إن إنتاج النفط سوف يتناقص خلال الأعوام الخمسة إلى العشرة المقبلة بنحو مليوني برميل يوميا كل عام. ولهذا السبب فإن اللعبة بالنسبة للولايات المتحدة هي أن تمسك بزمام المبادرة الإستراتيجية لتكون "حارس البوابة" لكل ما بقي من احتياطات النفط والغاز في العالم
في حال قررت الولايات المتحدة المضي قدما في حربها ضد العراق، فإن هذه الحرب ستكون بمثابة انتصار للانتهازية، وهزيمة ساحقة للحكمة السياسية ولحسن البداهة
”
ويمتلك العراق احتياطيا خاصا ومهما في لعبة النفط هذه، إذ إن لديه احتياطيا مثبتا يبلغ 15% من إجمالي الاحتياطي العالمي، بالإضافة إلى قدرته الجاهزة على زيادة معدل الإنتاج إلى نحو ستة ملايين برميل يوميا، ولذا فإن العمل لتغطية النقص المتوقع في إمدادات الطاقة في الولايات المتحدة يعتمد بالدرجة الرئيسية على مدى هيمنتها على الاحتياطيات المثبتة للنفط.
ولكي تضمن الولايات المتحدة أن يندرج العراق في إطار الرؤية الإستراتيجية للطاقة، فقد عملت على شن حملة لإضعاف الرئيس العراقي أمام نخبة الجنرالات القريبة منه، اعتمادا على سياسة "التحضير والتخويف"، وذلك لابتزاز وإجبار الرئيس العراقي على قبول مقررات الأمم المتحدة التي رفضها من قبل، وكذلك عبر جعل الحياة لا تطاق بالنسبة للعراقيين من خلال سياسة الاحتواء والعقوبات، وذلك على أمل أن يمتثل العراقيون وجنرالات الجيش للرغبات الأميركية لإزاحة أو تغيير النظام.
أما الإستراتيجية العراقية المضادة، فقد تمثلت في استخدام العدوانية الأميركية لتركيز أنظار الرأي العام العالمي على عدم مشروعية استمرار العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، وعلى الحاجة الملحة لرفعها. وحتى الآن، فقد حققت هذه الإستراتيجية نجاحا ملموسا في تأجيل المواجهة العسكرية وعزل السياسة الأميركية.
وهذا هو ما كان الغاية من وراء قبول العراق لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1441، الذي كان يهدف لتقديم الضوء الأخضر للولايات المتحدة في أي وقت وبناء على أي تفسير مسبق لشن العدوان العسكري ضد العراق.
ودون أدنى شك، فإن هذه المؤشرات ستسهم في زيادة عزلة صقور الإدارة الأميركية وتحبط خططها الحربية وتضعف، إلى أقصى حد، مبرراتها ومزاعمها لغزو العراق.
بقدراتها العسكرية ربما تستطيع الولايات المتحدة هزيمة الجيش العراقي، ولكن نتائج حرب كهذه ستكون مروعة بما يكفي لهزيمة المصالح الأميركية وسياستها الخارجية، ربما على امتداد العالم بأسره، فهناك جيل كامل من العرب والمسلمين يشعرون بالقرف والإنهاك لرؤية الإذلال الجاري لحكوماتهم ولهزيمة جيوشهم وللإساءة لكرامتهم، مرة أخرى، على يد قوة غربية.
الغضب والانزعاج والحقد والكراهية سوف تثبت من دون أدنى شك أنها الأرضية الخصبة للذين يسعون لكي يصبحوا "شهداء المستقبل" لإلحاق الأذى بالمصالح الأميركية والغربية.
وفي حال قررت الولايات المتحدة المضي قدما في حربها ضد العراق، فإن هذه الحرب ستكون بمثابة انتصار للانتهازية، وهزيمة ساحقة للحكمة السياسية ولحسن البداهة التي كانت وراء السياسة التي سعت لقيادة العالم نحو السلام والاستقرار. ومن المؤكد أن الحرب سوف تدمر السلطة الأخلاقية والقانونية للأمم المتحدة، كما أنها ستكون مؤشرا لنهاية هذه المنظمة الدولية.
والمأساة الكبرى في هذا كله هي أنه ما يزال هناك سبيل لتحاشي الحرب، وحفظ حياة المنسيين من العراقيين الأبرياء، والمسؤولية في ذلك تقع على عاتق الولايات المتحدة والعراق.
إن تعاون العراق مع الأمم المتحدة يتعين أن يخطو باتجاه لا يؤكد عزمه على التخلي عن أسلحة الدمار الشامل فحسب، بل وعلى لعب دور إيجابي في سياساته المستقبلية أيضا وذلك من ناحيتين على الأقل، الأولى أن يقدم مؤشرات تدل على رغبته في إعادة بناء علاقاته الدولية، بما فيها مع الولايات المتحدة وبريطانيا، لخدمة المصالح المشتركة، وخاصة المصالح المتعلقة بإعادة بناء الاقتصاد العراقي.
والثانية، هي أن يقدم مؤشرات تدل على أنه، كقوة نفطية مستقلة، مستعد للمساهمة في حفظ استقرار وتوازن سوق النفط، وأنه لن يستخدم النفط وسيلة للضغط السياسي.
لا أحد يصدق جديا أو يقبل الزعم بأن العراق، الضعيف والمتداعي، يشكل تهديدا للقدرات العسكرية الأميركية. وما من بلد في العالم لديه القدرة على مثل هذا التهديد.
والسبيل الوحيد لمعالجة المأزق بين العراق والأمم المتحدة إنما يمر عبر المصالحة والحوار والدبلوماسية، وذلك لتشخيص المخاوف والاهتمامات العراقية في سياق المقررات الدولية الراهنة.
في المقابل، فإن التحدي النبيل الذي يواجه الولايات المتحدة يكمن في تعزيز سلطات الأمم المتحدة المطلوبة بصورة ملحة في خضم الاضطراب السياسي لعالم اليوم. كما أن هناك حاجة للاعتراف بأن النظام الدولي الجديد لا يمثل تفويضا لسياسات الهيمنة والتسلط على العالم، وأنظمة الدمى التي تحركها أصابع خفية غير مقبولة وهي بالقبح نفسه الذي تمثله الدكتاتوريات والإمبريالية والاستعمار.
ورغم أن أنظمة الدمى مرغوبة من قبل صقور الولايات المتحدة، فإنها تمثل وجها مضادا وانتهاكا صارخا للديمقراطية وحقوق الإنسان، التي تتخذها الولايات المتحدة راية لدعايتها الحربية ضد العراق.