيف إلى الوجوه المزيفة التي تعتنق مبادئ الحرية بعصبية وأنا
تتوزع على كل الطرقات الملأى ..بقلوب من حجارة ..
كم أحن إلى الأمس ..وكم بت أكره اليوم وما تلاه ..لكنني لن أستطيع أن أكرهك ..أو أنساك ..يا أحلى
ما في الأمس
* * *
وفي الغد ..ستأتي مهرولاً على قدميك الحافيتين من خف رديء صنعوه لك من بقايا أحلامي الميتة ..ليثبتوها لك في مسيرة واحدة ..وخطوات متئدة
ستعود ..بعد أن تتعب من المشي وراء أحلامهم الخادعة ..لترتمي مجدداً بين أحضان عطفي ..علني أعيد ذكريات الأمس
وها قد رحل الأمس ..كما رحلت كل الأمسيات المدونة في تاريخ الشعوب ..وحنت إليها القلوب , حتى صورتها الشاشات لتعرض كمسلسلات تاريخية ..تذكّر بروعة الأمس
فاجعل الأمس ذكرى لا تعود ..واعرضها على قنوات بؤسك المشفرة ..كي تكون مثلاً يعف عنه كل ذي قلب
.. واجعل اسم أجزائه المسلسلة ….بالأمس
(اسف على الإطالة مع خالص تحياتي)
العرض العادي
