سياسة ُ أمريكا الإستعماريةِ
الجزء الثاني والأخير
وَقَدْ استعملتْ أمريكا لِفَرضِ هَيّمَنَتِهَاْ وَقُوَّتِهَاْ ، وَبَسْطِ نُفُوْذِهِاْ وَسَيّطَرَتِهَاْ ، وَلِلحِفَاْظِ عَلَىْ تَفَوقِهَاْ مجموعة ًمنَ السياساتِ من أهمها: حماية ُأمريكا، واستغلالُ العالم ِمن خلال ِ:
أولـُها: استخدامُ هيئةِ الأمم ِفي تصفيةِ الإستعمارِ القديم ِكما أسلفنا. والمقصودُ طبعاً أوروبا، بقصقصةِ أجنِحتِـها، وسحبِ البساطِ من تحتِـها ، وإضعافِـها بأخذِ مستعمراتِـها، بذريعةِ استقلال ِشعوبها، والتحررِ منَ الإستعمار. مَعَ أنها الإستعمارُ بعينهِ! فجاءت إلى العالم ِباستعمارٍ ذو صبغةٍ خاصةٍ ولون ٍجديد. ظاهِرُهُ فيهِ الرحمة ُُ، وباطِنـُهُ من قبلهِ العذاب. فاتخذتِ الإستعمارَ غيرَ المباشرِ منَ الإنقلاباتِ والتخريبِ والتدميرِ، وإيجادِ القلاقل ِوشراءِ الذمم ِتحتَ ذريعةِ المساعداتِ الإنسانيةِ لدعم ِالشعوبِ المضطهدةِ . لتوجدَ مُبرراً يُمكـِّنـُها دخولَ العالم ِبقوةٍ، وخاصة ًإلى بلادِ المسلمينَ لاستعمارِهَا واستغلال ِثرْواتِـها.
وبعدَ أن تمكنت منَ السيطرةِ على أجزاءَ كبيرةٍ من مستعمراتِ أوروبا. بدأت تستعمرُ العالمَ وخاصة ًالإسلاميِّ منهُ بشكل ٍفاضح ٍ. ولم تعُد تـُخفي نواياها الإستعمارية َعلى احدٍ. وخيرُ دليل ٍعلى ذلكَ ما نشاهدُهُ منَ استعمارٍ قديم ٍجديدٍ في العراق ِوأفغانستانَ .
وثانيها: المساعداتُ الإقتصادية ُ، حيثُ أنشأت صندوقَ النقدِ الدوليِّ ، والبنكَ الدوليِّ والتجاريِّ ، وكانت أكبرَ المساهمينَ فيهما، والأكثرَ نفوذاً، لما تتمتعُ بهِ من قوةٍ اقتصاديةٍ .
فأصبحت تـُوجدُ المشاكلَ السياسية َوالاقتصادية َفي الدول ِ، وتـُملي على مجلس ِالأمن ِفيقرَّ. وتوجدَ مبرراً لدخول ِقواتِـها، ومن ثـَمَّ تسيطرُ عليها وعلى مقدراتِـها، فتفقرُها وتجعلـُها في قبضتها.
ثمَّ تـُلوِّحُ بالمساعداتِ الإقتصاديةِ حتى تقبلَ هذهِ الدولُ ، فتأخذ َالمساعداتِ وتقعَ في الشَّـرَكِ . لأنها لا تستطيعُ أن تفيَ بالتزاماتِ هذهِ الديون ِوما يترتبُ عليها من فوائدَ رَبَويةٍ تقصمُ ظهرَهَا. سيَّما وأنَّ هذهِ الديونَ مشروطة ٌ بأمورٍ سياسيةٍ، ومخصوصة ٌلمشاريعَ غيرِ إنتاجيةٍ. لا تساعدُ على تنميةِ البلدِ المقترِض ِلا اقتصادياً ولا عسكرياً. مما يجعلُ للولاياتِ المتحدةِ على هذهِ الدول ِحقَّ التدخل ِفي سياسَاتِـها، إمعاناً في المزيدِ منَ التبعيةِ, حتى صارتِ الولاياتُ المتحدة ُتوجهُ هذهِ الدولَ إلى الزراعةِ أوِ الصناعةِ غيرِ الاستراتيجيةِ، ومثالُ ذلكَ: تحويلِـها السودانَ ومصرَ عن زراعةِ القمح ِإلى زراعةِ محاصيلَ ثانويةٍ، كالقطن ِوالتوتِ الأرضيِّ والمانجا، لترتبط َهاتان ِ الدولتان ِبأمريكا من خلال ِ سلعةٍ رئيسيةٍ وهيَ حبة ُالقمح ِ.
فربطت مصيرَهُما بها، ووضعت قبضتـَهَا بأعناقِـهم، وصارت تهددُ هذهِ الدولَ بمحاربتـِها حتى في لقمةِ عيشها .
وثالِثها: المشاريعُ الإنتاجية ُ( الشركاتُ الإنتاجية ُ) تدخلُ هذهِ الشركاتُ العالمَ الثالثَ بحجةِ الإنتاج ِالاقتصاديِّ ، كشركاتِ الفوسفاتِ والبترول ِوغيرِها. وواقعُ الحال ِفي هذهِ الشركاتِ أنها شركاتٌ استعمارية ٌ بمعنى الكلمةِ . فهيَ تقومُ على نهبِ خيراتِ البلدِ من جهةٍ. وعلى عدم ِتوعيةِ مواطني البلدِ على كيفيةِ الإنتاج ِأوِ التصنيع ِمن جهةٍ أخرى . فاحتكارُ الدول ِالاستعماريةِ للإنتاج ِوقِطع ِالغيارِ ونسبةِ الأرباح ِالمرتفعةِ، أو الشراكةِ غيرِ العادلةِ في الثرْواتِ. كلـُّهَا تصبُّ في مصلحةِ هذهِ الشركاتِ وأصحابـِها ودولِـها. ولا تستفيدُ الشعوبُ من كافةِ المشاريع ِ الإنتاجيةِ إلاَّ الراتبَ الوظيفيَّ ألمُقلَّ أو الفـُتات. ومن خلال ِهذهِ الشركاتِ والمشاريع ِالإنتاجيةِ رُبـِطت الدولُ النامية ُبالدول ِالصناعيةِ، وخاصة ً( أمريكا) ربطاً مُحْـكماً لا انفكاكَ منه. ناهيكَ عن ِالشركاتِ أوِ المشاريع ِ التي دخلتِ العالمَ الثالثَ وخاصة ًالعالمَ الإسلاميَّ بلـَبُوس ِالعمل ِالخيريِّ، وهيَ في حقيقتها موجهة ٌوجهة ًاستعمارية.ً وقد استـُغلت هذهِ المشاريعُ بمجموعِها، لصالح ِالدول ِالاستعماريةِ، بحيثُ يَصعبُ التخلـُّصُ من تبعاتِ هذا الإرتباطِ المُؤلم ِلشعوبِ وخيراتِ الأمةِ الإسلاميةِ .
ورابعها:المساعداتُ العسكرية ُ: فقد قامت بكثيرٍ منَ الحيل ِ، وساعَدَها على ذلكَ تفوُقـُها العسكريُّ ، وتقدُّمُها التكنولوجيُّ، وإنفاقـُها الهائلُ وغيرُ المحدودِ على الميزانيةِ العسكريةِ، حيثُ بلغت عامَ الفين ِ للميلادِ (288.8) مليار دولار وبلغت عام الفين وواحد (305) مليار دولار, وبلغت عام الفين واثنين(343,2) مليار دولار, وبلغت عام الفين وثلاثه (396,1) مليار دولار , وبلغت عام الفين وأربعة (399,1) مليار دولار هذا , وبلغت في هذا العام (420,7) مليار دولار، وقد لاحظنا من خلال ِهذا العرض ِلميزانيةِ أمريكا العسكريةِ إضطراباً متسارعاً , إن لم نقل مبالغاً فيهِ , بالنظرِ إلى ما أنفقتهُ دولُ أوروبا مجتمعة ًفقد كانَ مجموع ُالإنفاق ِ الأوروبيِّ كلـِّه أقلَّ من تسعينَ ملياراً.
ومما ساعدَ على نموِّ اقتصادِها أمرَكة ُالأسلحةِ في الدول ِبطرق ٍوأساليبَ شتى ، كأن تزودَ بعضَ الدول ِبالسلاح ِ الأمريكيِّ لكي تشتريَ دولٌ أخرى عدوة ٌلهذهِ الدول ِسلاحاً أمريكياً يُكافؤُ خصمَها. والسلاحُ الأمريكيُّ يُرسلُ مَعَهُ الخبراءُ أو يُستقدمَ ضباط ٌمنَ الدول ٍالمستهلكةِ للسلاح ِفتعقدَ لهم دوراتٌ في الولاياتِ المتحدةِ . كما هو حاصلٌ مع مصرَ وغيرِها من دول العالم ِالثالث. وهذا أسلوبٌ خبيثٌ مَقيتٌ يمكـِّنـُها منَ استمالتهم لقلبِ الأنظمةِ السياسيةِ، وإيجادِ أنظمةٍ عسكريةٍ في الدول ِالمُستعمَرَةِ من أوروبا .
وهذا ما حصلَ بأمريكا الجنوبيةِ أولاً، ثمَّ استخدمت هذا الأسلوبَ بإفريقيا وآسيا والشرقـَين ِالأوسطِ والأقصى . على غرارِ الإنقلاباتِ التي حصلت في مصرَ وسوريا والعراق .
وأما خامِسُهَا: فقد اتخذت أسلوباً آخرَ لصالح ِسياستِـها، ألا وهوَ ( التضليلُ الفكريُّ والسياسيُّ ) .
وهذا التضليلُ من أخطرِ ما ينزلُ بالمجتمعاتِ عامة ً، وبالمسلمينَ خاصة.ً لأنهُ يحوِّلـُهَا إلى بوق ٍينادي بأفكارِ كفرٍ، ويدعوا لثقافِةِ المستعمرِ من حيثُ يدري أو لا يدري .
فيفقدُ ثوبَهُ الإسلاميُّ، وفكرَهُ المتميزَ. وقد اصطبغَ بحضارةٍ غيرِ حضارتِهِ، فتمترسَ الكافرُ خلفَ هذا المضبوع ِ بثقافتِهِ وقد دافعَ عن عقيدةِ الكفرِ بكلِّ ما أوتي من قوةٍ. فصارَ لسانَ حالِهِ ومقالِهِ وطوع َ بنانِهِ .
وحقيقة ًفقد كانَ هذا الغزوُ الثقافيُّ والفكريُّ ولا يزالُ أشدَّ ضراوة ًمن الغزوِ العسكريِّ والتبعيةِ الاقتصاديةِ . هذا التضليلُ وقعَ على المسلمينَ جرَّاءَ الدعاياتِ المضلـِّلَةِ من قِـبل ِالحكام ِ وأذنابـِهم من علماءَ ومفكرينَ وجماعاتٍ وأحزابٍ وحركاتٍ، زيـَّنوا للأمةِ الباطلَ والمنكرَ وألبَسُوهُ ثوبَ الحقِّ والإسلام ِزوراً وبهتانا.
فجعلوا من قوانين ِوأنظمةِ الرأسماليةِ حضارة ًجديدة ًيَنشدونَها، ويُغذونَ بها أذهانَ المسلمينَ، وعقولَ أبناءِ الأمةِ, بل نسبوها للإسلام ِ، وهو منها براء.
حتى انطلى الأمرُ على كثيرٍ من أبناءِ المسلمينَ، وقد تصدرَ المناداة َبها علماءٌ مُعَمَّمُونَ ، حتى نادى بعضٌ من أبناءِ المسلمينَ بالاشتراكيةِ والديمقراطيةِ والعولمةِ، وفصل ِالدين ِعن الدولةِ، وحقِّ الشعبِ في التشريع ِ، والحرياتِ وحقوق ِالمرأةِ، والاستقلال ِ، والوسطيةِ، واحترام ِعقيدةِ الكفرٍ بأنواعها والإحتكام ِلأنظمتهِ .
أيُّهاالإخوة ُالعقلاء : إن التضليلَ السياسيَّ سمة ٌمن سماتِ الصراعاتِ بينَ الشعوبِ والدول ِ، ويكونُ بينَ الأفرادِ أيضاً، ولكنَّ الغريبَ في الأمرِ, أن ينطليَ هذا الأمرُ على أمَّةِ الإسلام ِحاملةِ لواءِ التوحيدِ، والمبدأ ِالصحيح ِ الوحيدِ . ولستُ أرضى للمسلم ِوقد أكرمَهُ اللهُ وجَعَـلهُ أعزَّ خلق ِاللهِ ممن خلقَ أن يكونَ إمَّعَة ً، فيُحسنُ إن أحسنَ الناسُ ويُسيءُ إن أساؤوا.
فالمسلمُ أعظمُ من ذلكَ وأرفعُ قدرا. وصدقَ رسولُ اللهِ J إذ يقولُ : ( المُسلمُ كـَيِّسٌ فطنٌ ) ويقولُ أيضاً: ( لا يُلدغ ُ المؤمنُ من جحرٍ واحدٍ مرتين ) وقد تكررتِ الوعودُ والخداعاتِ والألهياتِ , مراتٍ ومراتٍ، بنفس ِالوتيرةِ ومن نفس ِ الهيئاتِ. فلم نتعظ َولم نعتبر.
ومن التضليل ِالسياسيِّ اللافتِ للنظرِ، وإن أضحى تاريخاً، ما كانَ منذ ُ قرن ٍمنَ الزمان ِ، يومَ حاولتِ الدولُ العربية ُربط َمصالِحِـها بفرنسا وبريطانيا، مُأمِّلة ًمنهما خيراً، بوصفهما صديقتين ِفخانتا. وصدقَ J إذ يحذرُنا منهم فيقول:( مِلة ُالكفرِ واحدة ٌ )
واليومَ جاءتنا أمريكا وهيَ ترفعُ الشعار نفسَهُ، وتلبسُ ثوبَ البراءةِ ، وبالأطروحات نفسِها, ولنفس ِالغاياتِ فما اعتبرنا، ولا أدركنا بأنَّ العدوَّ واحدٌ , مهما تشكـَّلَ أو تلونَ، ونسينا قولَ الرسول ِالأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:( الكيِّسُ من اتعظ َ بغيرهِ ) فقد سبقَ الأجدادُ واستعانوا ببريطانيا ضدَّ دولةِ الخلافةِ حتى قضوْا عليها بالأمس ِالبعيدِ .
وبالأمس ِالقريبِ استعانَ حكامُ الضرارِ بأمريكا لتحريرِ العراق ِمن جبروتِ صدامَ واستبدادِهِ ولإعطاءِ العراق ِ حريتهُ، وكأنَّ مباركَ وآلَ سعودٍ وقذافي ....... وسائرَ رويبضاتِ السُّوءِ عدولٌ وغيرُ مُستبدينَ . مَعَ أن حاكمَ سوريا الأسبق ِقامَ بما قامَ بهِ حاكمُ العراق ِمن ذبح ٍ وتقتيل ٍيومَ استأسدَ على أهلنا في حماه، فأبادَ مخيماتٍ بأكملِـها.تماماً كما فعلَ حسين الأردنِّ بأيلولَ الأسودَ, ويفعلُ الآنَ طاغية ُأوزباكستانَ ما هو أعظمُ جرماً، وأشدُّ نـُكراً. وما يجري اليومَ أيضاً بتركيا والسودان ِوأريتيريا والجزائرِ وأفغانستانَ وفلسطينَ ليسَ عنا ببعيد .
أيُّها الإخوة ُالعقلاءُ : يقولُ الحقُّ تباركَ وتعالى في كتابهِ المُبين:( وإذا أردنا أن نـُهلكَ قرية ًأمرنا مُترفيها ففسقوا فيها، فحقَّ عليها القولُ فدمَّرناها تدميرا{16} ) الإسراء
وخلاصة ُالقول ِ: فإن أمريكا ليست قدراً محتوماً علينا لا يمكنُ ردُّهُ، ولا هي ماردٌ لا يُطال, كما يَزعُمُ القـُوَّال , بل هي أدنى من ذلكَ وأوضع . فإن غطرستـَها وفسادَهَا سيكونان ِوبالاً عليها، فقد تعاظمَ بحقـِّها العداءُ، وكثرَ بساحِها الأعداءُ.
وإن ما تفعلـْهُ اليومَ من جرائمَ ومجازرَ بحقِّ الأمم ِ والشعوبِ، سَيُعجِّلُ وتيرة َزوالِـها، ويُسرِّع ُ قـُربَ نهايتها التي أضحت أقربَ من ردِّ الطرفِ إلى العين ِ. تلكَ النهاية ُالتي أوشكت على الأ ُفول ِشمسُهَا.
واللهَ أسألُ أن يكونَ ذالكَ اليومُ قريباً. تماماً كما بيَّنَ اللهُ في كتابهِ حيثُ قال:( ألم ترَ كيفَ فعلَ ربكَ بعادٍ{6} إرَمَ ذاتِ العمادِ{7}التي لم يخلق مثلها في البلاد{8} وثمودَ الذينَ جابوا الصخرَ بالوادِ{9}وفرعونَ ذي الأوتادِ{10}الذينَ طغوْا في البلادِ{11} فأكثروا فيها الفسادَ{12} فصبَّ عليهم ربكَ سوط َعذاب{13} إن ربكَ لبالمرصادِ{14} ) الفجر .
وإن غدأ لناظره قريب
ــــــــــــــــــــــــــ
تمَّ بحمد الله وفضله