نقصد بالخطاب هنا كل اشكال التعبير و مخرجات الثقافة من كتابة و إعلام في صورة كلمة (سواءً مكتوبة أو مرئية أو مسموعة .
و بالتالي , فأن الخطاب يشمل كل مخرجات التفكير و الفكر الذي ينطلق منة هذا الخطاب وهذا الربط هو ربط عضوي مهم في تحليل الخطاب نفسة. وعلى عكس الكثير من الأراء التي تحبذ أن يتم تحليل أي خطاب على خلفيات الخطاب اللغويه (لتشمل أدبياتة) و الأيدولوجية والتركيز على خصوصية أي خطاب . ألا أنني أريد هنا أن أتكلم عن الخطاب ( أياً كان) و سماتة دون الوقوف كثيراً عند أيدولوجياتة . فالمجتمع ( أي مجتمع) يحمل في داخلة مجموعة من الخطابات التي قد تشمل على عناصر مشتركة رغم ما يظهر منها من تنوع قد يكون سطحي.
فالخطاب القومي و الديني قد يحملان صفات فكرية متشابهه أكثر من التناقض الظاهر بينهما .
فمثلاً قد يكون الإقصاء أو التعصب سمة مشتركه بينهما.
ففي فترة كان الخطاب القومي يرفع شعار " لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"
قد نجد خطاب ديني يرفع شعار " لا صوت يعلو فوق صوت الجهاد"
الشعار الأول و الثاني قد يختلفان في الكلمه الأخيرة , فهنا معركه و هناك جهاد . ولكننا نلاحظ أنهم أستخدموا نفس الكلمات التي سبقت المعركة أو الجهاد . فكلا الخطابين يقصيّان الآخر .
ولفهم أي خطاب ( على أعتبار أنه مجموع الخطابات المتفاعلة في المجتمع, أو قل الخطاب للعقل الجمعي لأي مجتمع إن صح التعبير) قد نلجىء ألى عدة سمات عامة و مقاييس ممكن تطبيقها على أي خطاب أياً كان ( مثلاً فكرة الحق المطلق في أيدلوجيات أي خطاب أو القبول بالتعددية) .
فلم يكن من قبيل المصادفة مثلاً أن فكرة الديموقراطية هي فكرة لها جذور في الفكر الغربي تمتد ألى الأغريق و الرومان. ولا عجب أن نرى أن فكرة المستبد العادل هي فكرة أصيلة في العالم العربي . فالعقل العربي أياً كانت أيدلوجياتة في أي مرحلة لم يستطع ألا أن يجد نفسة ينجذب نحو هذة الفكرة . قد يختلف أسم " المستبد العادل " في أدبيات أيدولوجية ما . فمثلاً هو ولي الأمر في خطاب ديني معين و هو الامام في خطاب آخر و هو قائد الثورة في خطاب فكري ثالث. فالحكم ليس للشعب في كل هذة الخطابات ( رغم ادعاء أكثرها بذلك). فنحن بدون الحكم بالصواب أو الخطء ( فهذا ليس مجالنا) نجد أن هناك سمات مشتركة أو قل مناخ فكري عام. فالقومي أقصى الآخر و الأسلامي في إيران أو طالبان ( أو حتى عبر اغلب مراحل التاريخ الأسلامي ) عمل نفس الأمر. وحتى الفكر الديموقراطي لا يعني إعطاء الآخر الحق في الوجود. و خير مثال على ذلك النازية في ألمانيا . فهتلر لم يأتي الى الحكم على ظهر دبابة بل عن طريق صناديق الأنتخابات و كانت النتائج كارثية فلم يتم إقصاء الآخر فكرياً فقط بل حتى جسدياً. الأنتخبات في أي بلد قد تعني التعددية ولكن في حالة النازية الألمانية كانت تعني "لإقصاء"
ولنأخذ مثال آخر . ماذا عن الكويت هذة المرة. يعتبر المجتمع الكويتي مجتمع مختلف عن المجتمع السعودي . بل يمثل مرحلة متقدمة من التجربة الديموقراطية في الوطن العربي. و مع ذلك و برغم وجود برلمان ( مجلس الشعب) كويتي. نرى أن المرأة حرمت من حقها في العملية الأنتخابية. ليس بيد الدولة هذة المرة بل بيد البرلمان الكويتي الذي يفترض أن يكون صوت كل الشعب الكويتي و ممثل أرادتة و مع هذا يجمع أعضائة على منع حقوق الأنتخاب لنصف مجتمعه؟
هل المشكلة في بعض التيارات؟؟ جائز .
هل إعطاء حق التعددية في مجتمع اصلاً يرفض التعدد يجعلة مجتمع يؤمن بالتعددية؟ نحن لا نناقش تيارات المجتمع نحن نناقش المجتمع كلة. فا بأمكانك وضع أصولي مسلم و "أصولي" قومي و أصولي شيوعي في بيت واحد ولكن هذا لا يعني أن البيت ديموقراطي .
إن إشكالية " الحق المطلق" " الحقيقه الكاملة" ليست مرتبطة بفكر أو تيار معين . أنها مناخ فكري أكثر منها أيدولوجيات معينه.
وهنا أعطي مثال آخر .
كان هناك رجل متدين وكان يخطب في الناس و يحذرهم من الأنحلال الأخلاقي الحاصل في مجتمعهم. و أخذ يتهم علماء الدين بأنهم فسقة فاسدون . و في مرحلة ما أخذ يحرق بعض الأعمال الفنية من رسوم و كتب و خلافة تحت ذريعة مخالفتها للدين . و اخذ يكوّن "حسبة" لمراقبة أخلاق أفراد المجتمع في الأماكن العامة. بل في مرحلة ما أراد أن يكّون دولة ثيوقراطية ( دينية). هذا الرجل كان أسمه سافنرولا و كان كاثولوكي . هل يذكرك هذا الرجل بأحد؟ هل قابلت هذا الرجل في أحد الأماكن العامة؟
الخطاب الذي لا يؤمن بالتعددية يمارس رقابة تحت شعار " درء المفاسد" أو تحت شعار " حماية الفكر". فيمنع كتاب ما تحت أحد الذرائع سالفة الذكر أعلاة . وهنا يبرز سؤال " من يحدد أن هذا الكتاب خطر على فكر العامة؟ " من أعطى الحق لشخص في هيئة رقابية أن يقرأ نيابةً عني و يقرر ما يصلح و مالا يصلح لي؟ ألم يقرئه هو و لم يتأثر بفكر الكتاب الهدام أذاً مالذي يمنع أن أقرأة أنا؟
بل تجد اصحاب هذا الخطاب يؤلفون الكتب تلو الكتب في الرد على كتاب (اصلاً) غير موجود في مكتبات البلد؟؟ و العجب أنك قد تجد أنهم يؤمنون بشعار " الحجة بالحجة" في نفس الوقت الذي يختار أصحاب هذا التيار مقتطفات من كتاب ( محرم دينياً أو فكرياً) يناسب إتهاماتهم لة ولا يسمحون لأفراد المجتمع أن يقرؤا الكتاب للمقارنة . كيف للقراء أن يتأكدوا أن مؤلف هذا الكتاب قال كذا و كذا في حين لا يسمح لهم بالأطلاع علية؟ المسئلة بسيطه فعليك أن تصدقهم .. لماذا؟ لأنهم اصحاب الحق المطلق. ولا نستثني تيار دون تيار فقد منعت كتب لتيارات دينية أيضاً في أنظمة قومية أو شيوعية.
أن الخطاب الواحد عندما يقصي كل الخطابات الأخرى . ليبقى وحيداً في الساحة لن ينمو ولن يتطور. فعندما يكثر التزاوج بين أفراد العائلة الواحدة جيل بعد جيل بالتأكيد سيظهر جيل مشوة مصاب بأنواع الأمراض الوراثية . وكذلك الخطاب الواحد ما يلبث إلا و يصاب بمرض " التّوحد" لينتج جيل سقيم في الفكر
العرض العادي
