إحذروا الدينَ الجديد!
خطبة ألقيت بأحد مساجد ضواحي بيت المقدس
بالقرب من المسجد الأقصى المبارك
الجمعة 27/2/1428 هـ
الموافق16/3/2007 م
(الخطبة الأولى)
أيها الناس: تنشط في أيامنا هذه دعوات مشبوهة من بعض المسلمين المتمسِّحين بلباسِ الشريعة، والمتسترين تحت جلباب السماحة والفضيلة، الموقِّعين زوراً وبهتاناً عن ربِّ الخليقة، المعوّقين عن طريق أهل التوحيد، إرضاءً لكل طاغوت جائر، ومحتل غاصب، ليشهد أصحابُها – زوراً وبهتاناً – بشرعية الجاهلية، وجاهلية الشريعة، لأجل لعاعة من الدنيا وعرض من العاجلة أدنى.
قاموا - والله حسيبهم وهو المستعان عليهم – بأعمال لا يمكن بحال من الأحوال وصفها بالبراءة، بل إن رائحة الخيانة تفوح منها وتزكم الأنوف. قاموا بطرح دين جديد لا يمت إلى الإسلام بصلة، ليثبتوا الوضع الحالي الشائن الذي وصل إليه المسلمون، وليبقوا على حكم الطاغوت الذي عم ديارهم، وليشرعنوا الاحتلالات الجاثمة فوق صدورهم، زاعمين أن ذلك من الإسلام أو أنه الراجح من أقوال العلماء المسلمين. بل إنهم قد جاءوا بأقوال ما قال بها أحد في تاريخ المسلمين إلا منافق معلوم النفاق، أو زنديق حل دمه، فإن قُدر عليه ضربت عنقه.
وحتى لا أسهب في التقديم لهذا التيار المنحرف الذي نشأ وترعرع في أحضان الكفر وأنظمته، فسأدخل مباشرة في عرض نماذج من تفوهات أقطابه، وتصرفات أتباعه، في مجالات متعددة من حياتنا المعاصرة.
أبدأ بالذين هم في كل واد يهيمون والذين يقولون ما لا يفعلون، أبدأ بشاعر من الديار المصرية لا أدري كيف سمح لكلمات كهذه أن تجري على لسانه عندما قال مادحاً لرئيسه في قصيدة بعنوان: إلى الأبد. وسأنقل ما قال وناقل الكفر ليس بكافر إذا قصد به البيان والرد.
( يحيا الرئيس وللأبد، يحيا هو الفرد الصمد، له صفات ربنا لكنه له ولد، به نعوذ من جوى وحاسد إذا حسد، به نلوذ دائماً من فاقة ومن كمد، نراه مع عدونا يطفح صبراً وجلد، لكنه مع كل أهل أرضنا كما الأسد، نحبه بالطوع أو بالكره ذلك الرشد، يعيش في تقشف وبالفلوس قد زهد، لذاك ربي خصه أرصدة بما حفد، مكتمل وكامل لذاك ليس ينتقد، الصالحون حوله وليس فيهم من فسد، دوماً يقول ما لنا وصادق إذا وعد، قد كان دوما كادحاً والحق من جد وجد، قد كان دوماً نابهاً وليس فيه من عقد، وذكره في صادق القرآن فعلاً قد ورد، واقرأ إذا كذبتني آخر سورة البلد، يا رب طول عمره وعهده إلى الأبد).
أيها الناس: وأنتقل إلى من يطلق على نفسه داعية والحق أن الدعوة منه براء، إذ كيف يدعو هذا الدعي إلى اتباع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم نافياً عنه العصمة في التبليغ؟ واصفاً سيرته العطرة بأنها لم تكن مثالية أوخالية من الأخطاء! إستمع إليه وهو يقول: (.. هناك أخطاء وقعت، إذ عرف المشركون مكان الغار، ووصل سراقة إلى النبي أثناء الهجرة، وفشل النبي في 26 محاولة لضم القبائل إلى صفوفه، لكن الفشل هو الذي يصنع النجاح في نهاية الأمر)!
وثالثة الأثافي ما أقدم عليه بعض المسلمين في فلسطين من الدخول في متاهة ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية بعد أن تخلوا عن حكومتهم الإسلامية، وقد أشبعنا هذا الموضوع بحثاً فيما مضى من الأيام، ولكن السؤال الكبير يبقى قائماً: لماذا عدلتم عن حكومة كنتم تسمونها بالإسلامية إلى حكومة تناقضها، وتعترفون بأنها علمانية شملت كافة شرائح المجتمع الفلسطيني حتى إخوانكم النصارى؟
أليس الحكم بغير ما أنزل الله كفراً أيها السادة الأفاضل؟
أليس يكره المؤمن أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار؟
أما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (ثلاث مَنْ كُنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكونَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)؟
وأما آخر حلقة في هذا المسلسل ما قاله أحدُ المتعربشين على شجرة الفقه الباسقة تعليقاً على رأي فقهي راجح مؤصل ورد البارحة في مداخلة أثناء يوم دراسي حول التبرع بالأعضاء، واصفاً الرأي بأنه تنطع وشذوذ، ونصح الحضور بأن لا يأخذوا به، لأنه يريد أن يثبت الرأي القائل بجواز الاعتداء على حرمة الميت وإيذائه بتقطيع أوصاله واستئصال أعضائه كما يُفعل بالذبيحة، خدمة للرأسماليين كي يتمتعوا بحياتهم على حساب جثث الموتى التي أمر الإسلام بدفنها وعدم إيذائها، حتى في قبرها إذ ورد النهي عن القعود على القبر أو وطئه بالقدم أو بحافر الدابة أو بالسيارة، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "لأن يجلس أحدكم على جمرة فتخرق ثيابه وتصل إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر".
أيها الناس: إن هؤلاء وأمثالهم من المتزلفين إلى قصور الحكام تحت أعتاب الشعر الماجن والفقه المتعثر المرجوح لا يريدون لأمتنا أي نهضة أو تقدم، بل إنهم يسعون جاهدين لترسيخ سيطرة الكفار على بلاد المسلمين وأذهانهم ومقدراتهم، ولا يأبهون بالمآسي التي تلحق بهم جراء تلكم السيطرة.
وأكبر دليل على ذلك أن الكفار وأعوانهم يفتحون الأبواب على مصراعيها لأمثالهم، ويغلقون كافة الأبواب في وجه العاملين المخلصين لإعزاز هذا الدين. فالمعاهد والكليات والمسارح والقاعات والأروقة والدهاليز والفضائيات والأرضيات متاحة لهم، وأما الآخرون فالزنازين والمشانق، والملاحقة والتعتيم وكم الأفواه والسخرية والتضييق في الأرزاق. فحسبنا قول ربنا عز وجل نتلوه بثقة المؤمن بنصر ربه، ينساب على ألسنتنا كالماء الزلال يطمئننا ويقض مضاجع أعدائنا: {إِن الذينَ أجرموا كانوا من الذين آمَنوا يضحكون. وإِذا مروا بِهم يتغامزُون. وإِذا انقلبوا إِلى أهلهم انقلبوا فكهين. وإِذا رأوهم قالوا إِنَّ هؤلاء لضالُّون. وما أُرسلوا عليهم حافظين. فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون. على الأرائك ينظرون. هل ثُوّب الكفَّار ما كانوا يفعلون}.
(الخطبة الثانية)
أيها الناس: لست أبالغ إن قلت لكم إن أمثال هذه التصرفات التي يصعب حصرها لكثرتها ووفرتها في زماننا، تشكل في مجموعها ديناً جديداً يراد للناس اتباعه بعد أن يتخلوا تدريجياً عن دينهم الإسلامي الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من ربه، وهو أكبر مشروع تكفيري عرفه التاريخ، لأنه لا يطال أفراداً بأعيانهم، وإنما هو مشروع تكفير أمة بكاملها، وصرفها عن عقيدتها وشريعتها، وجعلها ترضى وتختار ديناً غير دينها. فوالله الذي لا إله غيره لن نمكنهم من تحقيق مشروعهم المدمر هذا ولو قطعونا إرباً إرباً، ووالله الذي رفع السماء بلا عمد لنقفن لهم بالمرصاد حتى يظهر الله دينه على الدين كله أو تنفرد سوالفنا، وليكمل المسيرة من بعدنا كل مسلم يغار على دينه وأمته، ولا نامت أعين الجبناء المتخاذلين.
أيها الناس: إحذروا هذا الدين الجديد، واعلموا أن الشريعة الإسلامية هي خاتمة الشرائع، ولا شريعة صحيحة بعدها، وأن الدين عند الله الإسلام، ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، فكونوا لأدعياء الدين الجديد بالمرصاد، واقعدوا لهم كل مرصد، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. ولا تهولنكم كثرة الباطل، وعظم حجم التيار المفسد، فكله زبد سيذهب جفاءاً، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
أيها المسلمون: إن سمعتم القوم يَحذرونكم أو يُحذّرون منكم ومن مواقفكم الصلبة هذه فلا تبتئسوا، بل اصبروا وصابروا، وثابروا واحتسبوا، فإن وصفوكم بالمتطرفين فلا تأبهوا، وإن قالوا عنكم خارجين عن الصف الوطني فاثبتوا أمامهم واقعدوا لهم كل مرصد، فما فائدة الوطن إذا حكم بغير ما أنزل الله؟ واعلموا أن حبيبكم عليه الصلاة والسلام قد تعرض لمثل ما تتعرضون له، ولكم فيه أسوة حسنة، أخرج الإمام أحمد من حديث جابر رضي الله عنه (... حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر فيأتيه قومه فيقولون إحذر غلام قريش لا يفتنك). فلما اشتد به الأذى خرج من وطنه الذي أحب ولم يقبل حكم الله إلى الوطن الآخر الذي قبله. وما لبث أن عاد إلى الأول فاتحاً منتصراً، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
....................................
التعقيب
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه
وأرنا الباطل باطلاً ووفقنا اجتنابه
اللهم رحمتك نرجوا فلا تكلنا لأنفسنا طرفة عين وآتنا الخير كله في الدين والدنيا والآخرة
ولا تؤاخذنا مولانا بما فعل السفهاء منا
وفي الختام : نسأله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
منقول : منتدى العقاب