السلام عليكم
أصدَّام طاغية أم ضحية؟
تعالوا نستخدم المنطق الصوري، لنستخلص "فرضية" نناقشها:
كل قاتل أو مسبب للمآسي، طاغية / صدام قاتل، ومسبب للمآسي / صدام طاغية
ولكن السؤال الأهم: هل صدام وحده الطاغية؟ ومن الأشدّ طغياناً؟
لعل من يراجع حياة صدام المبنية على القتل والدموية منذ ظهوره على مسرح الأحداث في العراق، يتوقع له هذه النهاية المحتومة، قياساً على شخصيات عرفها العالم بما فيها وطننا العربي.
يقول مريدو صدام إنه جعل العراق القوة الخامسة في العالم, وإنه جعلها دولة عصرية وخلصها من كثير من حالات التخلف، وانتهج أسلوباً حضارياً في مجالات عدة: كبناء القوات المسلحة, والتعليم, والصناعة, والزراعة، وإنشاء المرافق، وترفيه المواطن.
وبغض النظر عن صحة هذا الكلام التامة أو النسبية فإنها "بيت القصيد" لدى الغرب: "أوروبا" و"أمريكا" إضافة إلى أنه يهزّ كيان "إسرائيل". أي أن العراق غدا حالة شاذة في منطقة "الشرق الأوسط" من وجهة النظر الغربية، فاقتضت الحال تعاوناً تاماً منسقاً بين جميع هذه الجهات للقضاء على صدام، وتدمير العراق بما تحقَّق فيه من منجزات.
لقد تعاملت هذه القوى مع نقطتي ضعف سلبيتين في صدام هما:
1ـ غروره وإحساسه المفرط بالعظمة. 2ـ دمويته وحبه لإرهاق الدماء. فتقربت منه واستغلته في تدمير القوى المناهضة، وشق الصف العربي, وتلقين دول الخليج درساً يَحفظونه ولا ينسونه، فوقع ـ من حيث لا يشعر ـ وأوقع العراق في فخّ تلك المخططات المحكمة، لأنها لاقت هوى في نفسه عميقاً.
أولاًـ في أيلول (سبتمبر) 1980، ساقته وساقت دول الخليج لدعمه في شن حرب على إيران، بعد أن أسقطت إيران "الشاه" ورفعت شعارات "تحرير فلسطين"، والقضاء على "إسرائيل"، وصارت قوة مناهضة تُحسب لها حساب، فأنهكت تلك الحرب التي دامت ثماني سنوات البلدين المتحاربين، كما أنهكت اقتصاد الكويت ودول الخليج.
ثانياًـ في الثاني من آب (أوغسطس) 1990، ساقته لغزو الكويت التي أصبحت بلداً حضاريا، ومركزاً للثقافة العربية، بعد أن خبا دور مصر ـ عربياً ـ عندما جرها السادات إلى اتفاقية "كامب ديفيد"، ودور لبنان الذي أنهكته الحرب الأهلية، فقُضي على البقية الباقية من "وحدة" الصف العربي.
ثالثاً ـ حوصرت العراق (حصاراً تاماً) بقرار مجلس الأمن الصادر في 6 آب (أغسطس) 1990، بحجة أسلحة الدمار الشامل، فأنهك المرض والجوع شعبه.
رابعاً ـ في 17 كانون الثاني (يناير) 1991، شنت أمريكا حرباً مدمرة على العراق (عاصفة الصحراء) سقط خلالها المئات من الضحايا، ودمر الكثير من المنشآت الصناعية والزراعية، واستعملت فيها أحدث الأسلحة للمرة الأولى. خامساً ـ في 2 آذار (مارس) 2003 شن "دبليوبوش" حرباً مدمرة على العراق بمساندة عدد من الدول الحليفة، وعدد من "الشخصيات" العراقية المعارضة التي احتضنتها أمريكا بحجة القضاء على "صدام" وتطبيق الديمقراطية بعد سقوط حجة (أسلحة الدمار الشامل).
لئن كانت التهمة الأبرز التي وُجَّهت إلى صدام خلال توليه السلطة على مدى ـ ثمانية وعشرين عاماً ـ وأدت إلى الحكم عليه بالإعدام، هي التسبب في قتل حوالي مئة وأربعين عراقياً ... فماذا نقول في عدد القتلى خلال هذه الفوضى التي سببها الغزو الأمريكي في العراق والذي يفوق هذا العدد في يوم واحد؟
يضاف إلى ذلك ما نعرفه من خراب ودمار في البنية التحتية، والمرافق، والمنشآت الثقافية والحضارية، وقتل العلماء وأصحاب الاختصاصات العلمية العالية، وتهجيرهم، وتشريد (2,5) مليون عراقي في بلاد الله ..
نعود إلى سؤالنا الافتراضي: لئن كان صدام طاغية بحق لا ضحية، فمن الأشدّ طغياناً؟ من هو صانع الكوارث الكبرى في العراق؟ أليست محاكمته تحت الاحتلال وبدستور وضعه المحتلون، انتقاماً فاضحاً لا تحقيقاً لأي نوع من العدالة؟ أوليس توقيت هذا "الحكم" بانتخابات الكونغرس، دليلاً جديدا على سلسلة "دعاوى دبليو بوش" الموصومة بالنفاق والكذب على شعبه وعلى العالم؟ أوليس صدام بذاته، وباعتباره رئيساً لدولة عربية واقعة تحت الاحتلال، وبالحكم الذي ناله، نتيجة للخزي العربي؟ ولماذا نوزع الاتهامات هنا وهناك ولا نرجع إلى تاريخ العراق الدموي منذ سقوط الدولة العثمانية، وتنصيب فيصل ملكاً مروراً بعبد الكريم قاسم، وعبد السلام عارف وأحمد حسن البكر ...؟
وما ذنب الشعب العراقي الذي مناه الله ببلدٍ، يملك ثاني مخزون نفطي في العالم؟
إن "الضحية الحقيقية"، "خصوصا"، هو هذا الشعب العراقي الذي امتُهن, وتمزقت وحدته على أيدي العملاء والجواسيس، وأوشك على الانهيار، و"عموماً" الأمة التي ينتمي إليها،
وعقبى لهذه الأمة "بضحية جديدة" سمينة مدهنة "كصدام".
عبد النبي حجازي
مجلة العصر