السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
لِمَن ضَاقَت بِهِ الدُّنيـا
لِمَن ضاقت به الدُّنيا ، وتولَّى عنه الأصحابُ ، وتكالبَت عليه الدّيون ، ولم يجد إلَّا البُكاءَ مُنفّسًا له عن مُصابِهِ .
أخي في الله ، ليس البُكاءُ يُقدِّمُ ما أخَّرَ اللهُ ، أو يُؤخِّرُ ما قدَّمَ الله .
البُكاءُ لا يُجدي لَكَ شيئًا .
عليكَ أن تتوكَّلَ على الله ، وأن تُحسِنَ الظَّنَّ بالله ، فإنَّ اللهَ عند حُسن ظَنِّ عبده به .
إيَّاكَ أن تيأسَ ، أو تقنَطَ مِن رَوح اللهِ ورحمةِ الله ، بل توكَّل على الحَيِّ القَيُّوم ، وتوكَّل على أرحمِ الرَّاحمين ، واسأل اللهَ أن يُمدَّكَ بالعون والتوفيق والسَّداد ، وأن يفتحَ عليكَ أبوابَ الفَرَج .
!.. الحديثُ الذي ذكره الشيخ هُنا ضعَّفه الألبانيُّ ..!
فإنَّ الإنسانَ ضعيفٌ ، وتتكالَبُ عليه هُمومُ الدنيا ، فما خرج مِن هَمٍّ إلَّا وقع في غيره ،
ولا نَجَا مِن كُربةٍ إلَّا أحاطت به غيرُها ،
{ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ }
البلد/4 ،
ولكنْ لا يُبَدِّدُ الهُمومَ ، ولا يُزيلُ الغُمومَ ، إلَّا الحَيُّ القَيُّوم ، الذي
{ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ }
البقرة/255 .
أخي في الله ، أراد اللهُ بِكَ خيرًا إذا ابتلاكَ ، وألهمكَ الصبرَ على البَلْوَى .
أراد اللهُ بِكَ خيرًا إذا ابتلاكَ ، فانكسر قلبُكَ لمَولاك .
أراد اللهُ بِكَ خيرًا إذا جَعَلْتَ اللهَ نُصبَ عينيكَ ، فبثثتَ إليه أحزانَكَ ، واشتكيتَ إليه هُمومكَ وغُمومكَ ،
ولِسانُ حالِكَ يقول : يا رَبِّ إلى مَن تكِلُني ، إلى ضعيفٍ يتجَهَّمُني ، أم إلى عَدُوٍّ ملَّكتَه أمري .. ولِسانُ
حالِكَ يقول : يا الله ، يا مَن يُجيبُ المُضطرَّ إذا دعاه ، أبُثُّ إليكَ الشكوى ، وألتجِئُ إليكَ يا مَن جَلَّ وعلا ..
لِسانُ حالكَ يقول : اللهم يا مَن كشفت الضُّرَّ عن أيوب ، وأزلت الهَمَّ عن ذِي النُّون ، وكشفتَ الضُّرَّ عن
العباد ، وأزلتَ البَلاءَ عنهم ، أزِل عَنِّي هَمِّي ، واكشف عَنِّي غَمِّي ، ولا تجعلني أشقَى عبادِكَ عندك ،
اللهم لا تحرمني خيرَ ما عندكَ بِشَرِّ ما عندي .
أَكْثِر مِن دُعائِه ، وتَضَرَّع إليه ، فإنَّه واللهِ ثُمَّ واللهِ أرحمُ بِكَ مِن نَفْسِكَ بِنَفْسِكَ التي بين جنبيك ،
وإنَّكَ إنْ بثثتَها كلماتٍ مِن قلبٍ مُؤمِنٍ باللهِ ، مُوقِنٍ في الله ، فإنَّ اللهَ لا يُخَيِّبُك .
إنَّ العبدَ إذا دعا ، واعتصمَ باللهِ والتجا ، وصَدَقَ في دُعائِه والتجائِه ، تفتَّحت أبوابُ السَّماوات .
إذا دعا اللهَ صادقًا مِن قلبِهِ ، وقد أحاطت به هُمومُه في جسده ، مِن سَقَمٍ في الجسد ، أو مرض ،
أو ألم ، فأعياه الأطباء ، وعَظُم عليه البلاء ، أو عَظُم عليه بلاؤه في البناتِ والأبناء ،
وأصبح كُلَّما ضَحِكَ أبكاه هَمُّه ، وأبكاه غَمُّه ، وأحزنه وأقلقه .
إنَّ العبدَ إذا وصل إلى هـذا الحال ، وتوجَّه إلى الكبير المُتعال بصِدقٍ ويقينٍ ،
فإنَّ هـذا هو المقصودُ مِن البلاء .
المقصودُ مِن البلاءِ الفِرارُ مِنَ اللهِ إلى الله .
المقصودُ مِن البلاءِ أن يَبُثَّ العبدُ إلى رَبِّهِ الشكوى ، وأن يلتجِأ إلى اللهِ جَلَّ وعلا ،
وأن يتذَكَّرَ عظمةَ الله .
إذا عَظُمَ عليكَ الدَّيْنُ ، فتذكَّر اللهَ جَلَّ جلالُه الذي هو أعظمُ مِنَ الدَّيْنِ ومِن كُلِّ شئ .
وإذا عَظُمَ عليكَ الهَمُّ في أولادِكَ وبناتِكَ وزَوْجِكَ وأهلِكَ ، فتذكَّر أنَّ اللهَ يسمعُكَ ، وأنَّ اللهَ يراكَ ،
وأنَّ اللهَ حليم ، وأنَّ اللهَ رحيم ، فقُل : يا رَبِّ ، أنتَ ترى حالي ، وتعلمُ ضَعفي ، وتعلمُ فقري ،
يا رَبِّ إليكَ التجأتُ ، يا رَبِّ إليكَ اشتكيت ، يا رَبِّ بِكَ استعنتُ ، وعليكَ توكَّلتُ ، وفوَّضتُ أمري إليكَ ،
وألجأتُ ظهري إليكَ ، وآمنتُ بِكَ ، وأسلمتُ إليكَ .
إذا قُلتَ هـذه الكلمات فُتِّحَت لها أبوابُ السّماوات ، وإذا صَدَعتَ بهـذه الدعواتِ ،
فإنَّكَ حَرِيٌّ بتفريج الكُرُبات ، وتسهيل المُهِمَّات ، إنَّ اللهَ إذا تأذَّنَ بالفَرَجِ جاءكَ مِن حيثُ لا تحتسِب ،
وإنَّه ما مِن عبدٍ تضيقُ به الأرضُ بما رَحُبَت – خاصَّةً إذا خذلَكَ الناسُ ، وخاصَّةً إذا تولَّى عنكَ القريبُ
والحبيبُ ، وخاصَّةً إذا كنتَ تثِقُ في أحدٍ فخذلَكَ ، وإذا كنتَ ترجو أحدًا بعد الله فأهانَكَ وأذَلَّكَ –
عندها تعلمُ أنَّ اللهَ يُريدُكَ أنْ تلتجِئَ إليه .
أسعـدُ الناسِ في الدُّنيا مَن وَجَّه وجهَه إلى الله .
أسعـدُ الناسِ في الدُّنيا مَن أسلمَ قلبَه للهِ .
{ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ }
النساء/125 ؛ أىْ : مُوقِنٌ بأنَّ الفَرَجَ مِن الله .
إذا أذلََّكَ الناسُ ، علِمتَ أنَّه ليس بيدِهم عِزَّةٌ ولا ذِلَّة .
وإذا أهانكَ الناسُ وأنت تطلبُ منهم أن يُعينوكَ ويُساعدوكَ ،
فاعلم أنَّهم لا يملكون لأنفسِهم ضَرًّا ولا نفعًا ، ولا موتًا ولا حياةً ولا نُشورًا ،
وإذا اشتَدَّ عليكَ البلاءُ ، وعَظُمَ عليكَ العَناءُ ، مِن زوجةٍ ومِن أهلٍ ومِن ولدٍ ومِن أخٍ ومِن أُختٍ
ومِن أصدقاءٍ ومِن أقرباء ، وإذا عَظُمت أذِيَّةُ الناسِ لَكَ ، وامتهانُهم لَكَ ، فاعلم أنَّ لَكَ رَبًّا لا يُخيِّبُك ،
وأنَّ لَكَ رَبًّا هو مُنتهََى الشَّكوَى ، وأنَّ لَكَ رَبًّا يسمعُ السِّرَّ وأخفَى ، وأنَّ لَكَ رَبًّا يرحمُكَ ويُحبُّكَ ،
ويُحِبُّ أن تُنادِيَه ، وتلتجِأَ إليه وتدعوه ،
{ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ }
النمل/62 .