الحياة مواقف
الحياة مواقف, والمواقف لها رجال وأزمنة وأمكنة . والملك عبد العزيز ــــ رحمه الله ـــــ كان أحد الرجال الأفذاذ الذين كانت لهم مواقف مشهودة عبر فترة تاريخية معلومة, ورقعة جغرافية محددة .ولقد تركت هذه المواقف بصمات ناصعة على صفحات التاريخ المتميزة. بدأت مسيرة الملك عبد العزيز من الكويت عندما انطلق مع رفاق دربه ليسترد الرياض عاصمة ملك آبائه وأجداده ,وذلك في الخامس من شهر شوال 1319 هــ (24يناير1902م ). وغيرت هذه المسيرة وجهة التاريخ في كل من شبه جزيرة العرب والوطن العربي والعالم الإسلامي .ومن الرياض انطلق الملك عبد العزيز رافعا لواء الدين والوحدة ,ومن خلفة رجال صدقوا الوعد وأخلصوا النية وعقدوا العزم على بذل دمائهم وارواحهم رخيصة من اجل إعلاء كلمة الحق, وتحقيق وحدة الوطن . وتواصلت انتصارات الملك عبد العزيز ورجاله الغر الميامين من حاضرة وبادية إلى أن استطاعوا جميعا إقامة دولة حديثة يسود ربوعها العدل والآمن اللامان ,لتصل مساحتها فيما بعد إلى حوالي 2.25 مليون كيلومتر مربع تؤلف حوالي أربعة أخماس شبه مساحة جزيرة المملكة العربية السعودية كثيرة ومتعددة , تضافره كلها في نهاية الأمر , فانجلت عن دولة حديثه تستظل براية التوحيد راية "لإله إلا الله محمد رسول الله" .موضوع هذا المقال الذي يتطرق البادية وكيف أن الملك عبد العزيز تعامل وتفاعل معها في ضوء ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية صعبة ,هو من الأهمية بمكان. خاصة وأنها تجربة فريدة وضعت الأساس الاجتماعي والاقتصادي لبناء المملكة العربية السعودية كدولة حديثة . بقدر ما كانت أعمال الملك عبد العزيز موضوعية الطابع فإنها في الوقت نفسه كانت لا تقف عند حد , كما أنها لم تكن ذات دفع أني مقلد ولا استمرارية بطيئة الحركة ترتكز على ذكرى ماحق الأباء والأجداد . لقد كانت تلك الأعمال أشبه بملحمة من الأحداث المتتابعة من اجل تحقيق أهداف واضحة مفادها رفعة الدين اللامة والوطن ,وبرزة أحد أهم طموحات الملك عبد العزيز هذه في قصته من أمين الريحاني الكاتب اللبناني الأصل. الأمريكي الجنسية. وفحوى بلك القصة أن الريحاني كان ذات مرة في حضرة الملك عبد العزيز في الرياض وذكر له أنه شاهد على باب قصره الملكي في هذه المدينة بيتا من الشعر هذا نصه: لسنا وإن أحسابنا كرمت يوما على ألا حساب نتكل وأضاف الريحاني قائلا للمليك: نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثل ما فعلو. فقال الملك:"نحن نبني يا أستاذ كما كانت أوائلنا تبني, نفعل إن شاء الله فوق ما فعلو.. (1) ولكن البناء آنذاك لم يكن بتلك السهولة وتحقيق طموحات عبد العزيز لم تكن طموحات محدودة الأبعاد سهلة التحقيق خصوصا وأن البناء لابد له من قوة بشرية كبيرة مأمون الثبات, مضمونة الولاء .وكانت مكامن الصعوبة تلك متمثلة في كون جل المجتمع السعودي مؤلفا من سكان بادية غير مستقرين بحيث يصعب على أية حكومة مركزية الأبصال بهم أو ربطهم بها مباشرة ليأتمروا بأوامرها ,وتحترموا أنظمتها , ويمنحوها عن طيب خاطر ولاءهم.