لعل في قرار لجنة الانتخابات الإسرائيلية إيقاف بث حديث رئيس الوزراء (أرييل شارون) إلى الصحفيين وهو يشن هجوماً على زعيم حزب العمل (عمرام متسناع) وآخرين أكثر من مدلول، فشارون كان يدافع عن نفسه في وجه اتهامه وابنيه بالفساد ويرى وراء هذه الاتهامات أصابع متسناع (زعيم حزب)، العمل وغيره ممن يجدون في مآسي شارون مبعث شرور وارتياح له، ولكن رئيس لجنة الانتخابات اعتبر هجوم شارون على منافسه الرئيس في الانتخابات القادمة نوعاً من الدعاية الانتخابية، وهذا يتعارض مع القوانين الانتخابية المرعية في إسرائيل، ولم تثر ثائرة شارون وحده، بسبب قطع تصريحاته وإنما ثار العمل أيضاً، لأنه اعتبر حتى ذلك الجزء الذي سمعه الجمهور محاولة للتستر على فضائح الفساد في حزب الليكود.
تقرير/ سمير خضر: فجأة لم يعد الحديث في الشارع الإسرائيلي عن البرامج والوعود الانتخابية للمرشحين، بل عن شخص شارون وأسرته، وبدأ الناخب الإسرائيلي يتساءل: لماذا أُعطي صوتي لرجل يستغل منصبه لكسب الملايين في حين أن الضائقة الاقتصادية تتفاقم في البلاد، ألا يُفترض برجل السياسة التحلي بحدٍ أدنى من النزاهة في دولة تدعي الديمقراطية وسيادة القانون، أم أن هذا القانون يشمل فلاناً ولا ينطبق على علان؟
تساؤلات كثيرة تدور في الشارع الإسرائيلي بعد اكتشاف رشوة قدمها ملياردير يهودي من جنوب أفريقيا إلى نجلي شارون، رئيس الحكومة الإسرائيلية يرفض كلياً تهم الفساد المواجهة له، لكنه لم يستطع تفسير مبلغ المليون ونصف مليون دولار التي ظهرت فجأة في حساب أسرته، فالأمر لا يتعدى في نظره مجرد تسريبات ذات أهداف سياسية وهو مُحق في ذلك، إذ كثيرون هم أولئك الذين سيُسرون بتفجير فضيحة من هذا القبيل، فضيحة تطيح بشارون دون المساس بالليكود كما يتمنى ويشتهي (نتنياهو) هو وأنصاره أو فضيحة تطيح بشارون وبحزبه كما يأمل -سراً أو علانية- زعيم حزب العمل عمرام متسناع، آخر استطلاعات الرأي تشير إلى تراجع واضح في شعبية الليكود وزعيمه في أوساط الناخبين وإن كان الأمر لم يصل بعد إلى الحد الذي آلت إليه الأمور في فضيحة مشابهة ألمت برئيس الوزراء الأسبق (إسحاق رابين) في السبعينات أو تلك التي أطاحت بالرئيس السابق (عيزرا وايزمان) قبل عامين، لكن أي تراجع لليكود سيعود بالفائدة على الأحزاب الأخرى، ويبدو أن حزب العمل وزعيمه الجديد لن يكون هو المستفيد، بل حزب (شينوي) الوسطي القديم الذي بقي في الظل لسنوات طويلة قبل أن يستعيد اليوم بعض العافية، ومن المتوقع أن يحصد هذا الحزب أصوات الناخبين الذين ملُّوا لعبة السياسة التقليدية في إسرائيل بين يسار عمالي حالم وعاجز ويمين متطرف عقائدي ومشلول الحركة وبهذا يمكن لحزب (شينوي) أن يحل محل حزب (شاس) الديني في لعبة تشكيل الحكومات وإسقاطها في إسرائيل.
فضيحة شارون ونجليه لم تقضِ بعد على الليكود أو شعبيته، فالأكيد اليوم أنه سيتخطى بنجاح ولو محدود امتحان الانتخابات المقبلة، لكن الثمن سيكون عالياً، إذ إن خروج الليكود بانتصار محدود سيدفعه إلى التوجه إلى الأحزاب الأكثر تطرفاً خاصة إذا ما استمرت العمليات الفدائية الفلسطينية في العمق الإسرائيلي كتلك التي وقعت أخيراً في تل أبيب، فالمعروف عن الناخب الإسرائيلي تقديمه الاعتبارات الأمنية على غيرها وإذا كان له الخيار بين تيار سياسي يدعي السلام دون إمكانية تحقيق الأمن وبين تيار آخر يحقق الأمن على حساب المعايير الأخلاقية، فإنه على الأغلب سيتغاضى عن معايير النزاهة وسيادة القانون.
جميل عازر: ومن قناة (الجزيرة) في قطر نواصل وإياكم هذه الجولة في (الملف الأسبوعي)، وفيها أيضاً بعد فاصل:
القضية القبرصية بين ضغوط تركية قبرصية على (دنكطاش) وطموحات (كلاريدس) في الانضمام بقبرص إلى الاتحاد الأوروبي.