تثير كآبة الطرقات الغارقة في الظلمة والمطر رعشة في اعماقه الراكدة.
عابرون في مساء عابر.. يحثون الخطى.
اضواء سيارات شاحبة.. وشوارع تندلع على ارصفتها قطرات المطر.. تئن بحشرجة وئيدة كنهايات لحن حزين .
اشعل لفافة تبغ وركن ظهره الى سيارته.. رنى، الى نافذة لم تزل مضاءة في هذا الوقت المبكر من المساء.
خلفها..
لاحت في ضوء البرق، ترنو، ضامة يديها الى صدرها.. الى مطر.
ود لو ينهمر على وجنتها بقبلاته .. لو يضمها بين جوانحه.
بدا.. بمعطفه المطري وسحنته المشتتة كمسافر ارهقه سفر بعيد.. كطير مهاجر، حط متكسرا، مع قطرات المطر، على شارع.
لم تنقض سوى دقائق.. لحظة انطفأ النور في النافذة المشرعة على المساء والشوق والمطر.
دق قلبه بسرعة لحظة راها تنسل مع زميلتها في الزقاق. ودعتها سريعا. وسارت الى حيث يمكن تامين تاكسي بشكل افضل.
تردد ثوان.. نده بصوت اجش
: غالا..
تطلعت اليه.. رجلاه تغوصان في انكسار ضوء عامود الانارة ووجهه قابع كشبح مجهول في العتمة.. وصوته..
: ايعقل..!؟
هدر السؤال في ذهنها على حين غرة.. فارتعشت كناي..!
سار متقدما منها بخطى وئيدة..تاركا ظله في حفرة الماء..!
انتصب امامها كائنا من ظلال ومطر..
قال
:كم عام..
كم سنة..؟
ايقنت صوته الذي مر عاصفا كريح بين اغصان صقيعية.. حارت بما تجيب.. الجمتها المفاجأة.. وعقد لسانها اللا توقع..!
تابع
: كيف انت؟
ظلت تتطلع اليه بعينين مفتوحتين وقلب تتناهبه الريح والبرد والوحشة.
تراجع خطوة..
لحظت خطوته.. وهي مسمرة عينيها على وجهه والمطر.. والدمع الذي تساقط مختلطا بقطرات المطر.
تراجعت خطورة.. مترددة.
لحظة قال اخيرا
:لعلنا لم نلتق..
لعله ليس لقاءً..
الوداع.………………………!!
سار عائدا، جسما من ليل وشتاء.. باتجاه سيارته.
ادار المحرك..
وانطلق بسرعة غاضبة.. طاشا بقايا قطرات الماء في الحفرة على الرصيف المقابل.
اختفى.. في مدى الشارع..
وتساقط المطر ..