تكتب إليَّ:
«إن تذكرت فأحضر شمعة واحدة.. لنحتفل بها ونحن نودع عاماً فتت أعصابنا بالمطرقة الحديدية وعاصفة الصحراء ومطرقة العدالة!.. لا تنسَ أننا نودع عاماً مثخناً بالجراح.. اسمه سنة 2004»؟...
أنسى الشمعة وأتحمل نظرات العتاب..
وأطرق على جبهتي وأنقر على صدغي قهراً..
لكنني؛ عندما أخلو إلى نفسي.. فإنني أتذكر أن الشمعة في أعماقنا تعلن احتضارها بكل قوة..
فلماذا نأتي بشمعة وحولنا مطر.. وصقيع... وحرارة لاهبة.. ورياح عاصفة؟
أفرك أصابعي في باطن كفي.. لعلي أستطيع تحريك الدم الذي يقترب من حالة التجمد.. وكل أملي أن أكتب على ورقة زرقاء:
"أيتها القريبة.. أيتها البعيدة.. هل تريدين أن تعرفي سرَّ استمراريتي في هذه الحياة «المهزلة»؟"...
كنتُ دائماً أستعين بالحدس.. بهذا الذي نصفه بالقوة التي نستطيع بوساطتها أن نبصر ما لا تبصره العين.. وكم كنت في مرحلة ما أعرف الوفاء من وجوه أصحابه.. وأعرف الغدر من وجوه أصحابه..
كم كنت أعرف موسيقا الحبِّ وهي تتصاعد من شغاف القلب وشعيرات العين..
وكم كنت أدرك نشاز الحبِّ المنافق وهو يعكِّر البسمة..
ويرغمني على البكاء وحيداً!
إليَّ:
«مع غروب العمر تبقى الذكريات عالقة على جدران البيوت حتى تطلع القيامة على دراما أخرى في الوجود»...
ها أنذا وأنت كذلك كم كتبنا في دراما الوجود..
ولأن الدراما؛ في تعريفها هي «الصراع»؛ فكم دخلنا في صراع مع الوجود.. ومع الآخر.. ومع الذات..
حزّت السنوات حفرها ونتوءاتها فوق أجسادنا..
فوق أعناقنا..
فوق الصدر عند القلب..
ومع هذا كنا نشرب القهوة «المُهيّـلة».. ونضحك لأننا لم نسمح للغبار لكي يلتصق مادة لزجة وشوهاء فوق شفاهنا..
كنا نضحك ونغني..
وها نحن مع «غروب العمر».. ندرك (قبل) فوات الأوان (أو ربما بعد فوات الأوان!!).. أننا كنا أحجاراً في رقعة شطرنج..
وليتنا كنا نتمتع بأدوار رئيسة؛ ولكننا كنا مرغمين على أن نكون، أرقاماً.. لا معنى لها!
لا تكتب إليَّ عن «غروب العمر» أو «خريف العمر»..
ذلك لأن السؤال الذي «يكشط» أعصابي بسكين صدئة؛ هو عن هذا الجيل الذي نعاصره..
ولا بأس أن نتساءل بالميم الثلاثية:
متى؟
ماذا؟
من؟...
لنترك الأسئلة لأننا دفعنا من أعمارنا شيئاً كثيراً؛ لكنني أخشى على جيل قادم أن يدفع كل عمره.. ليكتشف؛ بعد فوات الأوان بالتأكيد! أنه كان يعيش حياة قامرت- منذ اللحظة الأولى لحياته - .. على مماته أو تحييده..
ليكون على هامش الهامش!.
موسم قصير.. قصير..
لهذا الذي نعرفه بأنه «بابا نويل أو سانتا كلوز» فليتقدم نحونا وليفرحنا قليلاً!!.. إن كان ثمة فرح في داخلنا!
لأن هذا الفرح سرعان ما سيتحول إلى حزن عندما نعلم الحقيقة المرة، بأن ليس "بابا نويل"أو "سانتا كلوز" إلا أكذوبة نفتتح بها العام الجديد وننهي بها عاماً مضى، فنختصر العام بأكذوبة العيد، يبدأ بكذبة وينتهي بكذبة.
ثمة موسم للصيف.. فلينضج العنب.. ولنفرح قليلاً بعنقود عنب يزيل طعم المرارة أو الحنظل من أفواهنا!..
ثمة موسم للغفران.. فليتوقف الغفران؛ بكل جلاله وهيبته؛ فربما استطيع أن أوقف بندول الساعة الذي يتراقص أمام عيني؛ كأنه مشنقة متأرجحة في الهواء.. سأتوقف أمام قامته.. وأتمتم هامساً.. ليغفر لي أخطائي التي ارتكبتها عندما أحببت بشراً.. لم أنل منهم في نهاية المطاف إلا الكثير من المكائد..
ليتوقف موسم الغفران..
فأنا؛ وقبل أن ترتجف شمعة العام /2004/ معلنة نهايتها؛ سأصلي في محرابه.. ثم أطلب منه المغفرة لأنني صدّقت يوماً متوسلاً أو متوسلةً على منبر ٍ أو عبر مقالات شتى.. وهو يقول: يا الله !.
فلم أكن أعرف يومها أن للكلمة وجهين.. وأن سوق الكلام.. قد فتح أبوابه للجميع؛ وأن من يتأوه بـ"يا الله " تزداد جيوبه تخمة بالمال.. بينما نذهب إلى منازلنا ونحن نقلب (معنى) التوسل .. فلا نجد إلا الدموع ملاذاً لنسكن القهر الذي طفح عن قلوبنا!..
ليتوقف موسم الأقلام والحبر والأوراق لحظة واحدة (أو أنها دقيقة واحدة!!) في منتصف الليل الذي تنقلب فيه الورقة لتعلن مجيء سنة جديدة اسمها /2005/..
ليتوقف كل ذلك في تلك اللحظة..
ذلك أنني سأسارع إلى سكب محبرة كاملة على خبر يقول إن سنة /2004/ هي سنة الجندي الأميركي.. مثلما كانت سنة /1950/ بعد أن شنت الولايات المتحدة حربها على كوريا سنة «المقاتل الأميركي».. كما أخبرتنا بذلك مجلة «تايمز»..
سأسكب المحبرة على ذلك الخبر..
فمن الخير لأعصابي أن تتمتع ببحر ٍ من الحبر الأزرق.. على خبر لا صدق فيه إلا سطوره دون كلمات!..