هنالك بيت شعر مشهور ينغم بسحره كثير من العجائز ويرددونه والدموع تترقرق في عيونهم والشوق في قلوبهم:
آلا ليت الشباب يعود يوماً
فأخبره بما فعل المشيب
متخيلين انفسهم مجدداً وبدون أي أمل في سن الشباب ومحاولتين حتى في الخيال واسترجاع ما فقدوه من حيوية ونشاط وقدرة جسدية وفكرية وجنسية بسبب تقدم العمر الذي لا يرحم ولا يستثني أحداً من عواقبه حتى الوصول إلى النهاية المرسومة والمحددة من الله سبحانه وتعالى، ترى كيف ستكون ردة فعل هؤلاء المسنين إذا ما تجرأنا بالزعم استناداً على الدراسات الطبية العالمية ان ذلك ممكنا.بعضهم مثلا سينعتنا بالخرف والجنون والشعوذة بينما سيصف آخرون هذه الافادة بالخرافة.. وقلةٌ من سيؤمن بصدقيتها واحتمال حصولها.. فلا أحد ينكر ان العمر في يد الله عز وجل والشيخوخة قدر محتوم، ولكن من الممكن بمشيئة الله عز وجل ان يتمكن الإنسان من وضع حدا لآثار الشيخوخة واسترجاع شبابه المفقود وربما تمديد حياته. لقد احتد الجدل العنيف ووصل إلى درجة تبادل التهم والشتائم بين أطباء الشيوخ الذين يدعون ان وسائل استرجاع الشباب وابطاء الشيخوخة المثبتة حالياً لا تتسم بأية براهين طبية تؤكد فعاليتها فضلا عن انها تؤدي إلى تكاليف باهظة بدون أية فائدة ملموسة بينما يؤكد اعضاء الأكاديمية الامريكية لمعالجة وعكس آثار الشيخوخة ان تلك المزاعم افترائية وخالية عن الصحة وانه بامكانهم اثبات
نظريتهم انه من الممكن الوقاية من التغييرات الجسدية والفكرية التي ترافق تقدم السن باستعمال اساليب طبية وسلوكية قد برهنت فعاليتها لدى العديد من الشيوخ رجالا ونساءً!.
مظاهر التغير
فقبل الانغماس في هذا الجدل سنلقي نظرة واضحة وموجزة لأهم التغييرات التي تظهر تدريجياً لدى الرجال والنساء عندما يعبرون باب الشيخوخة من الناحية الجسدية والفكرية والنفسية والجنسية، فالمظاهر المألوفة عند الرجل تشمل الخمول الجسدي والسمنة خصوصاً حول الخاصرة وأسفل البطن والصلع وضعف السمع والنظر ورقة الجلد وتجاعيده وضمور العضلات والتشويش الفكري والمزاج المعكر والاكتئاب وربما فقدان الذاكرة رغم أن بعض الاخصائيين في طبابة الشيخوخة يؤكدون ان لا علاقة بتقدم العمر بل ان حدوثه يوحي بوجود مرض عصبي مثل مرض "الزهيمر" أو الخرف الشيخوخي والصعوبة بالتركيز الفكري وقلة النوم والسلس البولي والغائطي وداء الكبر وفرط الضغط الدموي والأمراض القلبية والوعائية والسرطان.
ومن الاعراض الجنسية فقدان الشهوة وتباطؤ التفاعل الجنسي ورخاوة الانتصاب وتخاذل القذف وقلة حجمه وفقدان القدرة على الحصول على انتصاب متتابع بعد القذف الا بعد وقت طويل أو فترة ساعات.. وأما بالنسبة إلى المرأة فإن التغييرات الفيزيولوجية التي تبرز لديها سببها الاساس سن اليأس وتشمل السمنة أو الهشاشة والضعف العضلي وتخلخل العظام وانقطاع العادة الشهرية وجفاف الاغشية المهبلية وضعف النظر والسمع وضمور العضلات وتجعد الجلد ورخاوته والخرف والتشويش الفكري وصعوبة التركيز وربما ضعف الذاكرة وعوكرة المزاج والاكتئاب والمشاكل الجنسية منها الحاجة إلى وقت طويل للحصول على الاثارة الجنسية وزيادة حساسية جلدها للمس مما قد يجعل الاحتكاك الجلدي مزعجاً وأقل اثارة وجفاف غشاوة المهبل ورقته مما يؤدي إلى تهييجه وحدوث الألم أثناء الولوج وانخفاض مدة الذروة الجنسية أو الايغاف مع حدوث ألم اثناءه بسبب تقلصات عضلات الحوض، وتزيد نسبة الاصابة بأمراض السكري وتصلب الشرايين وفرط الضغط الدموي والسرطان والامراض القلبية مع تقدم العمر.
اسباب علامات الشيخوخة
لقد زادت مدة البقاء بمشيئة الله سبحانه وتعالى على قيد الحياة منذ سنة 1900م إلى الآن حوالي 30سنة في الولايات المتحدة والدول النامية حسب الدراسات وأهم سبب لذلك يعود إلى القضاءعلى الأمراض الالتهابية كالسل والطاعون مثلاً وبعض الامراض القلبية والسرطانية التي فتكت بالملايين من الاشخاص في العصر الماضي وربما أيضاً لاسباب جينية وبيئوية اخرى والعلاجات المتقدمة الحديثة التي تمكنت بعون الله عز وجل بشفاء الكثير من الامراض المستعصية وامتدت مدة المكوث على قيد الحياة منذ الولادة بمعدل حوالي 40سنة للرجال و 50سنة للنساء في عام 1900م إلى حوالي 74سنة للرجال و 85سنة للنساء في عام 2003م وستستمر في الامتداد في السنوات المقبلة لتصل إلى ما فوق 90سنة وحتى 100سنة مع حصول اعراض وتغييرات الشيخوخة التي ستسبب عبئاً عظيماً على المجتمع الذي سيصبح مكوناً منه حوالي 20% من الشيوخ مع احتياجاتهم الطبية والمعيشية والعائلية مما سيؤدي إلى تكاليف باهظة يكون من الصعب على الدول استيعابها بدون تخفيض المساعدات الطبية والمالية إلى عامة الشعب.
وقد اظهرت بعض الدراسات في الولايات المتحدة ان هنالك الآن اكثر من 70.000شخص تعدوا المئة سنة من العمر والمتوقع ان يزيد هذا العدد بنسبة 12ضعفاً في سنة 2050م، ولنتمكن من ايجاد الحلول لآفات الشيخوخة علينا اولا التحري وكشف اسبابها ومن أهمها:
أ - الخلل الجيني:
حتى الآن لا نزال نجهل الاسباب الحقيقية لاعراض الشيخوخة ولكن كما اكد الدكتور (روش) مدير دراسات الشيخوخة في مركز هافينكنون في تكساس في الولايات المتحدة هنالك عامل جيني مهم مسؤول عن تقسيم خلايا الجسم التي تتوقف عن التكاثر بعد حوالي خمسين عملية تقسيمية، فيؤدي توقفها إلى ضمور أو موت بعض اعضاء الجسم أو تخاذل وظيفتها ويسبب ذلك مثلا ضعف النظر والسمع وغيرها من الآفات التي يمكن تفاديها باستعمال بعض الاساليب التي سنشرحها لاحقاً. ورغم انه لم يكشف بعد أية "جينات للموت" أو جينات اخرى تسمح للإنسان ان يعيش لمدة طويلة هنالك مع ذلك جينات تتحكم بالنمو والنشوء والتوالد والصيانة والتصليح والتصحيح الخلوي، كما أوضح الدكتور أولشنسكي في كتابه "البحث عن الخلود" فأي خلل في تلك الجينات قد يؤدي إلى أعراض الشيخوخة، وادعى الدكتور مارتين استاذ علم الوراثة في جامعة واشنطن أن هنالك العديد من الجينات التي تلعب دوراً أساسياً حول نوعية ومدة الحياة التي يعيشها الإنسان وبنى نظريته على دراسته لمرض "ورنز" الذي يسبب أعراض الشيخوخة لبعض الأشخاص الذين لم يتعدوا 20سنة من العمر منها الشعر الأشيب وتخلخل العظام وداء السكري والأمراض القلبية. واكتشف مع زملا
ئه جيناً دعاه recQ الذي ما تحول احيائيا فقد يسبب تعطيل آليته للمحافظة الخلوية المسؤول عنها. فالعامل الجيني أصبح من العوامل الأساسية المدروسة حالياً لتفسير أعراض الشيخوخة واكتشاف وسائل للحد منها.
ب - العلاقة بمضاد المؤكسد:
كشف الباحثون في جامعة كولورادو في الولايات المتحدة عن وجود جينات عند بعض الديدان التي إذا ما تحولت فقد تساعدها على البقاء على قيد الحياة ولمدة تزيد على مرتين أكثر من المعتاد. وإحدى تلك الجينات تتحكم بكمية مضاد المؤكسد الذي يصنعه الجسم. فعند تحول هذا الجين تزداد كمية هذا المضاد الذي يحد من تكوين الجذرات الحرة التي تؤذي الخلايا والأنسجة وتؤثر على الدنا أو الحمض النووي داخلها فتسبب أعراض الشيخوخة. والجدير بالذكر أن تأكسد الكوليسترول ضروري قبل ترسبه على بطانة الشرايين وإغلاق لمصبها فإذا ما أحبطت تلك العملية بالمضاد المؤكسد فيسمنع ذلك بعض الأمراض الوعائية والقلبية الخطيرة.
ث - تأثير الهرمونات:
أظهرت عدة دراسات عالمية تأثير الهرمونات على الية الشيخوخة فقد اكتشف الدكتور بلاكمان من جامعة جونز هوبكنس في الولايات المتحدة أن نقصاً في هرمون النمو قد يسبب شيخوخة مبكرة عند الشباب الذين يفقدونه، وان معالجتهم به يعود إليهم شبابهم وان استعماله يزيدهم قوة وصلابة ... ويقلل من الدهن في الجسم خصوصاً إذا ما أعطي مع الهرمون الذكري أو الأنثوي معاً عند اللزوم. وفي حال وجود نقص في الهرمون الذكري عند حوالي 10% من الرجال فقد تظهر أعراض مماثلة لأعراض الشيخوخة لديهم منها جنسية كالضعف الجنسي وفقدان الشهية وتخاذل القذف أو انعدامه وضعف وضمور العضلات والسمنة والتشوش الفكري والمشاكل النفسية والخمول والتعب الجسدي. وأما عند النساء فنقص الهرمون الانثوي قد يؤدي إلى ظهور علامات وأعراض الشيخوخة لديهن.
ث - أسلوب المعيشة:
إن لبعض أساليب المعيشة دوراً مهماً في ظهور أعراض الشيخوخة وأهمها نوع التغذية المتبعة والركود والتدخين والإدمان على الكحول والمخدرات وبعض العقاقير والتعريض لأشعة الشمس وغيرها. وقد أظهر الدكتور "لي" عقب انتهاء دراسته التي نشرها في مجلة "وراثيات الطبية" عن وجود جينات نشيطة تحمي الدماغ من تأثير تقدم السن تتعطل تدريجياً مع بروز الشيخوخة ولكنها تعود إلى وظيفتها ونشاطها إذا ما تقيد الإنسان بحمية قليلة بالكلوريات والتي قد تخفض نسبة وحدة أعراض الشيخوخة والأعراض العصبية الأخرى كمرض "ألزهيمر" وداء "بركنسون" الذين قد ينتجان عند التهاب يسببه تراكم بعض الجينات المعطلة في الدماغ.
وفي دراسة أخرى من مركز "مايو" الطبي في الولايات المتحدة على (111) رجلاً وامرأة تتراوح أعمارهم ما بين 90و 99سنة أثبتت تأثير حميتهم المحدودة بالكلوريات على تمديد حياتهم بمشيئة الله عز وجل وانخفاض نسبة أعراض الشيخوخة لديهم، وأن حوالي 50% منهم لم يشتكوا من أي فقدان في الذاكرة وحوالي 12% وحسب مصابون بخلل بالإدراك الفكري. وأكدت عدة دراسات منفعة الرياضة بوضع حد للشيخوخة واستعادة الشباب المعنوي إذا ما استعملت جسدياً وفكرياً. فالرياضة البدنية تساعد فعلياً على كبح بروز أعراض الشيخوخة وأمراض أخرى كالسرطان والفالح والأمراض القلبية ونسبة الحوادث ناهيك عن حماية الشيوخ من فقدان الذاكرة والأمراض الجنسية والنفسية وتساعد على نمو خلايا جديدة في الدماغ والمحافظة على مرونة وسلامة شرايينه.
تمنياتي ان انقل ماهو مفيد وجديد لهذا الصرح العالمي وزواره واعضاءه!
العرض العادي
