وكأن فضائح تعذيب السجناء العراقيين , مسلسل مكسيكي من الف حلقة , يمتد الى ما لا نهاية , حتى يمل المشاهد من متابعته . ولكن , عندما يطرأ حدث جديد , او نشعر بأننا امام عقدة قصصية جديدة , يعود الاهتمام بالمتابعة . فكيف اذا كان الامر انسانيا يتعلق بارواح الناس وعذاباتهم , وكيف اذا كان هذا المسلسل قصة واقعية , وليست من نسج اديب مغمور اراد ان يحرك مشاعر الناس ويبرز مواهبه .
انها قضية السجناء العراقيين من جديد .
قضية الاشخاص الذين تعرضوا للمهانة والتعذيب والاذلال على ايدي القوات التي تدعو الى الحرية والديمقراطية , وتظهر للعالم بـانها المخلص الوحيد للشعوب من براثن الديكتاتورية , وتحمل لواء تطهير الارض من الارهاب .
فضيحتان جديدتان تنفرد عكاظ بنقلهما على لسان معتقلين وهم من ضمن مئات الاسرى الذين حالفهم الحظ ونجوا وخرجوا بعد انفجار فضيحة التعذيب في سجن ابو غريب في وجه الادارة الاميركية والاحتلال والذين تحدثوا عن ما في قلوبهم من مأس وحسرة .
والفضيحة الاولى يرويها ابو احمد , حيث يكشف عن وجود مخيم كبير مغلق ضمن سجن ابو غريب , معزول عن بقية المخيمات بواسطة جدران الكونكريت العالية جدا , وليس له اي مدخل او مخرج .
وتتم الحركة منه واليه , فقط بواسطة المروحيات التي تنقل السجناء ما بين هذا الموقع , وسجن بوكه في ام قصر .
هذا المخيم معروف باسم مخيم فجيليند , ويحوي ما يقارب الالفين وخمسمائة معتقل , غير مصرح عنهم , ولا ترد اسماؤهم ضمن اللوائح المتعامل بها.
كما ان جميع وسائل التعذيب القذرة تمارس ضمن هذا المخيم , خاصة داخل سيارة كارافان خاصة للتعذيب , من يدخلها مفقود , ومن يخرج منها مولود , ولكن بغير صفته الانسانية . ويقول ابو احمد انه تمكن من مشاهدة هذا المخيم من خلال القاعة رقم c5 التابعة لمستشفى السجن الرئيسي .
واكد موقعه انه بجانب قاعات سجن ما يسمى بالثقيلة ايام نظام صدام حسين , الذي كان يضم حينها اصحاب الجرائم الكبيرة او التهم الاستخباراتية الثقيلة .
ويروي ابو احمد عن زيارة لوزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد تمت في العاشرة ليلا من ذات يوم , وهي احدى الزيارات المتعددة التي قام بها رامسفيلد الى سجن ابو غريب , يقول ان رامسفيلد قد حضر شخصيا عملية تعذيب ثلاثة نساء في سيارة الكارافان آنفة الذكر .
ويؤكد ابو احمد ان من كان يموت من السجناء اثناء التحقيق , كان حراس السجن يصدرون بحقه مذكرة اطلاق سراح بتاريخ يسبق الوفاة بضعة اسابيع , وحين يتم السؤال عنه من طرف ذويه , او حتى من طرف القيادات , كانوا يقولون انه اطلق سراحه منذ اسابيع , ولا يعرفون عنه شيئا بعد ذلك .
كما يؤكد ابو احمد ان مخيم فجيليند هذا هو مخيم خاص لا احد يعرف عنه شيئا , الا من تمكن بالصدفة من مشاهدته , وانه خارج اطار كل ما يعرف عن السجناء لدى قوات الاحتلال .
اما الفضيحة الثانية , فيرويها لنا ابو يوسف وهو احد المطلق سراحهم مؤخرا وتتعلق بوجود ثلاثة اسرائيليين في سجن ابو غريب من ضمن حراسه الاميركيين , وان الثلاثة هؤلاء اصبحوا اليوم في سجن تكريت . ويقول ابو يوسف انه كان معتقلا منذ حوالي الستة اشهر , حيث اقتيد الى سجن ابو غريب , والى معتقل كروبر بالتحديد . وانه تمكن من التعرف على ثلاثة من حراسه في المعتقل , وهم دانييل وسليمان وجوزيف , وانهم اسرائيليون كما ابلغوه بأنفسهم . حيث قال له دانييل ان حضر الى العراق للانتقـــام لاخيه الذي قتل جراء قصف اسرائيل في عام 91 من طـــرف العراقيين . كما ابلغه سليمان انه جاء العراق كرها بالعرب والمسلمين .
وان الثالث جوزيف قال له انه من الموساد , وانه مسؤول عن التحقيقات مع السجناء .
ويقول ابو يوسف ان الحراس الثلاثة هؤلاء كانوا الاشد قسوة في عمليات التعذيب التي تعرض لها السجناء في ابو غريب . ويضيف انه بعد فترة تم نقله الى سجن تكريت , في القصر الرئاسي القديم الذي كان يعرف باسم قصر الفاروق , وانه من سوء حظه , كان هؤلاء الثلاثة قد سبقوه الى تكريت , وانهم ما زالوا لغاية الان فيها .
ويختم ابو يوسف بالقول انه تعرض لاقسى انواع التعذيب من ضرب واسلاك كهربائية واطلاق الكلاب المسعورة عليهم , وانه لن ينسى ابدا هذه المرحلة من حياته .