يا إلهي ماذا حدث في العالم؟؟؟؟
تابعت عبر قناة اقرأ الفضائية برنامج قبل ان تحاسبوا، الحلقات الخاصة بالمسنين، قدم البرنامج وعلى مدى عدة حلقات لقاءات مع بعض المسنين في دار لرعاية المسنين، كان حديثهم العفوي ينطق بالمأساة التي لا تقرها شريعة ولا يقبلها قلب ولا يصدقها عقل..
آباء وأمهات ألقى بهم ابناؤهم في دار لرعايتهم بعيداً عن عيونهم، رموهم هناك ثم نسوهم.. اصبح الأب الذي كان ملء العين والدنيا يعمل ويكدح لتربية ابنائه واعفائهم من ذل السؤال اصبح حطاما متهالكا في دار غريبة، يستجدي بدموع عينيه محبة أبناء كبروا وعمروا بيوتهم وتجاهلوا في رحلة أيامهم يوما سيكبرون فيه ويشربون من ذات الكأس التي يسقونها مترعة لآبائهم في غفلة قل ان يوجد لها مثيل..
لم أجد مبرراً واحداً لما يحدث فالانسان مهما بلغت قسوته لابد ان يوجد في قلبه ركن يفيض حنينا للوفاء والمحبة والقيم النبيلة، مهما كان انشغاله لابد انه انسان في النهاية، لابد ان مرآى عجوز غريب يكاد يسقط في الشارع سيدفعه إلى مساندته، أو مسن تذرف عيناه الدموع لابد ان يرق لحاله، أو كهلا تكاد قدماه لا تحملانه أن يدعمه ولو بنظرة اشفاق فما بالنا بالآباء، بالأمهات..
كيف يطيب النوم لابن ترك والديه أو احدهما في دار غريبة يرعونه نيابة عنه ويتكفلون باعاشته نيابة عنه.. كيف يمكن ان تطيب حياة لشخص القى بكل عنفوان شبابه الزائل أبويه أو احدهما في احضان غربة لا ترحم وبين اناس لا يهمهم أمره كثيراً..ذكرتني تلك الحلقات بزيارة كنت قد قمت بها إلى دار لرعاية المسنين هنا بالرياض.. تذكرت كيف حفر الزمن خطوطه على وجوه كبيرات السن وكيف اتخذت الدموع من تلك الحفر جداول لها تسير فيها وهن يحكين مأساتهن مع ابنائهن.
تذكرت كيف جافاني النوم لأيام بعدها وانا ادعو الله لهن ان يصب الحنان في قلوب أولادهن ليعرفوا خطأ ما فعلوه ويصححوا خطأهم قبل أن يحاسبوا..ففي صحيح مسلم , عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف قيل من يا رسول الله قال من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة)
هكذا قال رسولنا الكريم صلوات الله عليه وسلامه، رغم أنفه ثلاثاً، دعاء رهيب من رسول الرحمة على عاق والديه بالذل فكيف لا تتجافى جنوب العاقين عن المضاجع وهم أسرى دعاء الرسول عليهم؟.
قال أهل اللغة : معناه ذل وقيل : كره وخزي , وهو بفتح الغين وكسرها , وهو الرغم بضم الراء وفتحها وكسرها , وأصله لصق أنفه بالرغام , وهو تراب مختلط برمل , وقيل : الرغم كل ما أصاب الأنف مما يؤذيه . وفيه على الحث على بر الوالدين , وعظم ثوابه . ومعناه أن برهما عند كبرهما وضعفهما بالخدمة , أو النفقة , أو غير ذلك سبب لدخول الجنة ,فمن قصر في ذلك فاته دخول الجنة وأرغم الله أنفه .
وتذكرت قصة محكية عن طفل صغير طلبت منه أمه ان يرسم بيته عندما يكبر فرسم ما يعتقد انه البيت الصحيح ووضع في أقصى ورقته البريئة مربعاً صغيراً نائياً فلما سألته أمه عن ماهية هذا المربع قال لها غرفتك انت وأبي عندما أكبر ألستم تضعون جدي في غرفة مثلها ببيتنا هذا؟.
عندها فقط أدركت الأم مصيراً اسود ينتظرها بما عملت في والد زوجها فقامت من فورها وهيأت اجمل غرف البيت له واحضرته إليها فلما عاد الزوج وسأل عن سر التغيير في معاملة ومكان الأب اجابته: أهيىء لنا مكانا جميلا عندما نكبر..
نعم انها الحقيقة.. ستدور الدوائر على عاق والديه ويصبح في نفس المكان ونفس الظروف فالله يمهل ولا يهمل وما تفعله اليوم ستجده غدا كاملا غير منقوص ولكن بطريقة العصر الذي ستكون فيه والذي ربما استبدلت فيه دور رعاية المسنين بكبسولات فضائية تنقلك في كبرك إلى كوكب آخر بعيداً عن حدب أولادك وأحفادك..
انها حقاً مأساة لكن للأسف الشديد لا يحلها قرار حكومي وانما قرار إنساني يعيد الأمور إلى نصابها والوالدين إلى مكانهما الطبيعي تاجاً في منزل العائلة يرصع انسانيتها ويدعم أواصرها..
إلى كل عاق..
رغم أنفك ثلاثاً إن لم تعد لرشدك وتقبل قدمي أبويك أو أحدهما وتطلب عفوه وتسفح دموع الندم على ما فعلت.
والله المستعان
منقول عبر البريد