كثيراً ما يطرح هذا السؤال، خاصة عند الإعلان عن وظيفة شاغرة، ويشترط في إعلان الوظيفة أن يكون المؤهل الدراسي أو التخصص يتطابق ومجال الوظيفة، وهذا شيء طبيعي، لكن غير الطبيعي أن يغلق باب المتقدمين على حملة هذا التخصص دون سواهم، وكأن كل من تخرج من كليات الإعلام إعلامي لا يشق له غبار، أو أن كل من درس التسويق حجة زمانه في التسويق، أو خريج كلية الزراعة هو أبو الثروة النباتية والحيوانية، ومرجعية المزارعين المخضرمين!!....إن الطالب العربي في الغالب، وربما دون سواه بين سائر طلاب العالم، تكون هوايته شيئاً، ولكنه يدرس تخصصاً آخر، لظروف خارجة عن إرادته، عندما تأتي الرياح بما لا تشتهي سفينته، وإذا تخرج، المفاجأة غير المستغربة أنه يعمل في حقل ربما بعيد كل البعد عن تخصصه، وحتى عن هوايته، حيث تضطرُّهُ ضغوط العيش ومتطلبات الحياة والتزاماته القبول بأي وظيفة، المهم أن يفلت من قيد البطالة الذي قد يحوله حتى إلى عامل بالتهريب داخل الخط الأخضر يلعن اليوم الذي ساقه إلى الجامعة، حين يجد نفسه لا مع الأولين ولا الآخرين والغريب أن أمثال هؤلاء العصاميين الذين تكون رغباتهم شيئاً ودراستهم شيئاً مختلفاً ومجال عملهم الذي اكتسبوا فيه الخبرة أبعد ما يكون عن الرغبة والهواية والتخصص، يبدعون أيما إبداع في المجالات التي يعينون فيها، كأنه نوع من إثبات الجدارة والكفاءة، وتتحقق رؤيتهم حين يظهروا ربما تفوقاً غير معهود على زملاء آخرين متخصصين في المجال، لكن تخصصهم لم يشفع لهم بأن يجعل عربتهم في المقدمة، فقد تجد خريج كلية إعلام لا يحسن تركيب جملة مفيدة، ولكن الباب يفتح له الباب عند الإعلان عن أي وظيفة ذات طابع إعلامي!!....، وإذا كان عمه من الكبار الواصلين سوف تكون الوظيفة من نصيبه شاء من شاء وأبى من أبى وعلى عينك يا تاجر، ومن لا يعجبه ذلك يبلط البحر!!، في حين لا يسمح لغيره من حملة التخصصات الأخرى بالدخول وأخذ فرصتهم في التسابق على هذه الوظيفة، ممن قد يكون من بينهم من يثبت من الكفاءة والجدارة ما يؤهله ليكون أفضل المتقدمين حتى لو كان تخصصه مخالفاً. أعرف بالمملكة العربية السعودية من كان أقوى رئيس تحرير لإحدى المطبوعات، وأغزرهم ثقافة، وأفضلهم عبارة، وأسلسهم أسلوباً ماتعاً جاذباً، وأكثرهم جُرْأَةً في الطرح والمبادرة، حتى قيل لي إنه برناردشو الصحافة السعودية، والمفاجأة أنه طبيب أسنان، وليس خريج كلية إعلام، وفي مجال التمثيل والأعمال الدرامية والسينمائية حدث ولا حرج، ومن يبحث ويتقصى يجد أن أشهر نجوم الفن بشقيه التراجيدي والكوميدي ليسوا خريجي كليات فنون، صحيح ان الذي يدرس التخصص في أي مجال تكون لديه خلفية علمية قد لا تتوفر لمن أثبت الفروسية وصقلته الخبرة في المجال، وهذا لا أحد يستطيع أن يغمض فيه العين، لكن في النهاية أنت تريد من الشخص الذي يقع عليه الاختيار لوظيفة ما أن يملأ الكرسي الذي يجلس عليه، أو أن يكون قولاً وفعلاً، وتتحقق معه مقولة الرجل المناسب في المكان المناسب، أعرف زميل دراسة خريج كلية اللغة العربية، عمل في أحد البنوك سنين طويلة، حتى صار كما يقال «بانكر» من الطراز الأول، فهل مثله يقل في شيء عن خريج كلية المحاسبة مثلاً الذي لا يستطيع أن يعمل ميزان مراجعة!!، وعن نفسي بلا فخر أقول إنني خريج كلية الاداب لغه انجليزيه، وكل الزملاء الذين درسوا في كلية العلوم الاهليه للفترة من 1990-2010م سمعوا بالبصمجي رقم واحد بالكلية، لكني لم امارس تدريس الانجليزي قط، حتى أصبحت حالياً لا أفرق بين السبانخ والجرجير ولا حتى بين الكزبرة والبقدونس!!، فما قيمة مرتبة الشرف الأولى وما قيمة الشهادة؟! فالرجاء من مديري الموارد البشرية أن يلاحظوا أن الممارس غلب الفارس، وأن يفتحوا المجال عند الإعلان عن أي وظيفة أمام كل من يجد في نفسه الكفاءة، حتى وإن كان معلوماً أن غالبية هذه الإعلانات شكلية، ولذر الرماد في العيون، لأن غالبية الوظائف مباعة من تحت الطاولة، ويفوز بها دائماً عكاشة، الذي ربما لا يحضر المقابلة ولم يسبق أن سمع به المتسابقون، فلله درك يا حرف الواو، مذ سرقك عمرو من داود وانت تشغل بال الناس.
هل الممارس غلب الفارس؟
العرض العادي
