العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام العامة ]:::::+ > ۞ مكتبة الــوٍد الإسلامية ۞
موضوع مغلق
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-11-2003, 05:33 PM   رقم المشاركة : 1
طوبى للغرباء
( ود نشِـط )
 





طوبى للغرباء غير متصل

لماذا الجهاد؟

لماذا الجهاد؟ أبوقتادة الفلسطيني

لقد كتب اللـه في الأزل أن يخلقَ الإنسان خلقاً سويّاً في أحسن خِلْقَةٍ وتكوين، قال اللـه تعالى: {لقد خلقنا الإنسانَ في أحسنِ تقويم}، فأبدعه أيّما إبداع، ثمَّ جعله مناطَ التكليف وحَمْلِ الأمانة، قال تعالى: {إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبينَ أن يحملنها وأشفقنَ منها وحملها الإنسان إنّه كان ظلوماً جهولاً}. وليس الظلم والجهل بسبب حملها، ولكنّه بجهله في قيمة هذه الأمانة، وبظلمه لحقّها.
وأكرم اللـه هذا المخلوق بأن سخّر له كلّ شيءٍ خلقه من سموات وأرض، قال تعالى: {ألم تروا أنّ الله سخّر لكم ما في السموات والأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرةً وباطنة}.
وقال تعالى: {وسخّر لكم ما في السموات والأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون}، فقد خلق اللـه كلَّ شيء خدمةً للإنسان، وجعل اللهُ الإنسانَ له وحده من أجل عبادته، قال تعالى: {وما خلقتُ الجنّ والإنسَ إلاّ ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون، إنّ الله هو الرزّاق ذو القوّة المتين}، وقد أخذ اللـه على الإنسان العهود والمواثيق أن لا يعبد إلاّ اللـه تعالى، قال ربّنا جلّ في عُلاه: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم وأشهدهم على أنفسهم ألستُ بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبلُ وكنّا ذرّيةً من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون}.
وروى الإمامان البخاري ومسلم عن أنس بن مالك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (يقالُ للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنتَ مفتدياً به؟ قال فيقول: نعم. فيقول: قد أردّت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشركَ بي شيئاً فأبيت إلاّ أن تشرك بي. وقال ابن عبّاس رضي اللـه عنهما: إنّ اللـه تعالى أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان يوم عرفة، فأخرج من صلبه كلّ ذريّة ذرأها فنثرها بين يديه ثمّ كلّمهم قبلاً، قال تعالى {ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا}).[صحيح من قول ابن عبّاس كما قال ابن كثير رحمه اللـه تعالى].
وقد قدّر اللـه تعالى أن ينقسم البشر في عبوديّتهم له إلى فريقين: فريقٍ أوفياء لهذه العبوديّة، وفريقٍ آخر سينكرونها ويتنكّبون عن صراطها، ولتذكير الناس بالميثاق أرسل اللـه الرسل وأنزل الكتب، قال تعالى: {رسلاً مبشّرين ومنذرين لئلاّ يكون للناس على الله حجّة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً}.
وقال أبيّ بن كعب، في تفسير آية الميثاق السابقة: (يقول اللـه تعالى: فإنّي أشهد عليكم السموات السبع والأرضين السبع وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بهذا، إعلموا أنّه لا إله غيري ولا ربّ غيري ولا تشركوا بي شيئاً، وإنّي سأرسل إليكم رسلاً ليذكّروكم بعهدي وميثاقي وأنزل عليكم كتبي. قالوا: نشهد إنّك ربّنا وإلهنا، لا ربّ لنا غيرك، ولا إله لنا غيرك، فأقرّوا له يومئذٍ بالطاعة، ورفع أباهم آدم فنظر إليهم فرأى فيهم الغنيّ والفقير وحسن الصورة ودون ذلك. فقال آدم: يا ربّ لو سوّيتَ بين عبادك. قال: إنّي أحببت أن أُشكر، ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج، عليهم النور) .[رواه عبداللـه في مسند أبيه وصحّحه الحاكم وهو كما قال].
وقد جعل اللـه تعالى للطائع مستقرّاً هي جنّته، وللذين رفضوا مستقرّاً هي النار، قال تعالى: {للذين استجابوا لربّهم الحسنى، والذين لم يستجيبوا لو أنّ لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنّم وبئس المهاد}[الرعد:18].
وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى لأهونِ أهل النار عذاباً يوم القيامة: لو أنّ لك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدي به؟ فيقول: نعم، فيقول: أردّت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلاّ أن تشرك بي).
قال تعالى: {أفمن يعلم أنّما أُنزِل إليك من ربّك الحقّ كمن هو أعمى إنّما يتذكّر أولو الألباب، الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربّهم ويخافون سوء الحساب، والذين صبروا ابتغاء وجه ربّهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا ممّا رزقناهم سرّاً وعلانيةً ويدرأون بالحسنة السيّئة أولئك لهم عقبى الدار، جنّات عدنٍ يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كلّ باب سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار}[الرعد:19-25].
وهكذا ستكون نهاية هذا الإنسان بقسميه.
مهمّـة الأنبــياء وأتــباعهم:
قال تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصّينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرّقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه}[الشورى:13].
فقد أمر اللـه الأنبياء بإقامة الدين وهو العمل به في أنفسهم وفي الناس، ولذلك أمرهم بالدعوة والتبيين والنذارة فقال سبحانه وتعالى:{رسلاً مبشّرين ومنذرين}[النساء:165]، فمهمّة الأنبياء هداية الخلق وتعليمهم ما يحبّه ربّنا ويغضبه، قال تعالى: {إنّما أنت منذرٌ ولكلّ قوم هاد}[الرعد:7].
وقال تعالى: {إنّك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم} وهذه هداية الدعوة والدلالة والإرشاد، وأنزل معهم الكتب وعلمهم الحكمة، قال تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة}[آل عمران:81].
وقذف اللـه في قلوب الأنبياء الرحمة على الخلق والرغبة الشديدة في هدايتهم كما قال تعالى: {فلعلّك باخعٌ نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا}[الكهف:6]، وقد سمّى اللـه نبيّه محمّداً بالرؤوف الرحيم، قال تعالى: {بالمؤمنين رؤوف رحيم}[التوبة:128].
وكان آخر الأنبياء هو نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم، وهو خاتمهم. قال تعالى: {ما كان محمّدٌ أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيّين}[الأحزاب:40].
وقال صلى الله عليه وسلم: مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجلٍ بنى داراً فأكملها وأحسنها إلاّ موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها يتعجّبون ويقولون: لولا موضع اللبنة. رواه البخاري، وزاد مسلم: قال رسول اللـه: فأنا موضع اللبنة، جئت فختمت الأنبياء.
وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نحن الآخرون ونحن السابقون يوم القيامة، بيد أنّ كلّ أمّة أوتيت الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم).
وقد أُرسلَ محمّدٌ صلى الله عليه وسلم إلى جميع الخلق، من أبيضٍ وأسودٍ وأحمر، وإلى العرب والعجم، وإلى الوثنيين واليهود والنصارى، قال تعالى: {وما أرسلناك إلاّ كافّة للناس بشيراً ونذيراً}[سبأ:28]، وقال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفس محمّد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمّة يهوديّ ولا نصرانيّ ثمّ يموت ولم يؤمن بالذي أُرسِلتُ به إلاّ كان من أهل النار). [رواه مسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم، فيه كذلك: (وكان الرسول يبعث في قومه خاصّة وبُعِثتُ إلى الناس عامّة).
الطـــائفة المـــنصورة وظـــهور الـــدين:
وقد كتب اللـه تعالى لدينه الظهور والرفعة والغلبة بالحجّة والبيان وبالسيف والسنان، قال تعالى:{هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون}[الصفّ:9]، وقد جاء (ابتلاًء للناس، قال: إنّي مبتليك ومُبتلٍ بك[رواه مسلم].
ومن أجل إقامة الدين وحصول الرفعة والغلبة أرسل اللـه مع نبيّه الكتاب والميزان والحديد. قال تعالى: {لقد أرسلنا رُسُلَنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصُرُه ورسُلَه بالغيب، إن الله لقويٌّ عزيز}[الحديد:25].
فكتابه يهدي إلى الحقّ، والحديد يُقوِّم من خرج عنه، والناس لا يُصلِحُهم إلاّ هذا، ومتى ضعف في الناس أحدُ الأمرين
-الكتاب والحديد- حصل الفساد والخراب، قاصلى الله عليه وسلم: بُعِثتُ بالسيف بين يدي الساعة حتّى يُعبَدَ اللـه وحده.
فكان هذا ميراثه في أمّته: الكتاب الهادي والسيف المانع المقوّم، فكان الناس قسمين: علماء وأهل جهاد، وقد جمع اللـه هاتين الفضيلتين لخير الخلق بعد الأنبياء وهم الصحابة، قال تعالى: {محمّد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفّار رحماءُ بينهم تراهم ركّعاً سجّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة، ومثلهم في الإنجيل كزرعٍ أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزرّاع ليغيظ بهم الكفّار}[الفتح:29].
وقال عليه الصلاة والسلام: إنّ العلماء ورثة الأنبياء، وإنّ الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنّما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍ عظيم وافر [رواه الترمذيّ وهو حسن].
فكما أمر اللـه تعالى نبيّه بالاقتداء في الأنبياء كما قال تعالى {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}[الأنعام:90] فكذلك أمر اللـه أمّة محمّدٍ صلى الله عليه وسلم أن تقتدي به، فأسرع الناسُ في التسابق في أخذ ميراثه وإقامته في أنفسهم وفي الناس.
فمن أقبل على دين اللـه يريده ويبتغيه علّموه وفقّهوه كما قال عليه الصلاة والسلام: نضّر اللـه امرءً سمع مقالتي فوعاها وأدّاها كما سمعها [رواه الترمذي وغيره]، ومن أعرض عنه قاتلوه حتّى يخضع لحكم اللـه تعالى، كما قال تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون}[التوبة:29].
وهكذا كان دور أتباع محمّد، وهذا كان عملهم، هداية الخلق إلى الحقّ وتقويم من أعرض وتعدّى، لا عمل لهم في حقيقة الأمر إلاّ هذا، فلمّا توفيّ رسول اللـه انتشر الصحابة في الآفاق فخرج جيش أسامة لقتال الروم، وخرجت جموع الصحابة لقتال من ارتدّ من العرب عن الإسلام، ثمَّ حملوا هذا الدين للتابعين ثمّ جيلاً بعد جيل. قال عليه الصلاة والسلام: يحمل هذا العلم من كلّ خَلَفٍ عُدولُه، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين [رواه جماعة من الصحابة وصحّحه الإمام أحمد وابن القيّم]، فكان مداد العلماء ودماء الشهداء هما أحبّ ما يتقرّب به إلى اللـه تعالى، مداد العلماء لهداية الخلق وتعليمهم السنّة وكشف البدعة ونشر الحقّ، ودماء الشهداء من أجل نشر التنزيل وحفظ التأويل، وكلّما أظهر الناس بدعة قام لها العلماء حقّ القيام فأزالوا عنها زيفها ونفّروا الناس منها، وكلما جهل الناس سنّة أظهروها وعلّموها الأمّة، وكلّما خرج عن هذه الأمّة من داخلها من يريد لها شرّاً أو جاء من خارجها ليستبيح بيضتها قاموا له بالسيف حتّى يكسروا له قرنه ويردّوه على عقبيه ويدخلوه حجره.
كذا فعل الصدّيق مع المرتدّين، وكذا فعل عليّ بن أبي طالب مع الخوارج إذ أرسل لهم عبداللـه بن عبّاس فناظرهم حتى ردّ أكثرهم ثمّ قاتلهم حتّى قتل منهم مقتلةً عظيمة، وهكذا فعل عمر بن عبدالعزيز معهم، وقد كتب اللـه تعالى بقاء طائفة منصورة قائمة بالحقّ والهدى وحاملةً للسيف والسنان إلى قيام الساعة.
قال عليه الصلاة والسلام: لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة. قال: فينزل عيسى بن مريم عليه السلام، فيقول إمامهم: تعالى صلّ لنا، فيقول: لا، إنّ بعضكم على بعض أمراء تكرمة اللـه هذه الأمّة. رواه مسلم
من حديث جابر بن عبداللـه، وفيه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللـه: لا تزال عصابة من أمّتي يقاتلون على أمر اللـه قاهرين لعدوّهم، لا يضرّهم من خالفهم حتّى تأتي الساعة وهم على ذلك.
وهؤلاء في كلّ وقت غرباء. وروى الترمذي في سننه وقال: حسن صحيح أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنّ الدين بدأ غريباً، ويرجع غريباً، فطوبى للغرباء، الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنّتي.
وفي رواية أخرى عند غيره قال عنهم: الفرّارون بدينهم يجتمعون إلى عيسى عليه السلام، وفي رواية: ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممّن يطيعهم.
فورّاث النبيّ صنفان: علماء دعاة إلى الحقّ والهدى، لا يكتمون الناس شيئاً كما قال تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للناس ولا تكتمونه}[آل عمران:187]، وقد أنذر من علم علماً أوجبه اللـه على الناس ثمّ كتمه بأن يلجمه يوم القيامة بلجام من نار كما في الحديث الصحيح.
وصنفٌ آخر هم الذين يحمون هذا العلم ويقيمونه في الناس إذا ملكتهم الأهواء وهم المجاهدون في سبيل اللـه، وخير الأمرين هو من جمع بين الفضلين، وهذه هي صفة الطائفة المنصورة، فهي طائفة علم وجهاد. قال عليه الصلاة والسلام: ما من نبيّ بعثه اللـه في أمّة قبلي إلاّ كان له من أمّته حواريّون وأصحاب يأخذون بسنّته ويقتدون بأمره، ثمّ إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن[رواه مسلم من حديث عبداللـه بن مسعود].
وكان العلماء على الدوام هم حجّة اللـه على هذه الأمّة، كما كان شأن الإمام أحمد رحمه اللـه تعالى في فتنة خلق القرآن، إذ وقف لهذه الفتنة التي كادت تعصف بالأمّة وتخرجها إلى الشرك والكفران موقف الأسد الذي يحمي ذمامه فنصره اللـه وأيّده، وكما هو موقف علماء المالكيّة من أتباع سحنون في فتنة الباطنيّة العبيدية حين قاتلوهم وكشفوا زندقتهم. قال الرعينيّ في كتابه: أجمع علماء القيروان: أبو محمّد بن أبي زيد، وأبو الحسن القابسيّ، وأبو القاسم بن شبلون، وأبو علي بن خلدون وأبو محمد الطبيقي وأبو بكر بن عذرة: أنّ حال بني عبيد، حال المرتدّين والزنادقة، فحال المرتدّين بما أظهروه من خلاف الشريعة فلا يورثون بالإجماع، وحال الزنادقة: بما أخفوه من التعطيل، فيقتلون بالزندقة[ترتيب المدارك، جـ7/247].
وخرج العلماء لقتالهم. قال أبو الفرج ابن الجوزي: أقام جوهر (الصقلي نائب العبيديين في مصر) القائد لأبي تميم صاحب مصر أبا بكر النابلسي (الإمام القدوة) وقال له: بلغنا أنّك قلت: إذا كان مع الرجل عشرة أسهم، وجب أن يرمي في الروم سهماً وفينا تسعة؟ قال: ما قُلت هذا، بل قلت: إذا كان معه عشرة أسهم وجب أن يرميكم بتسعة وأن يرمي العاشر فيكم أيضاً، فإنّكم غيّرتم الملّة، وقتلتم الصالحين، وادّعيتم نور الإلهية، فشهره ثمّ ضربه ثمّ أمر يهوديّاً فسلخه [أنظر سير أعلام النبلاء،7/148].
وقال الذهبيّ: وقد أجمع علماء المغرب على محاربة آل عبيد لما شهروه من الكفر الصراح الذي لا حيلة فيه. وخطب الإمام أحمد بن أبي وليد الناس قائلاً : جاهدوا من كفر باللـه وزعم أنّه ربّ من دون الله، وغيّر أحكام الله وسبّ نبيّه صلى الله عليه وسلم وأصحاب نبيّه، فبكى الناس بكاءً شديداً. وركب ربيع القطّان فرسا ملبساً، وفي عنقه المصحف وحوله جمع كبير وهو يتلو آيات جهاد الكفرة فاستشهد هو وخلق من الناس.
وهكذا كان شأن الإمام أحمد بن تيمية في بيانه للحق والهدى والسنة، فكشف أهل البدع من متكلّمين وفلاسفة وصوفيّة، وجلّى الحق الذي غشيته زبالات الأهواء أحسن بيان وأجلاه، ثمّ قام مقام المجاهدين فقاتل التتار وحرّض الناس على قتالهم وحضّ ملوك الإسلام عليهم وخوّفهم إن لم يقوموا بواجب الجهاد ضدّ التتار أنّه ومن معه من المسلمين سيبدلونهم ويختارون ملوكاً عليهم غيرهم، ولما التبس على الناس أمر قتالهم وفي أيّ نوع من الأنواع يدخل قتالهم، بيّن أنّ قتالهم هو قتال من امتنع عن شرائع الإسلام، فعاد الحقّ أبلجاً وكشف اللـه الغمّة وهزم التتار في معركة شقحب (مرج الصفر).
ثمّ ما كان من شأن الشيخ محمّد بن عبدالوهّاب رحمه اللـه تعالى حين دعا إلى التوحيد والسنّة فعُودي ورُمي عن قوس واحدة...
وهكذا هي سلسلة الدعوة والجهاد، حلقاتها تمتدّ من زمن إلى زمن، لا تنقطع ولا تتوقّف حتّى يومنا هذا.
* * *
أخي المسلم:
إذا علمت هذا وتبيّن لك على وجه صحيح رأيت الواجب الملقى على عاتقك، وبحثت عن هذه الطائفة التي يمتدّ تاريخها من يومنا هذا إلى النبيّ، وهي الطائفة التي تدعو الناس إلى التوحيد والسنّة، وتكشف للناس الشرك والبدعة، وتقاتل في سبيل ذلك حتّى تقوم الساعة.
والآن تسأل من نحن ولماذا الجهاد؟ لقد نشأنا فوجدنا علماً مفقوداً، وأمّة جاهلة، ومعاصي متفشيّة، وحقوقاً مهدورة، وأرضاً مغصوبة، وحكّاماً مرتدّين. فما هو الواجب الملقى على عاتق من علّمه اللـه وفقّهه؟
لقد قيّض اللـه في زماننا أمراً عظيماً هو انتشار كتب السلف، وقد مرّ وقت طويل كان الناس إلاّ قلّة قليلة لا يعرفون من كتب العقائد إلاّ كتب أهل الكلام، فلا يعرفون إلاّ العقائد النسفية وشرح جوهرة التوحيد وأمثالهما، ولا يقرؤون الفقه إلاّ من كتب المتون ولا يعرفون إلاّ التقليد، ولا يعرفون كتب التربية إلاّ كتب التربية الصوفية كالرسالة القشيرية واللمع للطوسي وإحياء علوم الدين للغزالي..
ثمّ برحمة من اللـه تعالى أن أقبل الناس على طباعة وتحقيق كتب السلف، فطبعت مؤلّفات ورسائل وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، وطبعت كتب السنّة والتوحيد كالسنّة لعبداللـه بن الإمام أحمد والسنّة لابن أبي عاصم والتوحيد لابن خزيمة والشريعة للآجري، ثمّ تتابع السيل المبارك، فأقبل الناس على دراسة هذه الكتب ثمّ بالبحث عن بقايا العلماء الذين هم همزة الوصل للطائفة المنصورة الدائمة الباقية، وبدؤوا يحاولون فهم واقعهم على ضوء فهم أئمّة هذه الطائفة بدءاً من أبي بكر الصدّيق إلى قول أيّ عالم أصاب الحقّ والهداية وارتبط بالكتاب والسنّة.
فكان ما خرجوا به أنّ الأمّة غيّرت وبدّلت وأصابها الجهل في كلّ جوانب هذا الدين، وبسبب جهلها وقعت في المعاصي والذنوب واقترفت البدع، بل إنّ بعضها لحق بالمشركين واتّبع دينهم، ثمّ نظروا فوجدوا أنّه قد استولى على أمرهم وقيادتهم حكّام باعوا دينهم للشيطان ودخلوا في دين المشركين، وسرقوا مقدّراتها من خيرات اللـه فيها، ولم يجدوا طريقاً للخير إلاّ أغلقوه، فعطّلوا المساجد ودور العلم ولاحقوا العلماء والدعاة إلى اللـه، ولم يجدوا طريقاً للشرّ إلاّ سلكوه، فنشروا دين الردّة وحسّنوا للناس الباطل والكفر من علمانية وديمقراطية وشيوعية واشتراكية، وأوجبوا على الناس المعاصي فأقاموا مصارف الربا وضيّقوا على الناس سبل الحياة حتّى لا يدخلوا إلاّ من بابه، ونشروا الرذيلة مع الفقر حتّى لا يكون للشاب إلاّ طريق الخبث، ثمّ لم يجدوا منفذاً للشرّ إلاّ وسهّلوه وقرّبوه للناس، والأمّة ترى الأسماء هي الأسماء التي عهدتها في تاريخها وأمّا الحقائق فتخالف ذلك كلّه، ثمّ وجد من حسّن هذا الأمر وأفرغ وسعه من أجل إسباغ الشرعيّة عليه وساعدهم في هذا قلب الأسماء، فالزندقة عندهم هي الحرّية، والدخول في دين الطاغوت ديمقراطيّة، وموالاة الكافرين سلاماً ووحدةً وطنيّة، وأمّا شرع اللـه ودينه فهو التخلّف والرجوع إلى الوراء إلى زمن البعير والسيف والرمح، وسمّوا زنا المرأة فنّاً وحرّية اختيار، وسمّوا بيع الأوطان والديار سلاماً وحسن جوار.
هذا أبصره الشباب المقبل على ربّه ودينه، فعلم من دينه ما علم، فحمل كلمة الحقّ وقذفها في صدور الأعداء والمناوئين وبدأ يدعو إلى اللـه ويكشف للناس حقيقة ما هم عليه والواجب الملقى على عاتقهم، وكان جماع ذلك كلّه في كلمتين: الدعوة إلى اللـه والجهاد في سبيل اللـه.
الدعوة إلى اللـه: وفيها تعليم الناس ما جهلوه من التوحيد والسنّة، وفيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأمّا الجهاد في سبيل اللـه تعالى، فهو ضدّ المرتدّين قبل غيرهم، لأنّ رأس المال مقدّم على الربح وتحقيق الزيادة، أمّا الدليل على ردّة هؤلاء الحكّام وردّة طوائفهم فهو بسبب تبديلهم شريعة الرحمن وموالاتهم لليهود والنصارى والشيوعيين، ومعاداتهم المؤمنين والموحّدين وأتباع الرسل، ومن فعل هذه الأفاعيل فهو بإجماع الأمّة المسلمة التي خلت أنّه كافر مرتدّ، وإليك الدليل ردّة من بدّل شريعة الرحمن وحكم بشريعة الشيطان ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "والإنسان متى حلّل الحرام المجمع عليه أو حرّم الحلال المجمع عليه أو بدّل الشرع المجمع عليه كان كافراً باتّفاق الفقهاء".
والعبودية تقوم على الطاعة وامتثال الأمر، ولا تصحّ عبوديّة دون امتثال أمر السيّد الآمر وهو المعبود، ولذلك فكلّ من اتّخذ من نفسه آمراً ناهياً حاكماً على غيره من خلال التشريع والذي معناه تسمية الأشياء ووصفها بالحلّ والحرمة فقد جعل نفسه إلهاً مطاعاً معبوداً يُعبَد الأدلّة من القرآن والسنّة إنّ ممّا اتّفق عليه جميع الأنبياء والمرسلين هو الدعوة إلى توحيد اللـه في العبادة والقصد والطلب، قال تعالى:{ولقد بعثنا في كلّ أمّة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}[النحل: 36]، وكان ممّا يدخل في عبادة اللـه تعالى، بل هو قاعدة العبادة وأصلها، هو إفراد اللـه تعالى في الطاعة والامتثال، فاللـه هو الحَكَمُ وله الحُكم. قال تعالى: {إنِ الحكمُ إلاّ لله} [الأنعام: 57]. وقال تعالى:{ألا له الحكم}[الأنعام: 12]. وقال تعالى:{ألا له الخلق والأمر}[الأعراف: 54]. وقال تعالى: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله}[الشورى:10]. وقال تعالى: {ولا يشرك في حكمه أحداً}[الكهف: 26]. فهذه الآيات تبيّن بوضوح وجلاء أنّ حقّ الحكم هو للـه وحده، بل إنّ معنى الإله هو المعبود، والعبودية تقوم على الطاعة وامتثال الأمر، ولا تصحّ عبوديّة دون امتثال أمر السيّد الآمر وهو المعبود.
ولذلك فكلّ من اتّخذ من نفسه آمراً ناهياً حاكماً على غيره من خلال التشريع والذي معناه تسمية الأشياء ووصفها بالحلّ والحرمة فقد جعل نفسه إلهاً مطاعاً معبوداً يُعبَد، قال تعالى:{أم لهم شركاءُ شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}[الشورى: 21]. فقد سمّى اللـه المشرّع شريكاً وسمّى ما شرّع ديناً، وأصل كلمة الدين تعني الخضوع، وهكذا حال المطيع لشرع غيره فإنّما هو خاضع له، وهو معنى الدين، فهذه الآية جامعة لهذا الباب وهو تسمية المشرّع إلهاً، وتسمية الشرع الذي شرعه ديناً، وتسمية الطائع له مشركاً، وقال تعالى:{إتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله}[التوبة:31]، وقد فسّر النبيّ صلى الله عليه وسلم ربوبيّتهم على أتباعهم بطاعة الأتباع لهم في ما أحلّوا وحرّموا، فعن عديّ بن حاتم أنّه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلميقرأ هذه الآية:{إتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أُمِروا إلاّ ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلاّ هو سبحانه عمّا يشركون}[التوبة:31]، فقال: إنّا لسنا نعبدهم، فقال أليس يحرّمون ما أحلّ اللـه فتحرّمونه، ويحلّون ما حرّم اللـه فتحلّونه؟ فقال: بلى. فقال: فتلك عبادتهم.[رواه الترمذيّ وحسّنه].
وقد قرّر اللـه في كتابه كفرَ من حكم بغير كتابه، فقال سبحانه: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}[المائدة:44].
وسمّى اللـه من تحاكم الناس إليه من غير خضوع لأحكام الكتاب والسنّة طاغوتاً. قال تعالى: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيداً}[النساء:60]، وقال الشيخ الإمام محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان: كلّ تحاكم إلى غير شرع اللـه فهو تحاكم إلى الطاغوت[7/65].
ومثل الآية التي تقدّمت:{أم لهم شركاء...} قوله تعالى: {إنِ الحكم إلاّ لله أمر ألا تعبدوا إلاّ إياه ذلك الدين القيّم}[يوسف:40]. فقد سمّى اللـه الحكم عبادة، وسمّى ما يُحكم به ديناً، فمن حكّم اللـه في كلّ أمر فقد عبده واتّخذ دينه ديناً، ومن حكّم الطاغوت في أيّ أمرٍ فقد عبده واتّخذ حكمه ديناً، وقد سمّى اللـه تعالى شرع الطواغيت ديناً، كما سمّى شرعه ديناً فقال تعالى عن يوسف: {كذلك كدنا ليوسف، ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلاّ أن يشاء الله}[يوسف: 76]، فقد سمّى شرعَ الملك وحكمَه وملكَه ديناً.


عمر محمود أبوعمر





•·.·´¯`·.·• (التوقيع ) •·.·´¯`·.·•

الدين شرع الله للعبادِ *** جاء به الرسول للرشادِ



منقووووووووووووول.







التوقيع :
غريب

قديم 10-11-2003, 12:33 AM   رقم المشاركة : 2
شووق
( وِد ماسي )
 
الصورة الرمزية شووق
 






شووق غير متصل


اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مساء أصفى من وجه القمر مساء النقاء

اخي العزيز طوبى للغرباء

موضوع قيم سلمت يداك عليه

واسأل الله العلي القدير ان يجعله في ميزان اعمالك ان شاء الله

واسأله تعالى ان يرزقنا بالشهاده

لا تحرمنا من جديدك ايها الفاضل

تقبل خالص تحياتى مقرونة بأزهى الزهور

محملة بأعبق العطور وأندى وأعذب المنى

اختك بالله

شووق


اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


الى جنة الخلد يا بابا جابر

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:24 AM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية