الهجمة البربرية التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة ليل السبت-الأحد مرت في صمت مطبق في وقت كان الأوروبيون و الأمريكيون يصفقون محيين خطاب وزير خارجية الولايات المتحدة كولن باول الذي يكون أراح ضمائرهم من عناء التفكير في مبررات الحرب على العراق، فهو "الحمام" في إدارة بوش الذي صار يهدد بأن أمريكا مستعدة لخوض الحرب وحدها.
و جاءت جرائم جيش الإرهابي شارون الجديدة فيما يبدو ردا على مصرع ثلاثة جنود إسرائيليين في كمين نصبه لهم مقاتلون فلسطينيون جنوبي الخليل قبل ثلاثة أيام، و هي العملية التي أصرت وسائل إعلام غربية على وصف القتلى ب"الإسرائيليين" متجنبة الإشارة إلى هويتهم العسكرية. و بدا شارون و وزير دفاعه موفاز الذي يبدو أنه ينتقم بطريقته من رفض لجنة الانتخابات الإسرائيلية السماح له بالترشح في قائمة الليكود، مستعدين لارتكاب مجزرة جديدة في مدينة غزة ليس لأنها ترفع من "رصيد" حزبهما قبل يومين من الانتخابات، إذ أن اليمين المتطرف ضمن الفوز العريض منذ ورط يسار "العمل" في حكومته، بل ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية يعكس استراتيجيتها باستغلال أي ظرف دولي مناسب لإبادة الفلسطينيين و تدمير البنية التحتية لمجتمعهم و اقتصادهم.
و الملفت أن الوكالات الغربية نقلت بدون تردد ادعاءات حكومة شارون رغم أنها تخرق المنطق بدرجة لا تتصور. فهي قالت أن دبابات و مروحيات إسرائيل دمرت نحو 100 "مصنع و ورشة" كانت تصنع صواريخ "القسام" التي تطلقها حركة حماس على المستوطنات القريبة حسب جيش الاحتلال، و يفترض بذلك أن في جزء فقط من المدينة، أي حي "الزيتون" و مناطق مجاورة حيث تركز الهجوم، يوجد مئات المصانع و الورشات، في وقت يواجه عشرات ألوف الفلسطينيين البطالة بسبب الحصار الداخلي و "الخارجي" مع مناطق الخط الأخضر. فلا يعقل إذن أن نحو مائة مصنع و ورشة كلها تصنع صواريخ "القسام" و قذائف "أربيجي" التقليدية، إذ لو صح ذلك لدكت المقاومة الفلسطينية المستوطنات التوسعية في الضفة و القطاع دكا، و لما تجرأ شارون على إنفاق ملايين الدولارات المحولة من أمريكا عليها، و لما عرض مستوطن واحد حياته للخطر.
و مهما يكن، فقد أعطت جريمة إسرائيل في غزة صورة أولية "مصغرة" عما سيتعرض له الفلسطينيون في حال الحرب على العراق، خاصة أن موفاز "نفذ صبره" و لم يستطع ضبط نفسه و إخفاء المخطط الصهيوني إلى أن يحين وقته و كشف بعد آخر جرائمه بأن "خطة احتلال كامل غزة" جاهزة.